اقتحام السفارة الإيرانية في لندن.. 6 أيام من الحصار انتهت في 11 دقيقة
عاشت العاصمة البريطانية في أبريل/ نيسان عام 1980 على وقع حادثة اقتحام ستة شبان أهوازيين لمقر السفارة الإيرانية للمطالبة بالإفراج عن 91 معتقلًا سياسيًا في السجون الإيرانية، ومنح العرب الأهواز في إيران حكمًا ذاتيًا.
ووصل الشبان الستة إلى بريطانيا باستخدام جوازات سفر عراقية حيث استأجروا شقة في غرب العاصمة البريطانية لندن، وأطلقوا على أنفسهم اسم "الجبهة الديمقراطية الثورية لعربستان"، وكانوا يحتجون على "اضطهاد خوزستان" من قبل الزعيم الإيراني آنذاك روح الله الخميني.
مطالب الخاطفين
وعن الحادثة التي هزت لندن والعالم أيضًا، تقول ابنة أحد الرهائن الناجين من عملية اقتحام السفارة الإيرانية وتدعى شهلا كركوتي: إنّ المقتحمين "كانوا يطالبون بإطلاق سراح 91 رهينة في إيران، وأنه في حال لم تحقّق مطالبهم فإن الرهائن داخل السفارة سيتم قتلهم إعدامًا بالرصاص".
وتوضح أن والدها كان هو "من يترجم لرجال الشرطة في الخارج ويبلغهم مطالب" الخاطفين. وتؤكد وجود العديد من الصور لوالدها وهو يطل برأسه من نافذة في الطابق الثاني مع الرهينة تريفور لوك، وكانوا يوجهون سلاحًا نحو رأسه حتى يترجم المطالب للشرطة.
ويؤكد أحد الرهائن الناجين وهو سيم هاريس، لـ"العربي"، وجود عدد كبير من الدبلوماسيين وفريق الدعم ومؤيدين للخميني داخل مقر السفارة حين وقوع الحادثة.
ويقول: "كان في السفارة دبلوماسيون وفريق دعم وكذلك مؤيدو الخميني الذين زرعهم في السفارة على الأرجح والذين بدأوا العمل بالتزامن مع حدوث الثورة كملحقين صحافيين".
كما يشير كذلك إلى وجود "عناصر سياسية وعدد من الزوار في السفارة" أثناء عملية الاحتجاز.
وضع استثنائي
من جهتها، تشرح الصحافية كيت أدي، التي كانت تعمل مراسلة في قناة "بي.بي.سي" أثناء الحادثة، بأن "الوضع كان استثنائيًا" في بريطانيا بعد عملية اقتحام السفارة الإيرانية.
وتروي أنه قدم مراسلون من شتى أنحاء العالم لتغطية الحدث، وتصف الوضع بأنه "كان عبارة عن حصار".
وتقول: "كنا في حالة حصار حيث طوق عدد كبير من رجال الشرطة المكان ووصلت رسائل من داخل السفارة بشأن مطالب معينة" للخاطفين.
وتضيف: "كان حدثًا دوليًا ضخمًا مرتبطا بالحكومتين الإيرانية والعراقية و"الكل في حالة ترقب والكل على اتصال، لذلك تم بث تلك المطالب وبدأنا نكّون صورة عما يحدث داخل السفارة".
لفت أنظار العالم
ويوضح المدير التنفيذي للمركز الأهوازي لحقوق الإنسان فيصل أبو خالد في حديث إلى "العربي"، أنه التقى بالناجي الوحيد من عملية الاقتحام "فوزي نجاد" وأبلغه بأن هدفه كان القيام بـ"حركة سياسية عسكرية لتسليط الضوء على قضيتهم العادلة وجلب أنظار المجتمع الدولي".
أما الحقوقي في العلاقات الدولية الخاصة بالأهواز ناصر العوفي فيرى أن "القضية الأهوازية هي مسألة جيوسياسية كانت دائمًا عربية خاصة بعد مجيء الإسلام والفتح الإسلامي صارت تابعة لولاية البصرة".
وينقل العوفي عن واقعة اتصال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق صادق قطب زادة بالخاطفين الذين أبلغوه بمطالبهم المتعلقة بالإفراج عن 91 شخصًا وأنهم يريدون حكمًا ذاتيًا، حيث أبلغهم زادة بالقول: "ابقوا في هذه الأوهام واقتلوا جميع الرهائن فسوف يكونون شهداء في سبيل الثورة الإيرانية".
وحسب العوفي فإن "إيران كانت تحرك الملف ليرتكب الخاطفون جريمة كبيرة ويقتلوا جميع الرهائن كي تعمل من نفسها ضحية، وهي التي كانت في ذاك الزمان قد اجتاحت السفارة الأميركية في طهران".
