كان ديفيد بن غوريون يرى أنّ حرب 1948 لم تحسم الصراع مع الدول العربية، وأنه لكي يتقبّل العرب وجود إسرائيل في بلادهم، لا بدّ من إجبارهم على ذلك بحرب أخرى وهزيمة أخرى.
وكانت هذه الحرب هي حرب يونيو/حزيران 1967، التي تحوّلت معها إسرائيل من مجرد احتمال إلى أمر واقع وإكراه سياسي وعسكري.
وتُعتبَر هذه الحرب مفصلًا محوريًا في تاريخ الصراع، بمعنى أنّ ما قبله غير ما بعده، وهي الحدث الذي لم نستطع تجاوزه إلى يومنا هذا، حتى إن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، بما حملته من عودة الروح وتحطم الأسطورة، لم تستطع أن تعيدنا إلى ما قبل 1967.
حرب يونيو 1967
تشكّل حرب يونيو 1967 هزيمة كبرى للجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية، والتي تحولت بعد هذه الحرب من مجرد احتمال سياسي إلى دولة.
تُجمِع معظم الدراسات على أنّ الأداء المصريّ بريًا كان شرسًا وبطوليًا لكنّه غير فاعِل. حدث ذلك قبل أمر الانسحاب الذي تسبّب بكارثة للقوات المصرية، والذي وصفه مراقبون بأنه واحد من أسوأ القرارات في التاريخ العسكري الحديث.
أما النتيجة النهائية فكانت سقوط سيناء والقدس والجولان والضفة الغربية، إضافة إلى التكلفة البشرية والعسكرية، إذ استشهد في مقابل كل قتيل إسرائيلي أكثر من 10 مصريّين، ودُمرت في مقابل كل دبابة إسرائيلية 12 دبّابة مصرية، وفي مقابل كل طائرات إسرائيلية أسقِطت أو دُمّرت 10 طائرات مصرية، وفي مقابل كلّ أسير إسرائيلي كان هناك 366 أسيرًا عربيًا معظمهم من المصريّين.
حرب أكتوبر 1973
مرّت ستّ سنوات وعادت الجيوش العربية في حرب السادس من أكتوبر عام 1973. عبّأت مصر للقتال ما بين مليون ومليون و200 ألف جندي، وعبّأت سوريا أكثر من 300 ألف جندي، في حين عبّأت إسرائيل 350 ألف جندي. وجاءت للمشاركة قوات عربية من العراق والكويت وليبيا والجزائر وفلسطين والسودان وتونس والمغرب والأردن والسعودية.
وفي تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، اشتعلت الحرب وعبرت حوالي 100 طائرة إسرائيلية قناة السويس، وبعد 20 دقيقة، بدأت الموجات الأولى لخمس فرق عبور القناة، مستخدمة نحو ألف قارب اقتحام مطاطي. وبعد عدة دقائق وصل ثمانية آلاف جندي إلى الضفة الشرقية للقناة، وفوق حصون خط بارليف وجداره الترابي، ثم توالى عبور وحدات الفرق الخمس في 12 موجة. وفي اليوم الثاني سقط خط بارليف في يد المصريين.
في اليوم الثالث حاولت إسرائيل شنّ هجوم مضاد لكنّها فشلت وتكبّدت خسائر جسيمة فتراجعت. وبعد وصول التعزيزات الأميركية جنحت إسرائيل إلى الهجوم المضاد فيما عُرف بخطة القلب القوي أو الغزالة، وبدأ التنفيذ في 15 أكتوبر بهجوم مدرّع اتجه إلى نقطة العبور في مواجهة الديفرسوار.
أصدر مجلس الأمن قراره بوقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر ولم تلتزم إسرائيل، وأخذت بتوسيع ثغرة الديفرسوار لتقليل خسائرها حتى توقّف إطلاق النار بصورة فعلية الساعة الحادية عشرة من صباح 28 أكتوبر. ووصلت قوات الطوارئ الدولية لتشرف على تنفيذه.
