يوم الثامن من يناير لعام 2020، حلّ نور الصباح في موعده على كييف، لكن طائرة تابعة للخطوط الجوية الدولية الأوكرانية تقلّ 176 راكبًا لم تصل أبدًا.
كان من المتوقع أن تحطّ في وقت ما من ذاك النهار، بعد انطلاقها من مطار الخميني الدولي قرابة السادسة، غير أنها تحوّلت بمضي دقائق إلى حطام متناثر جرّاء استهدافها في الجو بصاروخين.
حملت الطائرة "بي اس 752" 11 أوكرانيًا، وعشرات المواطنين والمقيمين في كندا وبريطانيا والسويد وأفغانستان، لم يصل أيّ منهم إلى وجهته. قضوا جيمعهم في ذلك اليوم، وتحوّلوا إلى جثث متفحمة.
جاء الاستهداف الذي سرعان ما وُجهت أصابع الاتهام فيه إلى إيران، بعد ليلة قصفت فيها الأخيرة قواعد أميركية في العراق ردًا على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
استدعت الأجواء حمأة تصريحات الرئيس الأميركي في حينه دونالد ترمب، وتهديدات طهران ووعيدها بالرد على مقتل أحد أبرز رجالاتها، بما عكس أجواء حرب أطلّت برأسها ولم تقع.
"خطأ بشري"
تحصنت إيران خلف إنكارها، قبل أن تعترف تحت وطأة الضغوط بما أسمته "خطأ بشريًا" أودى بحياة 176 راكبًا.
والاعتراف الذي تسبّب بحرج دولي لإيران، كانت قد سبقته دلائل كثيرة أكدت تباعًا مسؤوليتها عن الحادثة.
من بين تلك الأدلة، مصادر وصور أسهمت في توضيح مسار الطائرة، بدءًا من إقلاعها إلى استهدافها بصاروخ ثم سقوطها بالقرب من ملعب كرة قدم في بلدة خجل آباد، جنوب غربي طهران.
"إنه ضوء صاروخ".. تسريبات صوتية تزيد من تورط إيران في كارثة الطائرة الأوكرانية 👇#التلفزيون_العربي pic.twitter.com/rUNi8N5HID
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) February 4, 2020
وفي هذا الصدد، برزت لقطة من مقطع مصور أظهر تصادمًا وانفجارًا في الجو وقعا في الساعة السادسة وخمس عشرة دقيقة، وتبيّن لاحقًا أنه كان ضربة صاروخية وُجهت للطائرة.
كما رصدت كاميرات خاصة اصطدام الطائرة بالأرض وانفجارها وتناثر حطامها على الأبنية المحلية في السادسة و19 دقيقة.
وعلى إثر الاعتراف، شهدت إيران موجة احتجاجات وضغطًا عالميًا جديدًا. فحاولت إطفاء نيران الشارع باعتقالات واسعة في صفوف الحرس الثوري.
هل كان متعمدًا؟
إلى ذلك، ظلت التساؤلات تتردد بشأن ما إذا كان الاستهداف متعمدًا.
وخرجت منظمة الطيران المدني الإيرانية التي كانت كُلفت بإعداد تقرير "دقيق" حول الحادثة، عبر بيان في يوليو 2020، أشارت فيه إلى أن أربعة أخطاء على الأقل، بينها خطأ في تنظيم الرادارات، أدّت إلى إسقاط الطائرة، بعدما تم التعامل معها بوصفها هدفًا معاديًا.
وفي تقرير صدر في مارس/ آذار، ورفع المسؤولية عن التسلسل القيادي في القوات المسلحة، أشارت المنظمة إلى أن أنظمة الدفاع الجوي التابعة لها كانت في حالة تأهب قصوى تحسبًا لهجوم أميركي مضاد، ردًا على إطلاق طهران صواريخ على قاعدة عسكرية في العراق تستخدمها القوات الأميركية.
وفي أبريل/ نيسان، كشف الادعاء العسكري في البلاد توجيه الاتهام لعشرة مسؤولين بشأن إسقاط الطائرة.
المحققة المستقلة في الأمم المتحدة كالامار تؤكد وجود تناقضات بتفسير #إيران لإسقاط الطائرة الأوكرانية pic.twitter.com/VkL8s7cXiZ
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 24, 2021
غير أن أغنيس كالامار، المحققة المستقلة في الأمم المتحدة، كانت قد اعتبرت في فبراير أن السلطات الإيرانية أخفقت في التحقيق بالهجوم بما يتماشى مع المعايير الدولية، واستشهدت بأن الحكومة الإيرانية واصلت إنكار إسقاط الطائرة ثلاثة أيام، وبأن الأدلة دمّرت فيما يبدو.
وفي كندا، التي رأت أن التقرير الإيراني "غير مكتمل" ولا يحتوي على "أدلة ملموسة"، خلص تقرير للحكومة إلى عدم وجود دليل يشير إلى أن الحادث كان "متعمدًا"، مؤكدًا مع ذلك أن إيران "مسؤولة بالكامل".
هل تدفع الثمن؟
إزاء هذه المسؤولية، تُطالب عدّة دول، في طليعتها كندا، إيران بدفع تعويضات مالية لعائلات الضحايا.
ففي أيار الماضي، خلص قاضٍ في أونتاريو إلى أن إيران ارتكبت عملًا "إرهابيًا" بإسقاطها الطائرة الأوكرانية، ما مهّد الطريق أمام العائلات للمطالبة بالتعويض.
وندّدت طهران حينها بالحكم، الذي اعتبرت أن "لا أساس" له، وشدّدت على أن المحكمة الكندية لا تملك سلطة إصدار مثل هذا القرار.
وقبل أيام، قضت محكمة كندية بدفع تعويضات مقدارها أكثر من 80 مليون دولار إلى عائلات ست ضحايا.
ولم تتضح الطريقة التي سيتم من خلالها الحصول على المبلغ من إيران، لكن القاضي نفسه قال: إنه يشعر "بالرضا نظرًا إلى وجود احتمال إلى حد ما من التطبيق، وتحقيق درجة معينة من الردع".
وكتب في قراره أن محامي المدّعين أشار إلى "أصول واستثمارات حيوية تابعة لإيران يمكن الوصول إليها ليس في كندا فحسب، بل في العالم بأسره".
وكانت كل من كندا والسويد وأوكرانيا وبريطانيا قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الماضي، أنها قد تبحث اتخاذ إجراءات جديدة في إطار القانون الدولي ضد إيران، إذا لم تستجب بحلول الخامس من يناير لمطالب التعويضات.
ومن جهة إيران، التي عرضت في ديسمبر/ كانون الأول 2020، دفع مبلغ "150 ألف دولار أو ما يعادله باليورو" لكل من عائلات الضحايا، كشفت أمس الجمعة أن عائلات عدة حصلت على المبلغ، وأنّ المسار القضائي لدفع التعويضات لعائلات أخرى قد بدأ.
وفي وقت سابق، انتقد مسؤولون أوكرانيون وكنديون بشدة العرض الإيراني، مشيرين إلى أن على طهران ألا تحدد التعويضات عبر إعلان أحادي.