أفاد تقرير لمنظمة الشفافية الدولية أن الحرب العالمية ضد الفساد متوقفة منذ عقد، حيث إن 86% من البلدان إما شهدت تفاقمًا للفساد أو لم تحرز أي تقدم في معالجة المشكلة، واتهم العديد من الحكومات باستخدام الوباء لتقويض حقوق الإنسان والديمقراطية.
ووجد تصنيف الفساد السنوي لمنظمة الشفافية الدولية الذي نُشر اليوم الثلاثاء أن البلدان التي تنتهك الحريات المدنية باستمرار لديها درجات منخفضة، مما يؤكد أن الفشل في معالجة الفساد يؤدي إلى تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية.
ويستمد مؤشر مدركات الفساد (CPI) الذي أطلق لأول مرة عام 1995، البيانات من 13 مصدرًا عامًا، بما في ذلك البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، علمًا بأن هناك حاجة لثلاثة مصادر على الأقل لتقديم ترتيب لكل دولة من الدول الـ180 المشمولة.
ويعطي المؤشر علامة من 100، حيث تمثل 100 علامة "نظيف جدًا" والصفر يمثل "شديد الفساد".
العلاقة بين الفساد وحقوق الإنسان
ويسلط مؤشر 2021 الضوء على العلاقة بين الفساد والديمقراطية وحقوق الإنسان، من البلدان الأكثر فسادًا إلى الاقتصادات المتقدمة.
ويشير إلى أنه من بين 331 حالة مسجلة لمدافعين عن حقوق الإنسان قتلوا عام 2020، حدثت 98% من الحالات في بلدان ذات مؤشر CPI أقل من 45. ويستشهد التقرير بالحالات الأخيرة في الفلبين وفنزويلا.
وقالت منظمة الشفافية الدولية: "واصلت الفلبين هبوطها بداية من عام 2014 إلى 33 درجة، حيث قام الرئيس رودريغو دوتيرتي بقمع حرية تكوين الجمعيات والتعبير منذ انتخابه عام 2016. كما أن لديها معدل قتل مرتفع بشكل استثنائي للمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث قُتل 20 شخصًا عام 2020."
أما في فنزويلا، فأضافت المنظمة: "قامت حكومة الرئيس نيكولاس مادورو بقمع المعارضين السياسيين والصحافيين وحتى العاملين في مجال الرعاية الصحية. لقد تراجعت الدولة بشكل كبير في مؤشر الفساد خلال العقد الماضي، وحصلت على أدنى درجة حتى الآن وهي 14 عام 2021 ".
جائحة كوفيد-19
ويفحص المؤشر أيضًا الدوافع الإقليمية للفساد. ويصف التقرير الوضع في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بأنه "حلقة مفرغة من الاستبداد المتزايد وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد، حيث استخدم القادة السياسيون جائحة كوفيد-19 ذريعة لتقليل الرقابة والمساءلة عن المشتريات العامة وإنفاق المساعدات الخارجية، من ألبانيا إلى قيرغيزستان".
وقالت ألتيناي ميرزابيكوفا، المستشار الإقليمي لمنظمة الشفافية الدولية في آسيا الوسطى: "كان عام 2021 مدمرًا للحقوق المدنية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى حيث يقوم القادة الفاسدون بقمع كل المعارضة، من أحزاب المعارضة إلى النشطاء والصحافة".
وأضافت: "بينما لم تفعل سوى القليل لمكافحة تأثير جائحة كوفيد-19 على السكان، فقد استخدمته الحكومات لمزيد من كبح الحقوق والحريات، مما زاد من ترسيخ الاستبداد".
وبينما سجّل المؤشر بعض التحسينات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ وصفها بأنها "طغى عليها التراجع والركود في بلدان أخرى، مع مشاكل فساد خطيرة، تفاقمت بسبب الصراعات العنيفة والهجمات الإرهابية المستمرة في بلدان من جنوب السودان إلى مالي".
وقال صامويل كانيندا، مستشار المجموعة في إفريقيا: "عقد من مستويات الفساد الراكدة كان مدمرًا لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. تُنهب الموارد الطبيعية ويفتقر الملايين من الناس إلى الوصول إلى الخدمات العامة، بينما تحتدم الصراعات العنيفة وتتصاعد التهديدات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، يسمح الفساد الكبير للنخب بالتصرف مع الإفلات من العقاب وسحب الأموال من القارة وترك الجمهور مع القليل من الحقوق أو الموارد".
وبالمثل، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجدت منظمة الشفافية الدولية أن "الفساد السياسي المنهجي يعيق التقدم ويزيد من حدة انتهاكات حقوق الإنسان. وبحسب المنظمة، "لا يزال يُنظر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها شديدة الفساد مع إحراز تقدّم ضئيل في السيطرة عليه".
وتصدرت الدنمارك وفنلندا ونيوزيلندا المؤشر بحصولها على 88 نقطة من أصل 100، بينما سجلت كل من الصومال وسوريا 13 نقطة وجنوب السودان 11 نقطة.
كما أفاد المؤشر أن 27 دولة، من بينها قبرص (سجلت 53) وكندا (74) ولبنان (24) وهندوراس (23)، وصلت إلى أدنى مستوياتها التاريخية العام الماضي.
الفساد عربيًا بالأرقام
وقد وقّعت 14 دولة عربية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وتبلغ خسائر تونس سنويًا من الفساد نحو ثلاثة مليارات دولار ويضعها تراكم الخسائر على مشارف الإفلاس، بحسب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
كما كبّد الفساد العراق خسائر مالية بلغت ألف مليار دولار منذ عام 2003، بحسب الرئيس العراقي.
وتشير هيئة مكافحة الفساد في الجزائر إلى أنها خسرت أكثر من 70 مليار دولار جراء الفساد خلال عشرين سنة الأخيرة.
الصحافة الاستقصائية
وتم تسريب حوالي 11.9 مليون مستند، عرفت بوثائق باندورا، لها علاقة بكبار مشاهير العالم من عائلات مالكة وساسة ورجال أعمال، بحسب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
وأشار الصحافي الاستقصائي محمد الكوماني إلى أن الصحافة الاستقصائية تقوم على الوثائق وعلى كشف ما يُراد له أن يبقى طي الكتمان. وقال في حديث إلى "العربي" من عمّان: "تختلف آلية العمل من مشروع إلى آخر، وهناك تحقيقات عابرة للحدود"، مشيرًا إلى أن العمل الصحافي الاستقصائي ليس مسيسًا.
واعتبر المدير المعهد الأميركي لمكافحة الفساد في الشرق الأوسط وإفريقيا مايك مسعود ألا معايير دولية لإصدار تقارير عن مؤشرات الفساد في الدول. وقال في حديث إلى "العربي" من بيروت: "الفساد موجود في جميع الدول".
واعتبر أن الصحافة الاستقصائية ليست مسيسة إنما من يوظف تحقيقاتها سياسيًا هو المعارضة المحلية أو أعداء وخصوم الجهة المتهمة بالفساد.