Skip to main content

"اليوم الأسود".. ناجون يروون لـ"العربي" تجربتهم خلال تفجيرات مدريد 2004

الأحد 28 أغسطس 2022

في 11 مارس/ آذار 2004، هزّت العاصمة الإسبانية مدريد سلسلة تفجيرات بصفة متزامنة، في محطة قطارات أتوشا رينفي،  قبل ثلاثة أيام من الانتخابات العامة الإسبانية، ما أدى إلى مقتل 193 شخصًا وجرح 1755 آخرين في ما عُرف بـ"اليوم الأسود".

وآنذاك، وجّه الحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا أصابع الاتهام حول مسؤولية تفجيرات مدريد إلى منظمة إيتا الباسكية الانفصالية، لتكشف التحقيقات في ما بعد عن تورّط خلية إرهابية استلهمت أفكارها من تنظيم "القاعدة"، غالبية أفرادها ينحدرون من المغرب العربي.

شهادات ناجين

وقالت راكيل روميرو، من ضحايا تفجيرات مدريد، في حديث لبرنامج "كنت هناك" عبر "العربي"، إنها كانت وقت الانفجار عند باب القطار. وفي اللحظة التي فُتح فيها الباب، سمعت صوت القنبلة الأولى، مضيفة أنها حاولت الجري بسرعة بين المسافة الممتدة من باب القطار إلى درج المحطة، وبعدها انفجرت قنبلة ثانية. وعندما كانت تصعد السلم الكهربائي للهرب إلى الخارج، سُمع صوت قنبلة أخرى.

وقالت روميرو: "كان هناك رجل يدعونا للاستمرار في السير للخروج من المحطة، لكنني لم أعرف إلى أين أذهب. وعندما خرجت إلى الشارع، كان المشهد مخيفًا كما لو أنه فيلم. كان هناك أشخاص جالسون على الإسفلت، من دون وجود شرطة أو سيارة إسعاف للمساعدة.

وروت أنها فقدت القدرة على الحركة في الجانب الأيمن من جسدها لمدة عام ونصف، قبل أن تستعيد الحركة بعد جلسات العلاج الفيزيائي.

وأوضحت روميرو أنها بعد مرور 18 عامًا على التفجيرات لا زالت تعاني من اضطراب الأعصاب في جانبها الأيمن، لافتة إلى أنها تتجنّب ركوب المواصلات العامة في مدريد.

كان المشهد مخيفًا كما لو أنه فيلم - غيتي

من جهته، قال فرانشيسكو الاميد الذي أصيب في تفجيرات مدريد، في حديث إلى "العربي": "كانت رائحة اللحم المحروق أصعب شيء. هذا أسوأ شيء عايشته، كما رأيت أشخاصًا بلا أرجل، وآخرين ميتين على حافة سكة القطار من شدة ضغط الانفجار".

وأوضح أنه استغرق عامين للعودة إلى ركوب القطارات مرة أخرى، كما أنه لا يزال يحضر ورشات عمل علاجية للتخلّص من التوتر.

أما عبد الوهاب التونسي، رئيس المنتدى الثقافي العربي الإسباني، الذي كان من سكان مدينة كالدينارس المدينة التي انطلقت منها القطارات المحمّلة بالمتفجّرات، فقال إنه شعر بالتعاطف مع الشعب الإسباني، خاصة وأنه من سكان إسبانبا منذ أكثر من 50 عامًا، ناهيك عن أن مرتكبي التفجيرات هم من العرب.

وأضاف التونسي، في حديث إلى "العربي"، أن هواتف القتلى كانت ترن، بينما لم يدرك الأشخاص حولهم ماذا سيفعلون.

تذكير بحادثة 11 سبتمبر

من جهته، قال دانييل فلوريس، أستاذ التاريخ في جامعة "كومبليتنسي مدريد"، في حديث إلى "العربي"، إنه أحسّ بحالة من عدم اليقين، من دون معرفة الأسباب لهذه التفجيرات، والجهة التي تقف وراءها، والعواقب المباشرة لها.

ووصف الشعور بأنه "يُشبه إلى حد ما الشعور الذي ساد الولايات المتحدة عند وقوع أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001".

