عقد مؤتمر دولي كبير عن الفلسفة في السعودية هو الأول من نوعه على الإطلاق، وقد اجتمع فيه كبار مفكّري الفلسفة المعاصرين لمناقشة مختلف القضايا الفلسفية المعاصرة.
واستمرّ المؤتمر الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة في مكتبة الملك فهد الوطنية بالعاصمة السعودية الرياض، على مدى ثلاثة أيام.
ولقي هذا المؤتمر صدى واسعًا في خطوة فُسّرت بأنّها بداية لتشجيع التفكير النقدي في بلد لم يعتد هذه الممارسة من قبل.
"معضلة" الشعوب العربية
ترسم الفلسفة ملامح المنهج العلمي وتضع الأرضية الفكرية ثم تأتي العلوم الأخرى لكي تكمل مهمتها في الشق التطبيقي. فتقدم الشعوب ليس مرتبطًا فقط بعوامل اقتصادية وسياسية، بل هو مرتبط أيضًا بمكانة الفلسفة عند هذه الشعوب.
ويجد الدارس لتاريخ الأمم الحالية المتطورة أنّ ما من عامل ساهم في نهضة هذه الأمم إلا وكان فيلسوفًا. لكنّ معضلة الشعوب العربية أنّها ترى في الفلسفة علمًا لا ينفع وجدالات عقيمة لا فائدة منها، ولذلك يطلق رجل الشارع أحيانًا على الثرثرة والكلام الفارغ في هذه المجتمعات صفة التفلسف أو الفلسفة.
فقهاء الدين يتحمّلون مسؤولية
وقد ورد في كثير من البحوث أنّ أسباب غياب الفلسفة في عالمنا العربي مختلفة ومتعددة، لكن محاربة الفلسفة وتهميشها وإهمالها لا تعود إلى الأنظمة العربية فحسب وإنما تعود إلى بعض فقهاء الدين أيضًا، فلطالما أبدى بعض علماء الشريعة موقفًا متشدّدًا من الفلسفة وتتباين طرق نقدهم ومراتب تشدّدهم في الحكم.
ومن بين الأسباب التي ذُكرت أيضًا أنّ أغلب المشاريع الفكرية للمفكّرين العرب لم يلتفت إليها الساسة وأصحاب القرار كما غاب فيها الحوار مع أهل الفكر وأصبحت هذه الإنتاجات حبيسة رفوف المكتبات.
ووفق باحثين فإنّ هذه الأزمة التي شملت جميع الاختصاصات قد أسهمت في دفع عجلة التخلف التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي عمومًا.
الفلسفة.. "كفر وزندقة"؟
ويؤكد أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة السوربون خلدون النبواني أنّ تراجع الفلسفة هو مؤشر على انحطاط الوضع السياسي عمومًا والوضع العام للمجتمعات العربية.
ويلفت في حديث إلى "العربي"، من باريس، إلى أنّ الدول العربية تتفاوت في مستوى تدريس الفلسفة، لكنّه يلاحظ أنّ الاهتمام بالفلسفة يأتي في هذه الفترة من بلدان الخليج العربي التي كانت إلى حد كبير تحرّم تدريس الفلسفة، على حدّ قوله.
ويعتبر ذلك "مؤشّرًا مهمًا جدًا"، خصوصًا أنّ الكثير من البلدان العربية التي تدرّس الفلسفة تعتمد القمع أكثر ليس فقط بسبب تحالف السلطة والدين وإنما أيضًا بسبب الطغيان السياسي على الفلسفة.
وفيما يعطي سوريا نموذجًا لذلك على سبيل المثال، متحدّثًا عن هيمنة سياسية كبيرة على أقسام الفلسفة، يشدّد على حصول تغيّر سياسي في بلدان الخليج، ويقول: "بات هناك أقسام للفلسفة في السعودية على سبيل المثال، حيث كانت الفلسفة تُعتبَر في السابق بمثابة كفر وزندقة".