يخوض الناخبون الفرنسيون غدًا الأحد، الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، بينما يرتفع منسوب القلق في العواصم الغربية، وخاصّة واشنطن، من أن تتصدّر مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن نتائج الانتخابات.
وكشفت مجلة "بوليتيكو" أن البيت الأبيض يعتبر أن فوز لوبن يشكّل انتصارًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شنّ هجومًا عسكريًا على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
وقال ثلاثة من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية للمجلة: إن لوبن متعاطفة مع بوتين، ما يثير المخاوف من أن يؤدي فوزها إلى زعزعة استقرار التحالف الغربي ضد موسكو، مما يقلب دور فرنسا باعتبارها قوة أوروبية رائدة رأسًا على عقب، ويزعزع ثقة قادة آخرين في حلف شمال الأطلسي بشأن البقاء في الحلف.
وأشارت المجلة إلى أن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى يراقبون بحذر أي علامات على تدخل روسي محتمل في الجولة الأولى من الانتخابات، التي ستجري الأحد.
"معجبة بلا خجل ببوتين"
وتظهر نتائج استطلاعات الرأي سباقًا محتدمًا بين الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون ومنافسته لوبن. ففي محاولتها الثالثة لتولي منصب الرئاسة، تصاعدت شعبية لوبن، خلال الأسبوعين الماضيين، حيث خفّفت بعضًا من خطابها التحريضي الشهير للتركيز على قضايا غلاء المعيشة، حيث يكافح الملايين في فرنسا لتغطية نفقاتهم بعد ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 35% خلال العام الماضي.
وسط التهاب أسعار المواد الغذائية.. مشاريع وبرامج اقتصادية على رأس الحملات الانتخابية في #فرنسا تقرير: شوقي أمين pic.twitter.com/P4qyGsckuQ
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 9, 2022
وسيرة لوبن الذاتية تقلق البيت الأبيض بشدة: فهي "معجبة بلا خجل ببوتين" الذي التقت به في موسكو عام 2017، وتحدّثت بتعاطف عن مبرّرات بوتين للحرب، ورفضت بعض الإجراءات التي فرضها التحالف الغربي على روسيا.
وفي مناظرة تلفزيونية حديثة سُألت لوبن عما إذا كان ينبغي على فرنسا قطع واردات النفط والغاز من روسيا، فأجابت: "هل نريد أن نموت؟ من الناحية الاقتصادية، سنموت!" مضيفة: "علينا أن نفكر بشعبنا".
ورأت المجلة أن فوز لوبن، الذي لم يكن بالامكان تصوره في الماضي، من شأنه أن يعرض الاتحاد الأوروبي لأكبر أزمة منذ "بريكست"، مما قد يؤدي إلى تفكك بطيء للاتحاد، وقلب القارة رأسًا على عقب، وعلى المدى القصير، اهتزاز التحالف الموالي لأوكرانيا الذي يمتد من وارسو إلى واشنطن.
السيناريو الأسوأ
من جهتهم، اعتبر المسؤولون الأميركيون، في حديثهم للمجلة، أن السيناريو الأسوأ هو أن تفوز لوبن بالرئاسة، وتسحب فرنسا من التحالف الذي يقف حاليًا إلى جانب كييف ضد موسكو.
لقد وازنت الحكومة الفرنسية بدقة تعاملها مع الأزمة الأوكرانية، حيث حاول ماكرون لعب دور الوسيط في الأيام التي سبقت الهجوم الروسي. كما دعم الأوكرانيين بالأسلحة والمساعدات، لكنه التزم الصمت حيال ذلك، ورفض الإفصاح عن تفاصيل.
وتخشى واشنطن من أن يؤدي وجود لوبن في الإليزيه إلى الإخلال بهذا التوازن الدقيق، بحيث يدفع فوزها زعماء أوروبيين آخرين- بعضهم كان قلقًا بالفعل بشأن مواجهة روسيا- للتخلّي عن التحالف أيضًا.