بدوره، قال ماركوس غارثيا، صحفي اسباني كان يعمل في وكالة الأنباء الإسبانية آنذاك، في حديث إلى "العربي"، إنه خلال انتقاله إلى مقرّ عمله في الوكالة، شاهد الكثير من الخوف لدى الناس، والكثير من التضامن للمساعدة والتبرّع بالدم.

كما أوضح ماجد دبسي، مستشار قانوني سابق في النيابة العامة الإسبانية أن إسبانيا كانت تعيش لأول مرة حالة طوارىء بهذا المستوى، حيث فتحت معسكر كامل في مدينة المعارض لاستقبال الجثث، وأهالي الجرحى، بعد أن امتلأت المستشفيات.

نصب تذكاري يخلّد ضحايا أحداث تفجيرات مدريد 2004- غيتي

وقال إنه وبصفته مستشارًا في النيابة العامة، جرى الاتصال به في اللحظة الأولى للتفجير، إلى جانب القضاة والأطباء الشرعيين للتعرّف على الأشلاء المنتشرة في أماكن التفجير الثلاثة.

تشكيك برواية الحكومة

واعتبر غارثيا أن هجمات 11 سبتمبر 2001، وغزو العراق عام 2003، كان لهما تأثير في هذه التفجيرات، نتيجة دعم إسبانيا للولايات المتحدة في غزو العراق.

لكن دبسي لا يتوافق مع هذا التفسير، معتبرًا أن للتفجيرات أبعادًا أخرى، أمنية ومخابراتية، وتصفية حسابات سياسية.

وشرح دبسي أنه في اليوم التالي للتفجيرات، كانت هناك شائعات عن أن منظمة إيتا الباسكية هي المسؤولة. لكن كان هناك اجتماع جمع النيابة العامة والعديد من مؤسسات الدولة، وكان القاضي الشهير بالنسار جارزون، الذي قال لي إن كل المؤشرات تدل على أن من قام بالتفجيرات هم من الإسلاميين.

بدوره، قال فلوريس إن الأخبار المتداولة كانت تتحدث عن أن منظمة إيتا، التي سبق أن شنّت هجمات في مدريد، هي التي تقف وراء التفجيرات، "لكن هذا الهجوم كان مختلفًا لأن المنظمة لم تقم بمثل هذه الفظاعات وبشكل مباشر ضد السكان المدنيين".

وأضاف أن "السكان بدأوا يشكّون في أن الحكومة كانت تكذب عليهم، وأن شيئًا خطيرًا قد حدث وأنها (الحكومة) كانت تستغلّه سياسيًا لصالحها، خاصة وأنه لم يكن أسلوب إيتا التي عادة ما تهاجم أهدافًا عسكرية وسياسية وليس المدنيين بشكل مباشر".

وفي وقت لاحق، أصدرت إيتا بيانًا نفت فيه ضلوعها بالتفجيرات.

بدوره، شرح التونسي أن أحد المساندين لاستقلال إقليم الباسك خرج ليقول: "إذا أردتم معرفة من قام بالتفجيرات، اسألوا العرب المسلمين".

في عام 2008، أدانت المحكمة العليا لقضية تفجيرات مدريد 17 متهمًا، فيما هرب 10 أخرون من إسبانيا.

وقال دبسي إن وسائل الإعلام اليمينية بشكل عام، وجهّت أصابع الاتهام لكل من هو "إسلامي عربي"، ونعتتهم بـ"الإرهابيين"، في محاولة لتأليب المجتمع الإسباني ضدهم.

وأضاف أن اليمين الأوروبي المتطرّف يروّج لكره العرب، باعتبار أنه لا يوجد تلاقي بين الثقافات.

بدوره، قال فلوريس إن خطاب الإسلاموفوبيا في إسبانيا "لا يرتبط عادة بالإرهاب، بقدر ما يتعلّق بأشياء أخرى، على غرار تهديد الثقافة الإسبانية، وحقوق المرأة وغيرها".

من جهته، أكد الاميد أن المسلمين ليسوا مسؤولين عن تصرّف جهادي متعصّب يقتل الناس.

وقال دبسي إنه حتى الآن، لم يتوصّل القضاء الإسباني إلى الحقيقة الكاملة لما جرى، مؤكدًا أن هذه التفجيرات "كانت مدبّرة، ومنظّمة على حساب سمعة ومكانة العرب والمسلمين في إسبانيا".

المصادر:
العربي
شارك القصة