شهدت الحرب في أوكرانيا، مع دخولها الشهر الـ15، تطورًا جديدًا، وسط اتهام موسكو لكييف بمحاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما ينذر بموجة جديدة من التصعيد، قبيل هجوم متوقع للقوات الأوكرانية لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا خلال الشهور المنصرمة.
وكانت روسيا اتهمت أوكرانيا بتنفيذ هجوم بطائرتين مسيّرتين على مقر الرئاسة الروسية ليل الثلاثاء الأربعاء، حسب بيان صادر عن الكرملين، أفاد بأن القوات الروسية أحبطته بعد أن نجحت في تعطيل المسيرتين، واصفة الهجوم بـ"العمل الإرهابي".
وعدت موسكو الهجوم محاولة لاغتيال بوتين الذي لم يصب بأي أذى، ولم يؤثر على جدول أعماله، وفق البيان الحكومي.
اللحظات الأولى لاستهداف مبنى الكرملين بطائرتين مسيّرتين قبل إسقاط الدفعات الروسية لهما ليلة أمس، والرئاسة الروسية تتهم #كييف بالوقوف وراء الهجوم مؤكدة سلامة الرئيس #بوتين #روسيا #أوكرانيا pic.twitter.com/ETK4bBH2rx
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 3, 2023
ومن حيث التوقيت، اعتبرت روسيا أن الهجوم جاء قبل أيام من احتفالاتها بيوم "النصر"، الذي يصادف الـ9 من مايو/ أيار، متوعدة بالرد على الهجوم في الوقت والمكان المناسبين، رغم نفي أوكرانيا كليًا ضلوعها فيه.
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن بلاده لا مصلحة لها على الإطلاق بشن مثل هذا الهجوم.
ويأتي هذا التطور في سياق هجمات متبادلة بين الطرفين بالطائرات المسيرة، استهدف بعضها العاصمة الأوكرانية كييف، بينما استهدف بعضها الآخر شبه جزيرة القرم.
إلا أن هذا التطور يعد الأخطر منذ بدء الحرب، قبل 14 شهرًا، لا سيما مع اقتراب موعد هجوم الربيع الذي توعدت كييف بشنه.
من يقف وراء الهجوم على الكرملين؟
وفي هذا الإطار، يشدد الأكاديمي والباحث السياسي غيفورك ميرزيان على أن كييف هي من تقف وراء هذا الهجوم على الكرملين، مشيرًا إلى أن أوكرانيا شنت هجمات بالمسيرات على كثير من المدن الروسية، كما أنها قتلت صحافيين روسا.
وفي حديث لـ"العربي" من العاصمة موسكو، يضيف ميرزيان أن الحكومة الروسية تناقش الآن الإجراءات الانتقامية، معربًا عن أمله بأن تكون "قاسية وشديدة، مثل تدمير مكتب الرئيس الأوكراني، ومقر وزارة الدفاع الأوكرانية، وأجهزة الأمن، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان الأوكرانية".
ويوضح أن أوكرانيا لها قواتها الخاصة، ولديها وسائل ومجموعات تخريبية في روسيا أو بالقرب من موسكو، مشيرًا إلى إمكانية إطلاق المسيرات على بعد 10 كيلومترات من الكرملين عن طريق العملاء الأوكرانيين، وليس بالضرورة إطلاقها من أوكرانيا.
وبشأن الرواية الأوكرانية بأن روسيا فبركت الهجوم على الكرملين، لأنها تخشى كثيرًا من الهجوم المضاد التي تعد له أوكرانيا، يشير ميرزيان إلى أن موسكو تنتظر هذا الهجوم لأنها ستدمر القوات الأوكرانية، وستتقدم لتحرير المزيد من الأراضي.
ويلفت الأكاديمي والباحث السياسي غيفورك ميرزيان إلى أن معظم السكان الروس يريدون من الدولة ردًا أقسى وسياسة أشد صرامة تجاه أوكرانيا.
أوكرانيا تنفي علاقتها بالهجوم على الكرملين
من جانبه، ينفي مستشار وزير الخارجية الأوكرانية يفغيني ميكيتينكو، مسؤولية كييف عن الهجوم، مشيرًا إلى أن هناك عدة جهات قد تقف وراءه، منها مرتزقة في موسكو، "لأنه ليس كل الروس يحبون السياسة التي يمارسها القادة في البلاد".
ويضيف في حديث لـ"العربي" من العاصمة كييف، أن الرئيس الأوكراني أعلن أن بلاده لا تهاجم لا موسكو ولا زعيم الكرملين، مشددًا على أن أوكرانيا تدافع فقط عن أراضيها، ولا يوجد لديها الآن دوافع لمهاجمة روسيا.
ويوضح ميكيتينكو أن موسكو تقع على مسافة 800 كيلو متر تقريبًا من الحدود الأوكرانية الروسية، كما أن روسيا دولة قوية جدًا ومتفوقة في كل شيء، ولديها جيش قوي.
الجيش الأوكراني يؤكد جاهزيته لشن "هجوم الربيع" وسط ضربات صاروخية روسية استهدفت كييف ليلا #روسيا #أوكرانيا تقرير: كامل لطفي pic.twitter.com/jcWRcf5AiN
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 3, 2023
ويتابع أن هناك العديد من أسلحة الدفاع الجوي حول العاصمة موسكو، هدفها حماية الأماكن الحساسة، مثل الكرملين الذي يعد مركزًا مقدسًا لروسيا.
وفيما يلفت إلى أن القوات الأوكرانية تستعد منذ فترة طويلة لهجوم مضاد، يشير ميكيتينكو إلى أن روسيا لديها تفوق كامل من حيث الأسلحة.
"منعطف خطير وجديد"
من ناحيته، يشدد أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات إبراهيم فريحات، على ضرورة أن يعي الجميع، بغض النظر من المسؤول عن الهجوم، بأن الصراع في أوكرانيا قد دخل منعطفًا خطيرًا وجديدًا بهذا التصعيد.
ويضيف في حديث لـ"العربي" من العاصمة القطرية الدوحة، أنه من أجل استعادة الهيبة والكرامة الروسية، يجب أن يكون هناك رد، سواء الآن أو في أي وقت آخر، لافتًا إلى أن هذا الهجوم أعطى مبررًا لتصعيد كبير وخطير في الحرب الأوكرانية.
ويتابع فريحات أنه قد تكون أوكرانيا وراء الهجوم على الكرملين لتوصل رسالة، أنها قادرة على الوصول إلى قلب وعقل السيادة الروسية "الكرملين"، وقد تكون روسيا نفسها أيضًا هي من تقف وراء الحادث من أجل تصعيد أكبر في الحرب.
ويشير إلى أن توقيت الهجوم جاء وسط انسداد في الأفق في معركة باخموت، رغم المعارك الشرسة التي تدور فيها، وفي ظل حديث مؤكد عن هجوم أوكراني مضاد.
ويرى فريحات أن الصمت الغربي الأميركي حيال الهجوم على الكرملين بغض النظر عن المسؤول عنه، يدل على أن هناك تشريعًا بالأعراف الدولية أنه يمكن اللجوء إلى مثل هذه القضايا باغتيال رؤساء دول، مشيرًا إلى أن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن رفض التعليق على الموضوع، وقال إنه لا يمكن التأكد من هذا الأمر.
واستدرك فريحات قائلًا: إن "بلينكن كان بإمكانه أن يقول بغض النظر عن المسؤول إن الحادث مدان، وأمر غير مقبول".