قبل أيام قليلة، استشهد وديع الحوح أحد أبرز قادة مجموعة "عرين الأسود" في عملية عسكرية واسعة نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة.
أصبحت "عرين الأسود" أحد أبرز المجموعات المسلحة في الضفة الغربية مؤخرًا، وهي تعلن عدم انتمائها إلى أيّ فصيل سياسي، حيث يتركز نشاط هذه المجموعة في مدينة نابلس بالضفة الغربية وخاصة في منطقة حي الياسمينة.
متى بدأ نشاطها؟
وبدأت المجموعة نشاطها المسلح تحت اسم "كتيبة نابلس" في فبراير/ شباط الماضي وكان عدد عناصرها آنذاك لا يتجاوز عشرة أشخاص.
وأسس المجموعة محمد بشار العزيزي الذي استشهد أثناء اشتباكه مع قوات الاحتلال في نابلس في يوليو/ تموز الماضي. وتأثرت مجموعة "عرين الأسود" بكتيبة جنين التي بدأت عملها المسلح في مخيم جنين منتصف العام الماضي.
وتبنت مجموعات العرين وعبر بياناتها عمليات إطلاق نار واشتباكات عديدة استهدفت بها جيش الاحتلال والمستوطنين. ففي سبتمبر/ أيلول وحده تم تسجيل رقم قياسي بأكثر من 34 عملية اشتباك وإطلاق نار بالضفة الغربية وهو الأعلى منذ عشر سنوات.
وخلال الشهر نفسه شهدت الضفة 833 عملاً مقاومًا وتصاعدت عمليات الاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال، حيث بلغت عمليات إطلاق النار على أهداف تابعة للاحتلال 75 عملية منها 30 في جنين و28 في نابلس، حسب مركز المعلومات الفلسطيني.
تطور في المشهد الفلسطيني
وبحسب ميثاق مجموعة "عرين الأسود"، الذي بثته المجموعة، فإنّ غطرسة الاحتلال بقتل وسفك دماء الفلسطينيين تفرض عليهم معارك متجددة قد لا يتوقع الاحتلال شكلها ولا يقرأ طبيعتها مسبقًا.
ولعّل أبرز ما يميز موجة المقاومة الحالية في الضفة الغربية هو اندماج مقاتلي حركتي حماس والجهاد الإسلامي مع مقاتلين من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في مجموعات مسلحة موحدة. ومن أبرز تلك المجموعات كتيبة جنين ومجموعة عرين الأسود وكتيبة مخيم بلاطة في نابلس.
وشكل ظهور هذه المجموعات تطورًا جديدًا في المشهد السياسي في الضفة الغربية، والتي كادت المظاهر المسلحة أن تختفي فيها منذ أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا في 26 من يوليو 2007 يحظر كافة "الميليشيات المسلحة والتشكيلات العسكرية".
شعبية واسعة
وعلى مدار سنوات، شنت أجهزة الأمن التابعة للسلطة حملة اعتقالات واسعة طالت مئات المقاومين الفلسطينيين التابعين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى العشرات من الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح.
وأعطى إعلان "عرين الأسود" وكتيبة جنين وغيرها عدم الانتماء لفصيل سياسي معين وتغليب المصلحة الوطنية؛ شعبية واسعة، وهو ما جعل القوات الإسرائيلية تضع القضاء على هذه المجموعات أولوية لها.
ومنذ ظهور "عرين الأسود و"كتيبة جنين" وتفعيل نشاطهما ينفذ جيش الاحتلال عمليات عسكرية محدودة شمالي الضفة الغربية المحتلة، في محاولات مكثفة للقضاء عليها قبل أنّ تتوسع أنشطتها.
ويرى خبراء ومراقبون فلسطينيون أنّ إسرائيل تستخدم تكتيكات عديدة للتعامل مع المجموعة المسلحة، والتي تعدّ ظاهرة جديدة في الضفة الغربية من حيث العمل المنظم والسرية وعدم الانتماء لفصيل سياسي بعينه.
