بين العزلة والابتكار.. كيف غيَّر فيروس كورونا وجه العالم خلال عامين؟
لا شكّ أنّ ما قبل كورونا ليس كما بعده، فقد طبعت هذه الجائحة بصمتها في العالم على مدى العامين المنصرمين، حيث تغيرت سلوكيات البشر وتبدلت عادات كثيرة، وأرست اتجاهات جديدة قد تصير دائمة.
فقبل عامين، وصلت أخبار إلى منظمة الصحة العالمية (WHO) حول تفشي "التهاب رئوي" في ووهان الصينية لسبب غير معروف، ليفقد في الأشهر التي تلت هذا البلاغ أكثر من 5 ملايين شخص حول العالم حياتهم بسبب ما أصبح يعرف بفيروس كوفيد-19.
ومع تفشّي الفيروس بصورة واسعة، أصبح "الإغلاق" و"الحجر" جزءًا من المفردات الشائعة في العالم، فيما لا تزال الحكومات ومواطنوها بانتظار العودة إلى "الوضع الطبيعي".
قطاع النقل.. خسائر بالمليارات
شلّ انتشار كوفيد-19 حركة تسيير الرحلات الجوية بشكل ملحوظ خلال هذين العامين، وتحول السفر إلى دوامة من عدم اليقين وتهديد مستمر بإلغاء الرحلات.
وسمحت معايير مقبولة إلى حدّ ما، بدءًا من وضع الكمامات وحيازة شهادة صحية معترف بها في كل أنحاء أوروبا، باستئناف جزء كبير من الرحلات. لكنّ شركات الطيران تكبّدت خسائر بلغت مليارات الدولارات، وليس من المتوقع أن يعود الوضع إلى طبيعته قبل عام 2024 في أحسن الأحوال، في رحلات القطارات أو الطائرات بحسب وكالة "فرانس برس".
وبدا أنّ قطاع النقل الجوي كان الأكثر تضررًا من الجائحة، فحركة الملاحة انخفضت بمقدار الثلثين عام 2020، ولم تصل إلا في نهاية عام 2021 إلى المستوى الذي كانت عليه في 2019. وتمكنت الخطوط الجوية المحلية أو الإقليمية التي كانت تمثل حوالي 79% من حركة المرور قبل الأزمة، من الصمود بشكل أفضل من الخطوط الجوية العابرة للقارات (34%).
أما داخل المدن، فشهدت وسائل النقل العام تراجعًا حادًا في عدد مستخدميها، خوفًا من الإصابة بالمرض. وكان هناك ازدهار ملحوظ لركوب الدراجات الهوائية وعودة قوية للسيارات الخاصة.
كورونا يغيّر عادات التسوق
مقابل كل العوائق التي فرضها كوفيد-19، كان للأزمة الصحية تأثير كبير على مشترياتنا وفقًا لشركة الاستشارات وتحليل البيانات البريطانية "كانتار".
فمما لا شك فيه أنه بين عمليات الإغلاق وإغلاق المطاعم، بدأ الجميع تناول الطعام في المنزل، ما أدى إلى زيادة مبيعات متاجر السوبرماركت، إذ في أوروبا والولايات المتحدة، أصبح المستهلكون معتادين على التسوق بوتيرة أقلّ، لكن باستخدام سلّات أكبر.
كذلك، ارتفعت نسبة التسوق عبر الإنترنت خلال الأزمة الصحية، ما دفع تجار التجزئة للتحول إلى التجارة الإلكترونية. وبحسب شركة "أدوبي" للبرمجيات، ازدادت المبيعات عبر الإنترنت في كل أنحاء العالم بنسبة 38% في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بالربع الأول من 2020 عندما انتشرت الجائحة. وتقدّر المجموعة أنّ الإنفاق عبر الإنترنت وصل إلى 4,2 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2021.
مصطلح جديد: العمل من المنزل
لعل أبرز تغيّر في نمط الحياة الإنساني خلال العامين كان الاتجاه إلى العمل عن بُعد، بدرجة لم يسبق لها مثيل قبل الجائحة، إذ تسبّبت الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد باضطرابات في عادات العمل، وجعلت العمل عن بُعد واسع الانتشار، حتى لو أنّ الدول الغنية تمكّنت من تبنّيه بسهولة أكبر من الدول الأخرى.