هل استدعى جمال عبد الناصر المعركة؟
يعتبر الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات معين الطاهر أنّ جذور المسألة تعود إلى ما قبل يونيو 1967 حين انقسم العالم العربي إلى تقدمي ورجعي بل وتنازعت حتى الأنظمة التقدمية ذاتها.
ويشير، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ هذا الخطاب هو الذي أدّى إلى تعميم تبرير الهزيمة على اعتبار أن المستهدف لم يكن احتلال الأرض وهزيمة الجيوش، وإنما كان نظام الحكم في هذه الدولة أو تلك.
ويلفت إلى أنّ هذا يعني أنّ ما خُطط له من هزيمة لم يكن كافيًا وأنّ الهزيمة لم تحدث طالما أن هذه الأنظمة ما زالت قائمة في مكانها، وهذا سبب تبرير هذه الهزيمة بهذه الطريقة الديماغوجية.
ولا يرى الطاهر أنّ جمال عبد الناصر استدعى المعركة، موضحًا أنّ الكيان الصهيوني كان يخطط لهذه المعركة ويستنتج الدروس والعبر منذ حرب 1956.
ويخلص إلى أنّ جمال عبد الناصر استُدرِج لهذه الحرب استدراجًا ولم يكن ينوي أن يخوضها وحاول أن يتجنّبها، "لكنّ جزءًا من هذا الاستدراج كان خاضعًا لطبيعة المزايدات التي كانت تسود السياسية العربية".
أسوأ قرار اتُخِذ في الحرب
من جهته، يتحدّث أستاذ الدراسات الأمنية والاستراتيجية في معهد الدوحة للدراسات العليا عمر عاشور عن مصلحة سوفياتية كانت تدفع باتجاه هذه الحرب.
ويشير، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ التقارير الاستخباراتية التي أرسلوها عن الحشود على سوريا لم تكن دقيقة، "لكن كان لديهم مصلحة ربما لتوريط الأميركيين في حرب أخرى".
ويلفت إلى أنّ المصريين على الورق، وحدهم ومن دون سائر القوات العربية، كانوا متفوّقين عددًا وعتادًا، كما كان يبدو من الخطاب السياسي أنهم جاهزون للمعركة والحرب.
ويشير أيضًا إلى أنّ عبد الناصر كان واضحًا جدًا في محاولة تحييد الجانب الأميركي، وبالتالي فإنّ العملية كانت شديدة التعقيد سياسيًا وعسكريًا.
ويعتبر من جهة ثانية أنّ قرار عبد الحكيم عامر بالانسحاب حفاظًا على ما تبقى في الجيش عسكريًا واستراتيجيًا كان أسوأ قرار اتُخِذ في الحرب كلها.
ويقول: "لم يكن خطة انسحاب بل أمر بالانسحاب وكان هدفه الحفاظ على الأفراد وترك السلاح الثقيل".
"المأساة العربية"
أما مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مروان قبلان، فيرى أنّ حرب 1967 هي قصة تختصر المأساة العربية التي نعيش حتى الآن بعض مظاهرها في سوريا.
ويقول: "في ذلك الوقت كان الجيش السوري منخرطًا في السياسة وغارقًا فيها حتى أذنيه، بمعنى أن ضباط الجيش تقريبًا لم يكن لديهم وقت للتدريب والتسليح والتجهيز".
ويعتبر أنّ الصراع مع إسرائيل كان مجرد شعار، في حين ليس لدى الضباط وقت للعمل على تحقيقه، لأنهم منخرطون في صراعاتهم ومؤامراتهم وانقلاباتهم".
ويشدّد على أنّ الهزيمة هي هزيمة للعرب للنظام الرسمي العربي، وكذلك الشعوب اعتبرتها هزيمة كبرى، مشيرًا إلى أنّها كرّست وجود إسرائيل، لأنّ كل المفاوضات بعد ذلك أصبحت تدور حول حدود 1967 أي على 22% من مساحة فلسطين التي بقيت للعرب بعد حرب 1948 عمليًا.
ويقول: "ما عاد الحديث يجري عن قبل ذلك وكأن الصراع العربي الإسرائيلي بدأ عام 1967".