Skip to main content

أشبه بأحجية.. خبراء يجمعون أجزاء قطع أثرية حطمها تنظيم الدولة بالموصل

الإثنين 20 ديسمبر 2021
تتعرض آثار العراق للنهب منذ عقود ولا سيما بعد الغزو الأميركي عام 2003

يعكف خبراء عراقيون بمساعدة من مرممين فرنسيين، على تجميع المئات من القطع الحجرية الصغيرة، في متحف الموصل في شمال العراق، هي أجزاء من آثار يفوق عمرها 2500 عام، حطّمت على يد تنظيم "الدولة".

وتضمّ القطع خصوصًا أسدًا مجنّحًا وزنه عدّة أطنان، وثورين مجنحين آشوريين، وقاعدة عرش من عهد الملك آشور ناصر بال الثاني، وهي تعود إلى الألف الأوّل قبل الميلاد، وهي قيد الترميم بفضل تمويلات دولية وخبرات من متحف اللوفر في باريس.

أما في الطابق الأرضي من المتحف، فتبرز قضبان حديد من فجوة لا تزال بارزة في الأرضية، لتكشف عن الطابق السفلي. أحجار من كلّ الأحجام مبعثرة على منصات وطاولات وزّعت على قاعات المتحف الحضاري في الموصل.

وبدأ الخبراء بالفعل بفصل وتوزيع الأجزاء الخاصة بكلّ قطعة أثرية. تبرز على بعض الحجارة مثلًا أجزاء من مخالب، وأخرى تبدو وكأنّها بقايا أجنحة.

كما تظهر على أجزاء أخرى كتابات بالمسمارية، فيما وزّعت القطع الأصغر على طاولات، ورقّمت.

أشبه بأحجية

ويشرح دانييل إيبليد، أحد خبراء الترميم الفرنسيين المبعوثين من متحف اللوفر لدعم الفريق العراقي "لدينا خمس قطع مهمة في المتحف، وينبغي فصل كلّ الأجزاء".

ويضيف: "الأمر أشبه بأحجية، عليك محاولة إيجاد كل القطع لتكتمل القصة، وشيئًا فشيئًا، تتمكن من إعادة جمع الكلّ".

وبعد ثلاث مهمات في يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول ومطلع ديسمبر/ كانون الأول، ينوي الخبراء الفرنسيون التناوب لإجراء زيارات دورية إضافية إلى الموصل، كما يشرح إيبليد، مع عشرةٍ من العاملين في متحف الموصل.

"قطع متناثرة"

وتحت الأضواء، تبرز قاعدة العرش، وعليها نقوش مسمارية، مجمّعة بشكل جزئي. جمعت بعض الأجزاء بأربطة مطاط أو حلقات حديد. ويقول أحد الخبراء العراقيين فيما يشير بيده على فجوة في قاعدة العرش "هنا مركز التفجير".

وبعدما سيطر تنظيم "الدولة" على الموصل عام 2014، قام عناصره بتحطيم وتفجير قطع أثرية ضاربة في القدم، تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، في المتحف الواقع في ثاني أكبر مدن العراق، ونشروا مقطع فيديو في فبراير/ شباط 2015 يظهر تدميرهم لها.

ويشرح شعيب فراس أحد العاملين في المتحف، لوكالة فرانس برس: "دمّرت قاعدة العرش إلى أكثر من 850 قطعة. تم تجميع ثلثيها".

ويعمل نحو عشرة من زملائه على إنهاء تجميع هذه التحفة الأثرية الهامة. ويحمل فراس شهادة في الدراسات السومرية وهي خبرات ضرورية جدًا في عمليات إعادة الترميم.

يقول طه ياسين إبراهيم، أحد الخبراء العاملين في الترميم "عملي تجميع القطع المتناثرة وقراءة الكتابات الموجودة عليها، وعلى أساس الكتابات نعيد القطع إلى مكانها". لكن يتمثل التحدي الآن في إكمال الجزء الداخلي من العرش.

ومضى يقول: "نواجه صعوبة في الحشوات الداخلية التي ليس بها سطح مستوٍ أو كتابات تدل على مكانها. أن نجد مكانها هو من أكثر المهمات صعوبة".

ويأمل مدير المتحف زيد غازي سعد الله الانتهاء من أعمال الترميم خلال خمس سنوات. وبدأ مشروع الترميم في العام 2018 كإجراء عاجل، لكن تأخيرات حصلت بسبب جائحة كوفيد-19.

ويُبيّن سعد الله: "كانت البدايات عبارة عن إجراءات عاجلة قمنا بها في داخل المتحف من أجل الحفاظ على ما تبقى من آثار محطمة".

ويضمّ المتحف المئات من القطع. ويقول سعد الله، آسفًا: "تعرضت تلك القطع للتدمير أو السرقة".

ويشرح أن "عدد القطع الأثرية التي كانت موجودة سابقًا حسب الإحصائيات اجتازت المئة قطعة. ومعظم هذه القطع الموجودة تعرضت للتدمير والسرقة قبل التدمير وهذا ما أدخلنا في إرباك تحديد ما هو موجود وليس موجودًا".

وتابع: "من خلال أعمال التوثيق السابقة بحوزتنا ومن خلال ما نقوم به من ترميم للقطع الأثرية سنتمكن من تحديد العدد الحقيقي للقطع المسروقة، والقطع الموجودة المدمرة، والقطع المدمرة التي جرى فقدانها بعد التحطيم أيضًا، وهي تعود إلى أزمان مختلفة".

إحياء التحف

في بعض قاعات المتحف، كتبت على أوراق بيضاء علّقت على الجدران القطع المفقودة من الآثار التي يجري ترميمها. على أحدها، كتبت عبارة: "محراب مسجد الرحماني حجر المرمر مفقود".

وتتعرض آثار العراق للنهب منذ عقود ولا سيما بعد الغزو الأميركي في العام 2003. وتشكّل استعادة هذه القطع المنهوبة، واحدةً من التحديات الأساسية للحكومة الحالية.

وتمول مشروع ترميم المتحف الحضاري في الموصل، منظمة "التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع" أو "ألِف".

وتشير مديرة قسم التحف المشرقية في متحف اللوفر أريان توما إلى أن "مشروع متحف الموصل هو المشروع الرئيسي لمنظمّة ألِف".

تشارك منظمة سميثونيان الأميركية أيضًا بالمشروع، عبر تدريب فرق المتحف، فيما يقوم الصندوق العالمي للآثار والتراث بترميم مبنى المتحف الذي دمّر جراء النزاع.

وتضيف توما أنه بالمجمل، يشارك من 20 إلى 25 شخصًا من متحف اللوفر في العملية "معظمهم بدون مقابل"، لا سيما من "خبراء في الخشب والمعادن".

المصادر:
أ ف ب
شارك القصة