وبحسب توقعات شركة "غارتنر" للبحوث، يمثّل العاملون عن بُعد 32% من العدد الإجمالي للموظفين في كل أنحاء العالم بحلول نهاية عام 2021، في ارتفاع بنسبة 17% عن عام 2019. وأظهر تقرير لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي نشر في سبتمبر/ أيلول، أنّ 47% من إجمالي أعداد الموظفين في فرنسا عملوا عن بُعد في عام 2020، بارتفاع يزيد عن 25 نقطة في عام واحد. أما في اليابان، فارتفع معدل العمل عن بُعد من 10% إلى 28%.
أما اللافت، فهو توقع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي "أن تلجأ معظم الشركات والأفراد إلى العمل عن بُعد بشكل أكبر". والعاملون ذوو المؤهّلات العالية هم المرشحون المرجّحون للعمل عن بُعد في المستقبل، إنما من تبعات العمل من المنزل خلال الأزمة، إدراك عدد هائل من الموظفين في الدول المتقدمة أنّ عملهم لا يمثل أحد اهتماماتهم أو أنّهم يتقاضون رواتب منخفضة.
وعليه شهدت عدة دول ظاهرة "الاستقالة الكبرى"، حيث استقال مئات الآلاف لإعادة توجيه أنفسهم أو العثور على بديل أفضل. وأبرزها كان في الولايات المتحدة، التي سجلت بشهر نوفمبر استقالة 4.5 مليون عامل أميركي وهو رقم قياسي غير مسبوق وفق "يو إس توداي".
"أسوأ أزمة تعليمية في التاريخ"
أجبرت معظم البلدان عقب انتشار كوفيد-19، على إغلاق مدارسها ومعاهدها وجامعاتها للحد من انتشار الفيروس، الأمر الذي تسبب بالنسبة إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بأسوأ أزمة تعليمية شهدها العالم على الإطلاق.
فعواقب الاضطراب العالمي للتعليم الناجم عن الجائحة كانت وخيمة، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث وصلت نسبة الأطفال المتأثّرين بسوء التعليم إلى 70%، علمًا أنّها كانت 53% قبل الجائحة.
من ناحية أخرى، تسجّل أجزاء من البرازيل وباكستان وريف الهند وجنوب إفريقيا والمكسيك، من بين دول أخرى، خسائر كبيرة في تعلّم الرياضيات والقراءة.
ويخاطر جيل الشباب الملتحق بالمدارس حاليًا بخسارة 17 تريليون دولار تقريبًا من الدخل بسبب إغلاق المدارس المرتبط بالجائحة، وهو أكثر مما كان متوقعًا في البداية، كما حذّر البنك الدولي ووكالات تابعة للأمم المتحدة.
كوفيد "يجوّع" العالم
أما فيما يتعلق بالأمن الغذائي، فقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) من أنّ جائحة كوفيد-19 ستكون له آثار طويلة الأمد، بعدما أدّى في 2020 إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يواجهون خطر الجوع.
ويهدّد تفاقم الجوع في العالم الذي تصاعد 18% العام الماضي خلال عام واحد وهو الأكبر منذ 15 عامًا على الأقلّ، أكثر من أي وقت مضى الهدف الذي حدّدته الأمم المتحدة والمتمثل في القضاء عليه عام 2030.
فقد ألقت الجائحة بـ20 مليون شخص في براثن الفقر المدقع خلال عام 2021 بحسب أحدث تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
كما أنه أغرق العديد من الأنظمة الصحية في الفوضى، وكان له تأثير ضار على مكافحة آفات أخرى مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا. وهذا العام، لم يتمكن 23 مليون طفل من تلقي اللقاحات الأساسية.
أمل رغم الخوف
على الرغم من أن فيروس كورونا أودى بحياة الملايين في جميع أنحاء العالم منذ ظهوره لأول مرة قبل عامين، لكن هذا العدد كان يمكن أن يكون أعلى بكثير لولا اللقاحات التي تم تطويرها في وقت قياسي والتي غيرت قواعد اللعبة.
فعلى عكس كل التوقعات، أظهر الوباء أنه من الممكن تصميم لقاحات جديدة ضد مرض غير مسبوق، ثم البدء في إعطائها في جميع أنحاء العالم خلال أقل من عام، حيث كانت هذه العملية في الماضي، تستغرق عادةً 10 مرات وقتًا أطول.
ومع ذلك، فقد بيّن طرح اللقاح المخاوف من أن عملية الحماية من الفيروس ستغرق في مستنقع عدم المساواة بين الدول الغنية والفقيرة.