تمكن الأوكرانيون من "إجبار" القوات الروسية على التراجع خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية لمسافة تزيد عن 30 كلم شرقي العاصمة كييف، في حين باشر الجيش الروسي بإقامة مواقع دفاعية في عدد من جبهات القتال في أوكرانيا.
وبحسب مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" فإن "الأوكرانيين نجحوا في دفع الروس للتراجع إلى بُعد 55 كلم شرق وشمال شرق كييف"، موضحًا أنّ هذا الأمر يمثل تغييرًا في الوضع الميداني حول العاصمة.
وجاء ذلك بينما أعلن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون أنّ بلاده سترسل إلى أوكرانيا ستة آلاف صاروخ إضافي، ما يمثل زيادة بأكثر من الضعف في الأسلحة الفتاكة الدفاعية التي قرّرت لندن تزويد كييف بها منذ بدأ الهجوم الروسي قبل 28 يومًا.
كما تأتي التصريحات الأميركية والبريطانية الجديدة فيما ينتظر أن تنطلق اليوم الخميس، قمة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في بروكسل. ومن المقرر أن يخاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القمة التي يشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن.
إقامة مواقع دفاعية حول كييف
وبالنسبة إلى التحركات العسكرية الروسية، فقد كان البنتاغون يشير حتى الثلاثاء الماضي إلى أنّ القوات الروسية تتمركز على بُعد 15 إلى 20 كلم من وسط العاصمة الأوكرانية، لكن المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أوضح لوكالة "فرانس برس": "بدأنا نراهم يتحصّنون ويقيمون مواقع دفاعية".
وقال: "المسألة ليست أنّهم (الروس) لا يتقدّمون، بل أنّهم لا يحاولون التقدّم. إنّهم يتّخذون مواقع دفاعية".
ووفقًا لتقديرات البنتاغون فإنّ القوات الروسية تراوح مكانها على بُعد 10 كيلومترات من وسط تشيرنيهيف الواقعة شمال شرقي كييف.
وأوضح أنّ القوات الروسية في هذه المنطقة "تتخلّى عن أراض وتتحرّك في الاتّجاه المعاكس، لكن ليس كثيرًا".
أما في خاركيف (شرق)، حيث لا يزال القتال محتدمًا، فلا تزال القوات الروسية على بُعد 15 إلى 20 كيلومترًا من وسط المدينة وتواجه مقاومة "شديدة جدًا" من الأوكرانيين.
هل يمكن أن تصمد #أوكرانيا في الدفاع عن أراضيها اعتمادا فقط على جيشها والدعم الغربي؟#روسيا_أوكرانيا #الحرب_الروسية_الأوكرانية pic.twitter.com/uCFYbz6Ogr
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 24, 2022
"الأولوية" لمنطقتي لوغانسك ودونيتسك
وبحسب المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، فإنّ الجيش الروسي يعطي الآن، على ما يبدو، الأولوية لمنطقتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين المواليتين لموسكو في شرقي أوكرانيا.
وقال: "إنّهم ينشرون قدرًا أكبر بكثير من الطاقة في منطقة لوغانسك/دونيتسك، وبخاصة حول لوغانسك".
وأضاف: "نعتقد أنّهم يحاولون تثبيت القوات الأوكرانية" المنتشرة منذ 2014 على طول خط الجبهة مع المناطق الانفصالية "في مكانها حتى لا يمكن استخدامها في مكان آخر".
أما في جنوب أوكرانيا، فقال المسؤول: إنّ البحرية الروسية تستخدم ميناء بيرديانسك الواقع على بحر آزوف للتزوّد بالمؤن والوقود.
وبيرديانسك هي إحدى المدن القليلة التي تمكّنت القوات الروسية من السيطرة عليها في اليوم الثامن والعشرين من هجومها على أوكرانيا.