للمرة الثالثة على التوالي.. زعيمة اليمين المتطرف في #فرنسا تشارك بالانتخابات الرئاسية تقرير: بهية مارديني pic.twitter.com/Uv4H6bxg8l
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 5, 2022
ويعتقد بعض مساعدي بايدن أنه حتى لو تمكن ماكرون من تجاوز الانتخابات بهامش ضيق، فلا يزال من الممكن أن يكون للانتخابات الفرنسية تأثير مخيف على القادة الأوروبيين الذين قد يقلقون بشأن مستقبلهم السياسي في نهاية المطاف ضد الشعبويين الأقل "تطرفًا" من لوبن.
وقد يتفاقم هذا الخوف فقط إذا أصبحت الحرب بين روسيا وأوكرانيا صراعًا طويل الأمد، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء القارة العجوز التي تعتمد على موسكو للحصول على الطاقة.
تصدّع في الحلف عبر الأطلسي
وقال بنجامين حداد، مدير مركز أوروبا في المجلس الأطلسي: "انتخابها (لوبن) سيكون كارثة بالنسبة لأوروبا والجبهة عبر الأطلسي لدعم أوكرانيا"، مضيفًا أنها "تعارض العقوبات وتسليم الأسلحة لأوكرانيا، وقد انحازت دائمًا إلى الكرملين في أزمة أوكرانيا والناتو".
وأوضح أن برنامجها يتضمن مغادرة القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، وسلسلة من إجراءات الحظر المناهضة للاتحاد الأوروبي، والتي من شأنها أن ترقى في الواقع إلى خروج فرنسا من الاتحاد "فريكست" على غرار بريطانيا، وإن كانت تخلت عن هذه الفكرة في برنامجها الانتخابي لهذه المرحلة".
ورغم أن الكثيرين يستبعدون فوز لوبن، إلا أنه في حال العكس، فمن المحتمل أن يحدث تصدع كبير في الجدار عبر المحيط الأطلسي الذي بناه بايدن ونظرائه الأوروبيون.
فبعد أربع سنوات مضطربة من عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والتوتر الشديد في التحالفات التقليدية، قام بايدن بمهمة مركزية لطمأنة أوروبا بأنها يمكن أن تعتمد على الولايات المتحدة مرة أخرى. وقام بثلاث رحلات إلى أوروبا أثناء رئاسته- بما في ذلك الشهر الماضي إلى بروكسل وبولندا- لتأكيد تلك العلاقات، وأعاد التزام الولايات المتحدة بحلف "الناتو" باعتباره الحصن المنيع لمواجهة عدوان موسكو.
واعتبرت لورين سبيرانزا، مديرة برنامج الدفاع والأمن عبر الأطلسي في مركز تحليل السياسة الأوروبية، أن لوبن "تمثّل تهديدًا تاريخيًا لواحدة من أهم الديمقراطيات في أوروبا. لقد أثنت على بوتين، وتعتمد على الأموال الروسية".
وأضافت أنه "إذا تولت رئاسة فرنسا، فسيكون من الصعب للغاية الحفاظ على الوحدة النسبية التي أظهرها المجتمع عبر الأطلسي حتى الآن في الحرب في أوكرانيا. إن انتخابها سيصبّ مباشرة في هدف بوتين المتمثل في تفاقم التصدعات في حلف شمال الأطلسي".
وعام 2017، أعربت لوبن عن دعمها لضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، ومعارضتها لعقوبات الاتحاد الأوروبي ردًا على ذلك، متعهدة آنذاك، برفع العقوبات عن روسيا في حال فوزها بانتخابات الرئاسة.
وقبل أسبوعين فقط من الانتخابات الحالية، قالت للتلفزيون الفرنسي: إن بوتين "يمكن أن يصبح حليفًا لفرنسا مرة أخرى" عندما تنتهي الحرب.