الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

"أكثر من حدث رياضي".. لماذا أنفقت الصين المليارات على الألعاب الأولمبية الشتوية؟

"أكثر من حدث رياضي".. لماذا أنفقت الصين المليارات على الألعاب الأولمبية الشتوية؟

شارك القصة

"أنا العربي" يكشف تفاصيل الاختفاء الغامض لمتزلجة إيغورية حملت الشعلة الأولمبية في أولمبياد بكين 2022 (الصورة: غيتي)
لعلّ الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للزعيم الصيني شي جينبينغ هو أن الألعاب الأولمبية تشكل فرصة تُظهر للعالم وحدة بلاده وثقتها بقيادته.

بالنسبة إلى العديد من المدن حول العالم، لم تعد الألعاب الأولمبية مصدر جذب بسبب الفاتورة الضخمة التي تتكبّدها الدولة المضيفة، في مقابل فوائد سياحية أقل من المأمول.

إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية اعتبرت أن الألعاب الأولمبية تدخل في إطار حسابات خاصة بالنسبة إلى الصين التي لا تعتبرها "مجرد حدث رياضي"، بل هدفًا للاعتزاز الوطني والحماسة للبنية التحتية المتطورة.

وكلّفت استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية الصين مليارات الدولارات. وتعتمد بكين منذ فترة طويلة على الاستثمارات الكبيرة في بناء خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة وغيرها من البنى التحتية لتوفير ملايين فرص العمل لمواطنيها وخفض تكاليف النقل.

ومع دورة الألعاب الأولمبية لعام 2022، تأمل أيضًا في تعزيز الاهتمام الدائم بالتزلج وهوكي الجليد وغيرها من الرياضات الشتوية التي يمكن أن تزيد من إنفاق المستهلكين، لا سيما في شمال شرقي البلاد البارد والذي يعاني اقتصاديًا.

ولعلّ الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ هو أن الألعاب الأولمبية تشكل فرصة تُظهر للعالم وحدة بلاده وثقتها بقيادته.

ونقلت الصحيفة عن جان بيير كابستان، العالم السياسي في جامعة هونغ كونغ المعمدانية قوله إنه "بالنسبة إلى صورة الصين الدولية وهيبتها، كما يقول الصينيون، لا شيء يُعتبر مكلفًا للغاية".

وكان اختيار المتزلّجة الإيغورية الشابة من شينغيانغ دينيجير يلاموجيانغ لحمل الشعلة الأولمبية في حفل افتتاح الأولمبياد قد أثار شجب جماعات حقوق الإنسان الإيغورية في الخارج، التي فسّرت قرار اختيار يلاموجيانغ، بدلًا من رياضي معروف أو محترف، لحمل الشعلة مع لاعب من أغلبية الهان الصينية، على أنه "تحد من قبل الرئيس الصيني لحملة الضغط العالمية، ومحاولة لإظهار الوحدة الوطنية".

حذر من التكاليف الباهظة

ومع ذلك، كانت بكين حذرة من التكاليف المتصاعدة، مع تباطؤ الاقتصاد الصيني بالفعل، والتوقّعات القاتمة للنمو العالمي، فضلًا عن المخاوف من أن يؤدي متحور أوميكرون من فيروس كوفيد-19، إلى المزيد من الإغلاقات وخنق سلاسل التوريد العالمية.

وخلال السنوات الأخيرة، أثارت كل دورة ألعاب أولمبية تقريبًا نزاعات حول تجاوز التكاليف. وقد وجدت دراسة في جامعة أكسفورد أن تكاليف تشغيل الألعاب الأولمبية التي عقدت منذ عام 1960 قد بلغ متوسطها ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما عرضته المدن المضيفة في الأصل لاستضافتها.

وأنفقت مدينة سوتشي في روسيا، التي استضافت الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014، أكثر من 50 مليار دولار، استثمرت أكثر من نصفها على البنية التحتية.

وعندما استضافت بكين دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008، قالت إنها أنفقت 6.8 مليار دولار، ولكن ذلك لا يشمل عشرات المليارات الأخرى التي استخدمتها لبناء الطرق والملاعب وخطوط مترو الأنفاق ومحطة المطار.

هذه المرة، حدّدت الصين ميزانية بنحو 3 مليارات دولار، وهو رقم يشمل بناء أماكن المنافسة، ولكن ليس مشاريع مثل خط سكة حديد عالي السرعة بقيمة مليار دولار وطريقًا سريعًا بقيمة 5 مليارات دولار.

وباء كوفيد

وأدى وباء كوفيد- 19 إلى ارتفاع تكلفة الألعاب، حيث تضمنت فاتورة دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو الصيف الماضي 2.8 مليار دولار من تكاليف الوقاية من الفيروس التاجي وحدها.