في المقابل، قال المسؤول: إنّ البنتاغون لم يلحظ أيّ تغيير على الأرض في أوديسا، مضيفًا أنّه خلافًا لما حصل في مطلع الأسبوع فإنّ السفن الروسية التي قصفت أوديسا مرّات عدة مطلع الأسبوع لم تطلق عليها أي صاروخ يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
"شجاعة فوق العادة" للأوكرانيين
أما فيما يخص الدعم الغربي المقدم لأوكرانيا لمواجهة الهجوم الروسي، فقد قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه على الرغم من المقاومة "الشجاعة فوق العادة" التي برهن عنها الأوكرانيون "فلا يمكننا ولن نقف مكتوفي الأيدي ونسمح للروس بتحويل المدن الأوكرانية إلى رماد".
وأضاف أنّ "المملكة المتّحدة ستعمل مع حلفائها لزيادة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا وتعزيز دفاعاتها في الوقت الذي تقلب فيه مسار هذه المعركة"، معلنًا بذلك عن تقديم بلاده ستة آلاف صاروخ إضافي إلى كييف.
وسبق لبريطانيا أن زوّدت أوكرانيا بأربعة آلاف صاروخ مضادّ للدبابات، من بينها خصوصًا صواريخ من نوعي "إن لاو" و"جافلين"، بالإضافة إلى صواريخ أرض-جو محمولة على الكتف من نوع "ستارتريك".
وبذلك يرتفع إلى أكثر من 10 آلاف عدد الصواريخ التي حصلت أو ستحصل عليها كييف من لندن منذ بدأ الجيش الروسي هجومه في 24 فبراير/ شباط الماضي.
مساعدات اقتصادية وإنسانية
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني أنّ لندن ستقدّم إلى الجيش الأوكراني مساعدة بقيمة 25 مليون جنيه إسترليني (30 مليون يورو)، تضاف إلى أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني من المساعدات الاقتصادية والإنسانية التي سبق للندن وأن تعهّدت تقديمها لكييف.
وحذّر رئيس الوزراء المحافظ من أنّه "بعد شهر من بدء الأزمة، يواجه المجتمع الدولي خيارًا: إمّا أن نبقي شعلة الحرية مشتعلة في أوكرانيا، أو نخاطر برؤيتها تنطفئ في سائر أنحاء أوروبا والعالم".
وستقدّم الحكومة البريطانية كذلك مبلغ 4.1 مليون جنيه إسترليني إلى "بي بي سي وورلد"، الخدمة الدولية لهيئة لإذاعة العامة البريطانية، وذلك بهدف "مواجهة التضليل الإعلامي في روسيا وأوكرانيا"، كما ستقدّم دعمًا متزايدًا للتحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا.
قطع الإمدادات الروسية
من جانبه، يرى الخبير العسكري إسماعيل أيوب في تقييمه لنسق تقدم قوات موسكو في أوكرانيا مع دخول اليوم الـ29 للعملية الروسية، أنّ القوات التي شاركت في بداية العملية ضمن المحاور الثلاث حول العاصمة كييف "قد فقدت قدرتها القتالية من الناحية العسكرية".
ويوضح في حديث إلى "العربي"، من إربد، أن "القوات تفقد قدرتها القتالية عندما تخسر نحو 40% من القوة البشرية أو العتاد، حيث يبدو هذا الأمر سائدًا حول المحاور الثلاث في كييف"، مشيرًا إلى أنّ القوات الروسية "انتقلت إلى مرحلة الدفاع في تلك المحاور بصورة اضطرارية لأنها فقدت الكثير من العتاد والجنود".
ويبين أنّ السبب وراء تلك "الخسائر والتراجع في صفوف القوات الروسية يعود إلى عدم وجود طرق إمدادات آمنة، لأن المدن المتاخمة للحدود الروسية على غرار تشيرنيهيف وسومي وخاركيف تتيح للقوات الأوكرانية ضرب الإمدادات الروسية بأريحية جدًا عبر الصواريخ على الرغم من تطويقها".