يواصل خالد عمر يوسف، وزير شؤون مجلس الوزراء السابق في السودان عقب الثورة، سرد أبرز المحطات التي مرّ بها المسار الانتقالي في السودان، والعقبات التي حالت دون تحقيق آمال وتطلّعات السودانيين.
وفي الحلقة الثالثة، من سلسلة شهادات مثيرة تعرض أسبوعيًا ضمن برنامج "وفي رواية أخرى"، الذي يقدمه بدر الدين الصائغ عبر شاشة "العربي أخبار"، يتوقّف القيادي في حزب المؤتمر السوداني طويلًا عند ما سمّاه "القنابل الملغّمة" التي واجهتها قوى الثورة في تفكيك منظومة حكم عمر البشير، معرجًا على أهم الملفات التي كانت على رأس أولويات قوى الحرية والتغيير تجاوبًا مع آمال السودانيين.
وفي هذا الإطار، قال خالد عمر يوسف: إن الجبهة الإسلامية في عهد حكم البشير أحكمت سيطرتها على كل مفاصل الدولة، وتغلغل عناصرها في دواليب صناعة القرار؛ وهو ما استدعى بعد جولات تفاوضية ماراتونية بين "قوى الحرية والتغيير" والمجلس العسكري، استحداث لجنة إزالة التمكين في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وهي آلية لفسح الطريق أمام الانتقال الديمقراطي، وتطهير البلاد من رموز النظام السابق.
لجنة إزالة التمكين
وردًا على الانتقادات التي طالت لجنة إزالة التمكين بتبنّي "نهج انتقامي" ضد رموز النظام السابق وعائلاتهم، قال عمر يوسف إن اللجنة "نجحت في ملفات، وتعثّرت في أخرى بسبب مقاومة عناصر الثورة المضادة".
ونفى ممارسة لجنة إزالة التمكين سياسة انتقامية ضد الوجوه المحسوبة على نظام عمر البشير في الخدمة المدنية، باستثناء تصرفات وصفها بـ "المعزولة والشاذة"، منذ إصدار قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الذي كان يرأس المجلس السيادي الانتقالي آنذاك، قرارًا بتشكيل اللجنة لإنهاء سيطرة رموز نظام الرئيس المعزول على مفاصل الدولة، ومحاربة الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة.
وأعرب وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني السابق عن اعتقاده بأن "قوى الحرية والتغيير" لم تمارس سياسة الإقصاء على أساس أيديولوجي في السودان.
وعن اعتقاله والتحقيق معه بشبهات فساد، لفت وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني السابق، إلى أن حملة التضليل انطلقت مباشرة بعد الاطاحة بنظام عمر البشير، وأنه تعرض للاعتقال وشُنّت حوله حملة تشويه سمعة، بسبب اتهامات باطلة بالفساد، مضيفًا أنه "بعد مسار قضائي شائك" برأه القضاء من كل التهم المنسوبة إليه لعدم وجود أدلة.
وفي نفس السياق، أقرّ خالد عمر يوسف بأن عددًا من المسؤولين في لجنة التمكين تورّطوا بالفعل في قضايا ابتزاز واستغلال النفوذ، وتمت متابعتهم قضائيًا أنذاك .
مسار التطبيع
وعن الجدل الذي أُثير بشأن انخراط السودان عقب الإطاحة بنظام عمر البشير في مسار التطبيع الذي يقوده عدد من الدول العربية في نهاية عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، قال خالد عمر يوسف إن مجلس الوزراء هو المخوّل الوحيد لرسم السياسة الخارجية للسودان عقب سقوط نظام البشير، منتقدًا، في هذا الاطار، غياب ما سمّاه "مركزًا موحّدًا لصناعة القرار" في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية ، وهو وضع وصفه بـ" غير الطبيعي، وخلق مشاكل عدة بين مجلس السيادة والحكومة".
وحول اللقاء المثير للجدل الذي جمع بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو في أوغندا مطلع شهر فبراير/ شباط 2020 ، نفى خالد عمر يوسف وجود أي تنسيق أو موافقة من قبل قبل "قوى الحرية والتغيير" على هذه الخطوة التي وصفها بـ "الفردية"، مؤكدًا أنها "لم تكن محل توافق، أو مشاورات مسبقة بين مجلس السيادة والحكومة".
وردًا على سؤال عن أسباب لجوء المكوّن العسكري لورقة التطبيع مع إسرائيل، قال خالد عمر يوسف إن المكوّن العسكري سارع لنسج تحالفات خارجية لتهيئة المناخ الدولي والإقليمي للانقلاب، وأن "قوى الحرية والتغيير" رفضت منح المكوّن العسكري صلاحية إدارة السياسة الخارجية .
ولكنّه اعترف، في السياق نفسه بأن الحكومة الانتقالية في السودان لم يكن لها تفويض للفصل في ملف التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف أن "المصلحة الوطنية كانت تقتضي التقارب مع إسرائيل مقابل رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، مؤكدًا أن التطبيع الكامل مع إسرائيل يحتاج إلى إجماع وطني داخلي في السودان".
وفيما يتعلّق بخلفيات ونتائج قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب التصديق على شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أشار وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني السابق إلى أن أطرافًا دولية بقيادة واشنطن طلبت من السودان إبداء حسن النية فقط حيال مستقبل العلاقة مع إسرائيل دون أي التزامات.
وفجّر خالد عمر يوسف مفاجأة، قائلًا إن القضية الفلسطينية "لم تعد ضمن أولويات اهتمامات الشعب السوداني في الوقت الراهن، وأن السودان يتعامل مع التطبيع ببراغماتية".
انقلاب 25 أكتوبر واستقالة حمدوك
وعن انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قال عمر يوسف: إن المكوّن العسكري نفّذ الانقلاب للالتفاف على الإرادة الشعبية وإجهاض الانتقال الديمقراطي، مشيدًا بما سمّاه "رفض المجتمع الدولي للانقلاب"، بدليل تحرّكات العواصم الكبرى للضغط على المكوّن العسكري للعودة للمسار الديمقراطي.
وإذ أشار إلى أنه تمّ الزج به في السجن دون تحقيق مسبق أو أدلة تُدينه بالفساد المالي وخيانة الأمانة، أكد وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني السابق أن السلطة القضائية في السودان مخترقة من قبل فلول النظام السابق، وأن العدالة تخضع لإملاءات المكوّن العسكري قبل وبعد الإطاحة بنظام عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019.
وخرق خالد عمر يوسف حاجز الصمت قائلًا: إن رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك، ارتكب سلسلة أخطاء سياسية إستراتيجية أفقدته شعبيته في الشارع السوداني، مضيفًا أنه كان على حمدوك مقاومة ضغوطات المكوّن العسكري والتريّث قبل توقيع الاتفاق السياسي مع الانقلابيين.
وأكد في السياق ذاته أن حمدوك استقال من رئاسة الحكومة من دون استشارة كل الأطراف السياسية التي دعمته في كل المحطات.