فيما تحدث الناجي عن عملية الاقتحام سيم هاريس أنّه "لم يكن يعرف من قبل بهذا الجزء العربي في إيران". ويوضح أنه "في اليوم الثاني من حصار السفارة شرح مسلح ذلك لمجموعة من الرهائن، حيث استخدم الخرائط الموجودة في السفارة ليشرح طبيعة الوضع والسبب وراء اقتحامهم لمبنى السفارة في لندن".
ويشير إلى أنهم أبلغوهم بأنهم يريدون "توضيح قضيتهم ورغبتهم في تحرير 92 سجينًا سياسيًا" في إيران.
وعن الأجواء التي كانت سائدة داخل مبنى السفارة الإيرانية في لندن، تروي شهلا كركوتي أن "اللحظة الأشد إحباطًا للرهائن كانت عند سماعهم عبر الراديو أنه تم إعدام الـ91 سجينًا في إيران"، معتبرًة أن ذلك "كان أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث للرهائن".
دخول القوة الخاصة البريطانية على الخط
ومع بداية اليوم الثالث من حصار مبنى السفارة الإيرانية انتقلت السيطرة الأمنية من شرطة لندن إلى وحدات القوات الخاصة الجوية SAS حيث تم بناء مركز عمليات تكتيكي لقيادة مجموعة الاقتحام.
وتقول الصحافية كيت أدي، وهي مراسلة سابقة في قناة "بي.بي.سي": إنه مع "حلول اليوم الرابع والخامس من الحادثة سمع رجال الشرطة صراخًا وصيحات وتهديدات، إضافة إلى تهديدات بالقتل".
وتعتبر أن هذا الأمر هو الذي "زاد من عزيمة الحكومة لإخراج الرهائن بسلام". وتوضح أنه "لم يكن هناك أي شك بأن تلك كانت نية الحكومة أن تتوصل إلى حل سلمي حيث يخرج الرهائن ويتم اعتقال المسلحين".
وتشير إلى أنه لا أحد كان يعرف أي شيء عن "التوتر الداخلي المتصاعد بين الرجال المسلحين وأن الأمور بدأت تصل إلى حالة حرجة جدًا".
مرور أيام على الحصار
وتقول ابنة أحد الرهائن: "والدي بدأ يمرض حقًا داخل السفارة مرضًا ناتجًا عن التوتر فقد أصيب بالارتعاش وبآلام حادة في المعدة وبتشنجات وتعرُّق. كان يرتعش".
وتضيف: "كان واضحًا للمسلحين أنّ والدي يحتاج إلى عناية طبية. لم يكن بصحة جيدة وخرج مترنحًا من السفارة. وفي اليوم الخامس في نهاية اليوم أخذته الشرطة ووضعته في سيارة إسعاف ونقلته إلى مركز شرطة هاندون حيث يوجد مشفى هناك".
وعن هذا اليوم أي بعد مرور أربعة أيام يشرح سيم هاريس أنه كان يعتقد أنه سيخرج، ويقول: "خلال أربعة أيام من الحصار اعتقدت أننا جميعًا سنخرج من هناك بخير. سنخرج مصابين بالقلق لكننا سنكون بخير لأنهم أطلقوا سراح بعض الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض".
لكن عن ذاك اليوم يشرح فيصل أبو خالد، وهو المدير التنفيذي لـ"المركز الأحوازي لحقوق الإنسان"، عملية مقتل عباس لافازاني الملحق الصحافي في السفارة الإيرانية بلندن.
ويقول أبو خالد لـ"العربي": "عباس كان استفزازه أنه يقول لا يوجد شعب عربي في الأهواز وأنه شهيد الخميني وشهيد للثورة الإيرانية وأنه لن يسمح لأي شخص أن يطلب من الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية ماذا يريد".
ويضيف: أن عباس "تهجم على الخاطفين وجعلهم في حالة دفاع عن النفس وقتلوه للأسف الشديد" داخل مقر السفارة.
ويصف أبو خالد المجموعة التي نفذت عملية اقتحام مقر السفارة الإيرانية بأنهم "من الطبقة المثقفة والأكاديمية من الشعب الأهوازي".
ويؤكد أن تلك المجموعة فكرت في تنفيذ العملية بعد حصول مجزرة بحق الأهوازيين والمعروفة باسم "الأربعاء السوداء"، حيث أعدم النظام الإيراني أكثر من 400 أهوازي.
أما الحقوقي ناصر العوفي فقد أكد أن "جميع من كتب عن هذه القضية وصف الخاطفين بأنهم كانوا لطيفين مع الرهائن ولم يظهر على وجوههم أنهم كانوا ينتمون إلى مافيات أو إلى مجموعات تخريبية وإرهابية كما تصفهم الدولة" الإيرانية.
ضغوط على الخاطفين
وتروي الصحافية البريطانية كيت أدي أنه "لم يكن هناك الكثير من التوقعات الرسمية عما سيحدث"، وتشير إلى وجود افتراضات حينها بأن الشرطة ستحاول بشتى الطرق للتفاوض وإنهاء الأمر بسلمية.
