في أول تعليق له على التطوّرات الأخيرة، أعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد أن التقارب مع تركيا بوساطة روسيا، يجب أن يهدف إلى إنهاء ما اعتبره احتلال أنقرة لأجزاء من سوريا.
كلام رئيس النظام السوري جاء في بيان صدر عقب لقائه مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف.
واعتبر أن "أي خطوات للتقارب بين نظامه وتركيا يجب أن تبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بينه وبين روسيا، وذلك من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها دمشق من هذه اللقاءات"، بحسب وصف البيان.
ولم يذكر الأخير أي شيء عن تواريخ زمنية محددة للقاء أو حتى الإشارة إلى مكان انعقاده.
ويُعد بيان الأسد أول رد وتعقيب بعد اجتماعات بين مسؤولين من النظام السوري وأنقرة لم تحدث منذ 11 عامًا.
وقد نقلت وسائل إعلام رسمية عن لافرنتييف قوله إن موسكو تنظر إلى اجتماع وزراء الدفاع بإيجابية وتأمل نقل المحادثات إلى مستوى وزراء الخارجية، في تأكيد متواصل على دعم روسيا للتقارب بين النظام السوري وتركيا، حليفيها المقربين.
في المقابل، بعثت طهران – أحد أبرز حلفاء الأسد – رسالة تأييد ودعم لعملية التقارب، حيث أطلقها من العاصمة اللبنانية بيروت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي قال إن بلاده سعيدة بالحوار بين سوريا وتركيا.
وأوردت صحف مقربة من النظام السوري أن عبد اللهيان سيتوجه إلى دمشق غدًا السبت لإجراء محادثات مع نظيره السوري.
"صفعة من الحليف القوي"
بدورها، لا تكتفي المعارضة السورية بآلام الصفعة المؤلمة التي تلقتها من حليفها القوي، بل تلوم نفسها الآن لأنها تعاملت مع الدولة التركية بوصفها حزبًا واحدًا فقط، ولم يكن لديها بعد نظر حين استبعدت كل ما عداه من الأحزاب.
لكن في سياق مواز، تنهال حاليًا عشرات الأسئلة عن مصير المعارضة ومن يدورون في فلكها من اللاجئين المهجرين.
فجميعهم يعلمون أن المصالحة بين الأتراك والنظام لن تعني بالضرورة موافقة الأسد على تبني نظام حكم جامع يحوي القسم الأكبر من المعارضة.
ويرى خبراء ومحللون في خلاصة القول أن أي لقاءات تقود إلى نوع من المصالحة بين أنقرة والنظام لن تقدم في النهاية حلولًا سحرية عاجلة للأزمة السورية.
"لا يمكن أن تغير موقفها العسكري"
ويتحدث مدير الدراسات الأمنية في مؤسسة "سيتا" مراد يشلتاش، عن عملية تفاوضية، مشيرًا إلى أنه ليس من الممكن في هذه المرحلة أن تغير تركيا موقفها العسكري في شمال سوريا، بينما هناك قوات لحزب العمال الكردستاني.
ويؤكد في إطلالته عبر "العربي" من أنقرة، أن اللقاء بين الجانب التركي ونظام الأسد تحت رعاية روسية في موسكو كان عبورًا لموقف نفسي، ولإزالة التوتر بين الطرفين. ويقول: "الآن نشعر بتفاؤل أكثر، وإن كان لا يزال حذرًا".
وبينما يلفت إلى أن مشكلة اللاجئين تظل إحدى أهم المشكلات في الانتخابات القادمة، يوضح أن الأحزاب في تركيا تظل تجادل حول هذا الموضوع.
ويقول إن "أحزاب المعارضة في تركيا تود تغيير السياسة التركية تجاه سوريا".
ويشير إلى أن قضية اللاجئين هي إحدى الزوايا في سياسة أردوغان تجاه التطبيع هذا، لكن لا يمكن تقليص المشكلة إلى ملف واحد، معتبرًا أن "الملف السوري برمته أكبر بكثير من قضية اللاجئين".
"شريك أساسي في الحرب"
بدوره، يرى الباحث السياسي والإستراتيجي أمين حطيط، أن "تركيا قادت وكانت شريكًا أساسيًا في الحرب الكونية التي استهدفت سوريا"، معتبرًا أن "هذه الحرب عجزت عن تحقيق أهدافها".
ويلفت في حديثه إلى "العربي" من النبطية في لبنان، إلى أن الأسد "يُعتبَر بالميزان الإستراتيجي منتصرًا"، مردفًا: "إذا أراد أن يعود إلى العلاقات الطبيعية التي تفرضها الجغرافيا، وهو منطق لا يمكن لأحد أن يتنكر له، فإن الأمر يفرض العودة عن الإخلال بهذه العلاقات المنتهكة للسيادة السورية".
وحطيط الذي يعتبر أن "الحل السياسي عُرقل من قبل الغرب وكانت تركيا شريكًا في منظومة العرقلة"، يرى أنه "عند العودة إلى علاقات طبيعية، ووجود التزام تركي بالحقوق الوطنية السورية، ستنطلق العملية السياسية بشكل آمن".
"عملية التقارب ستكون معقدة"
من ناحيته، يسأل مدير وحدة تحليل السياسات في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" مروان قبلان: أي نصر في سوريا، والبلد مدمر ونصف الشعب مشرد، و90% منهم تحت خط الفقر، و80% منهم لا يجدون طعامًا؟
ويؤكد في حديثه إلى "العربي" من الدوحة، أن الحديث عن السيادة يجب أن يكون بمفهومها الواسع، وليس فقط لجهة علاقتها بتركيا.
إلى ذلك، يشير قبلان إلى أن عملية التقارب أو التطبيع ستكون معقدة وصعبة للغاية، لأن كل طرف لديه مواقفه ومصالحه من الأمر.
ويلفت إلى أن الأمر بالنسبة لتركيا أكثر من موضوع انتخابي، لأنها كانت بدأت إعادة النظر في كل سياستها الخارجية في المنطقة.
ويتحدث عن اعتقاد لدى أنقرة بأن واشنطن لديها مشروع تفكيكي في سوريا، لافتًا إلى أنها "ترجمت تخصيص 500 مليون دولار في ميزانية الدفاع العام الماضي لدعم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، على أنه دعم أميركي لقيام كيان في هذه المنطقة، ما يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي التركي".