اغتيالات واعتقالات ومداهمات
ويقوم جيش الاحتلال بشكل يومي بحملة اعتقالات واسعة تخللها مقتل أكثر من 100 فلسطيني منذ بداية العام الحالي من بينهم مسلحون ومدنيون وأطفال.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ الحكومة الإسرائيلية أبلغت السلطة الفلسطينية نيتها اغتيال عناصر المجموعة، حيث يعتزم جيش الاحتلال شن عملية عسكرية خاصة عبر اجتياح واسع لأماكن وجودهم تشارك فيها الدبابات والمروحيات والمسيّرات كما حدث في اجتياح عام 2002، حين اغتالت إسرائيل واعتقلت عددًا من المطلوبين.
الفلسطينيون يشيعون جثامين شهداء مجموعة "عرين الأسود" الذين قتلهم جيش الاحتلال في #نابلس#فلسطين تقرير: عميد شحادة pic.twitter.com/P2aJQsqvGA
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 25, 2022
وأغلقت إسرائيل مؤخرًا العديد من المناطق في محيط نابلس وشرقي القدس باستخدام السواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية. ومؤخرًا يبدو أنّ إسرائيل تعود إلى سياسة الاغتيالات فقد اغتالت أحد عناصر "عرين الأسود" تامر الكيلاني عبر إلصاق عبوة متفجرة، وهو ما يعيد الذاكرة إلى عمليات اغتيال متشابهة لقادة المقاومة في انتفاضة عام 2000.
وجاءت حادثة الاغتيال ضمن حملة تصعيد إسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة في الضفة الغربية، فقد أسفرت المداهمات والاشتباكات عن مقتل أكثر من 115 فلسطينيًا وهو أكبر عدد من القتلى في الضفة الغربية منذ سبع سنوات.
في المقابل، دعت فصائل فلسطينية إلى تصعيد المقاومة بكافة أنواعها في الضفة ردًا على تصاعد عمليات قتل إسرائيل لفلسطينيين وعلى اغتيال الحوح والكيلاني وغيرهما.
تفعيل خيار الكفاح المسلح
وتعليقًا على ذلك، يرى الباحث في مركز مدار عصمت منصور أن هناك قناعة راسخة لدى الشعب الفلسطيني ولا سيما بين فئة الشباب بأنّ الخيار الوحيد والأجدى في مواجهة الاحتلال هو "خيار القوة والكفاح المسلح"، مشيرًا إلى أنّ هذا الأمر ظهر جليًا عبر عمليات فردية أو عن طريقة مجموعات.
ويعتبر في حديث إلى "العربي"، من رام الله، أنّ هذه المجموعات تجد "حاضنة شعبية ومفاجئة" من قطاعات واسعة سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في الميدان.
ويلفت إلى أنّ العمليات المسلحة تأتي "استجابة لتطلع الشعب الفلسطيني إلى الحرية وكأداة قادرة على إحداث التغيير المطلوب والضغط على الاحتلال".
"حالة عابرة للفصائل"
ويرى منصور أنّ العمليات المسلحة الحالية تشكل إستراتيجية في العمل الكفاحي الفلسطيني، لكنه يعتبر أنّ الحالات الآنية "لم تتبلور في شكل مؤطر كحالة عامة وصلبة قادرة على الاستمرار".
ويشير إلى أنّ هذه المجموعات مثل "عرين الأسود و"كتيبة جنين" ستتحول مع الوقت والاستمرارية إلى حالة دائمة وموسعة ومتجذرة.
ويؤكد أن المجموعات المشكلة سواء في نابلس أو جنين بدأت تعبر عن "حالة عابرة للفصائل" وتجاوز التشكيلات القديمة، معتبرًا أنها "نوع من الإبداع فرضته الظروف وردًا على حالة الانقسام ورهانات السلطة على الاحتلال"، حسب رأيه.
ويبين أن استمرار حالة "عرين الأسود" المحاصرة الآن في مدينة نابلس، ليس ببقاء أفرادها إنما ببقاء الفكرة التي طرحتها والتي يؤمن بها جزء كبير من الشعب الفلسطيني. ويلفت إلى أنّ هناك مناخا وأرضا خصبة لنشوء مجموعات على غرار عرين الأسود وكتيبة جنين لتاريخ المنطقتين في المقاومة ضد الاحتلال.