وتوضح أنه في تلك اللحظات دارت نقاشات حول السماح للمسلحين بمغادرة السفارة أو مغادرة البلاد "إذا لم يؤذوا أحدًا من الرهائن وغيرها من النقاشات".
أما شهلا كركوتي وهي ابنة أحد الرهائن الذي عمل مترجمًا للخاطفين فتقول: "كان المحققون يحيطون بوالدي في المستشفى ومعهم كتب فيها صور لأسلحة وكانوا يسألونه ما نوع الأسلحة التي يملكونها؟ كم عددهم؟ كيف هي أشكالهم؟ هل هناك ملامح مميزة لهم يمكنك وصفها؟".
من جهته، يقول المدير التنفيذي لـ"المركز الأهوازي لحقوق الإنسان": إنّ "هناك معلومات موثوقة وردته عن أن القوة الخاصة البريطانية زادت الضغط السيكولوجي على المقتحمين الأهوازيين في السفارة الإيرانية من خلال قطع الطعام والسجائر عليهم".
ويضيف أنّ هناك محاولة أيضًا من تلك القوة لدفع الخاطفين إلى ارتكاب جريمة في السفارة الإيرانية حتى تكون الحجة بيد القوات الخاصة البريطانية للقضاء على كل الموجودين داخل السفارة"، حسب قوله.
انفجار يسبق عملية الاقتحام
وعن ذلك، تقول الصحافية كيت أدي إنّ "تغييرات كبيرة قد طرأت أمام السفارة"، حيث "بلا سابق إنذار حدث انفجار هز المكان بأكمله وكأن المبنى قد تفجر بأكمله".
وهو اليوم السادس الذي اقتحمت فيه القوات الخاصة البريطانية مبنى السفارة الإيرانية، وتقول أدي: إنّ رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت ثاتشر كانت "امرأة صارمة وحازمة وصاحبة قرارات فلم تكن تتردد كثيرًا". وتشير إلى أنها "كانت ترى أنه لا مجال للاستسلام".
ويقول أحد الناجين من الحادثة إنه "تم إعطاؤهم مهمة عليهم إنجازها وكانت مهمتهم أن يخرجوا جميع الرهائن أحياء وأن يقتلوا جميع الإرهابيين المسلحين".
ويشير سيم هاريس في هذا السياق إلى أن القوة الخاصة البريطانية كانت تسأل الرهائن عن الإرهابيين. ويقول: "كانوا يمسكون الرهائن من شعورهم ويضعون سلاحًا في أفواههم ويسألونهم من هم الإرهابيون؟ فيشير الرهائن إلى الإرهابيين".
ويضيف: "وعندما يحصلون على تأكيد بشأن أحد الإرهابيين فإنهم يقتلونه".
"حماية" شاب من الخاطفين
وتتذكّر شهلا الكركوتي أن "أصغر المسلحين شاب بعمر الـ18 أو الـ19، حيث أصبح صديقًا للسيدات بل صديقًا لكل الرهائن ولمّا كانت القوات الجوية الخاصة تطلب منهم الوقوف لإطلاق النار عليهم حرصت السيدات على عدم وقوف هذا الشاب".
وعن ذلك أيضًا يروي سيم هاريس أن "شابا تقدم نحوه ببدلة خاصة وكان يحمل حافظة وقال له أنت "سيم هاريس أليس كذلك؟ فقال هل ذلك الشاب إرهابي مسلح أم رهينة؟ وكان ذلك الشاب هو نجاد فقلت له إنه إرهابي، سألني: هل أنت متأكد أنه إرهابي، فقلت إنه أحد الإرهابيين".
ويوضح أن "السيدات لم يقلن أنه ليس إرهابيًا ولكنهن كن يطلبن ألا يؤذيه، فهو لم يؤذ أحدًا كانت السيدات يقلن ذلك لأنهن شهدن مقتل المسلحين الآخرين، المهم تم أخذه بعيدًا".
فوضى عارمة و"فشل"
ويصف هاريس ذاك اليوم بأن "الفوضى كانت عارمة وكان الأمر مفزعًا، شعرنا أنا والشرطة البريطانية والحكومة والقوات الخاصة الجوية أننا فشلنا". ويقول: "النجاح هو أن نخرج الجميع من هناك أحياء وأن يقف المسلحون أمام العدالة كان الأمر سيكون مرضيًا أكثر لو حدث ذلك".
ويضيف: "شعرت بالفشل وشعرت أنني فشلت في طرح القضية، فقد أراد هؤلاء المسلحون أن تطرح قضيتهم للنقاش. أعتقد أن ذلك ما أرادوه حقًا مناقشة قضاياهم دون سفك دماء".
تم كسر الحصار الذي استمر ستة أيام في أقل من 11 دقيقة وقد احتدم الجدل حول أساليب SAS في التعامل مع المهاجمين العزل وقد اعتبرت الحكومة البريطانية أن ذلك الحصار "إرهابًا دوليًا"، وأن الشبان نفذوا عملية ضد المصالح البريطانية، لذا كان على المملكة المتحدة الرد بـ"كفاءة مميتة".