وبدّد تشدّد الصين بشأن الوباء الآمال في أن تجذب الألعاب السائحين. وقال المنظمون الخريف الماضي إنهم لن يبيعوا تذاكر للمتفرّجين الأجانب. ثم أعلنوا الشهر الماضي أن معظم السكان الصينيين لن يتمكّنوا من الذهاب أيضًا، مما دفع مديري الفنادق في بكين في اللحظة الأخيرة إلى خفض الأسعار المرتفعة للغرف لشهر فبراير/ شباط بشكل كبير.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، أصرّت السلطات الصينية على الالتزام بحدود الميزانية التشغيلية. وذكرت اللجنة المنظمة أن الصين وفّرت أموالًا بإلغاء مراسم استقبال الزوار الأجانب، واختصار مدة نقل الشعلة إلى ثلاثة أيام فقط. كما تمكّنت بكين من إعادة استخدام ملاعب ومركز إعلامي ضخم، ومرافق أخرى أقيمت من أجل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008.

ووفقًا لباحثي جامعة أكسفورد، فإن الميزانية التشغيلية للألعاب في الصين، التي تبلغ 3.1 مليار دولار، مماثلة لمتوسط التكلفة لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية السابقة.

لكن بالنسبة إلى بينت فليفبجيرغ، أستاذ إدارة البرامج الرئيسية في جامعة أكسفورد، "من الصعب تقييم أي جزء من تكاليف الوقاية من الفيروس التاجي، يتمّ تضمينه في الميزانية. كما ضغطت الحكومة على الشركات لتحمّل المزيد من تكاليف استضافة الألعاب".

نهج مختلف

وبينما أنفقت المدن المضيفة الأخرى للدورات الأولمبية السابقة بشكل كبير لبناء أماكن إقامة للرياضيين والصحفيين ومركز إعلامي، اتخذت الصين نهجًا مختلفًا.

ففي تشانغجياكو، وهي منطقة بالقرب من بكين حيث تقام بعض المسابقات، استولت السلطات الصينية مؤقتًا على منتجع "جنتينغ سيكريت غاردن" للتزلج المملوك للماليزيين. ووسّع المنتجع طاقته الاستيعابية إلى 3800 غرفة وشقة لقضاء العطلات، بعد أن كان مؤلفًا من 380 غرفة فقط قبل أن تفوز الصين باستضافتها للأولمبياد.

وقال ليم تشي واه، مؤسس المنتجع والمالك المشارك له، في مقابلة مع الصحيفة، إنه لم يُبلّغ بالمقدار الذي ستعوّضه به الحكومة عن استخدام المنتجع معظم موسم الشتاء، لكنه "واثق من أن ذلك سيكون عادلًا".

استثمارات لتطوير الصناعة

ولا تحتسب الصين أيضًا استثمارات البنية التحتية طويلة الأجل التي تمت في السنوات التي سبقت الألعاب. وأنفقت الحكومة ملياري دولار لبناء طريق سريع من شمال غرب بكين إلى يانتشينغ، حيث تقام فعاليات التزلج على الجليد في الألعاب الأولمبية، و3.6 مليار دولار إضافية لتوسيع الطريق السريع إلى وادي تايزيتشنغ، حيث توجد منتجعات التزلج.

وحتى قبل أن تفوز بكين باستضافة أولمبياد 2022، بدأت الحكومة في إنفاق 8.4 مليارات دولار على خط سكك حديدية فائق السرعة ينقل المسافرين من بكين نحو منغوليا الداخلية بسرعة تصل إلى 217 ميلًا في الساعة. وبعد فوزها في الألعاب الأولمبية، أضافت بكين مليار دولار إلى ذلك المشروع لبناء قطاع إضافي ينطلق إلى جبال تايزيتشنغ.

وقال أندرو زيمباليست، الأستاذ في كلية سميث الذي نشر ثلاثة كتب عن اقتصاديات الأولمبياد: "إن الصينيين لا يحسبون أيًا من ذلك - يقولون إنهم كانوا سيبنون ذلك على أي حال"، متسائلًا عمّا إذا كانوا سيفعلون ذلك على أي حال؛ وإذا كانوا سيفعلون ذلك على أي حال، فلماذا يتعين عليهم استضافة الألعاب الأولمبية".

ويأمل مالكو المنتجع مثل ليم تشي واه أن تساعد البنية التحتية الجديدة في تطوير الصناعة. وقال إنه بتوسيع المنتجع عشرة أضعاف قبل الأولمبياد، قيل له أن يتوقّع أن تسير خدمة السكك الحديدية الوطنية 15 أو 20 قطارًا يوميًا إلى وادي تايزيتشنغ.

وتعتبر الصين الألعاب الأولمبية على أنها تحوّل بكين إلى وجهة عالمية للرياضات الشتوية، رغم عدم تساقط الثلوج فيها بكميات كافية.

وقال شو هيجيان، المتحدث باسم بكين، "إن النجاح في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية جلب منافع اقتصادية إيجابية، وأوجد مصادر جديدة للنمو للاقتصاد المحلي".

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close