تحقق ألمانيا في الأحداث التي شهدها مهرجان برلين السينمائي، الذي تحول إلى مناسبة لدعم قطاع غزة في وجه العدوان الإسرائيلي، الذي كانت حكومة أولاف شولتس أول من دعمته مع بداية اندلاعه في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووجدت الحكومة الألمانية نفسها في مأزق أمام التصريحات التي أطلقها الفنانون الفائزون والمشاركون في المهرجان، والتي ختمتها صرخة المخرجة الفائزة بجائزة الدب الذهبي، وهي الفرنسية السنغالية الأصل، ماتي ديوب، عندما هتفت على منصة المسرح: "أنا أقف مع فلسطين".
وسرعان ما حاول المهرجان التملص من سلسلة المواقف العديدة التي دعمت الفلسطينيين، خاصةً مع تلقيه تمويلًا حكوميًا كبيرًا. وأصدر القيمون على المهرجان بيانًا أكدوا فيه أن التصريحات التي أطلقت كانت "آراء فردية مستقلة، ولا تعكس بأي حال من الأحوال موقف المهرجان".
"إسرائيل تذبح الفلسطينيين"
متحدث باسم الحكومة الألمانية، قال يوم الإثنين إن مسؤولين سيحققون في كيفية قيام الفائزين بمهرجان برلين السينمائي بالإدلاء بتعليقات "أحادية الجانب" تدين الحرب الإسرائيلية في غزة خلال حفل توزيع الجوائز.
وشنت الصحف الألمانية الداعمة لإسرائيل، بالإضافة إلى مسؤولين رسميين، هجومًا واسعًا على مناصري القضية الفلسطينية، بمن فيهم الفنانين الذين نددوا بالحرب على غزة، واتهموهم "بمعاداة السامية"، خاصةً المخرج الأميركي بن راسل الذي كان يرتدي الكوفية الفلسطينية، وشدد في تصريحاته على أن ما تقوم به إسرائيل في غزة هو "إبادة جماعية موصوفة".
وأثار المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام الجدل أيضًا، عندما انتقد سياسات حكومته، مؤكدًا أنها تمارس سياسة الفصل العنصري، وأدان تلك السياسات وممارسات الاحتلال في الضفة الغربية. لكن بعد ذلك، كشف عن تلقيه تهديدات بالقتل بسبب تلك المواقف.
لكن المشهد الأكثر إحراجًا للحكومة الألمانية والموقف الرسمي الألماني كان الجمهور الذي حضر الحفل، حيث انهال بالتصفيق على خطاب المخرج الفلسطيني باسل عدرا، الذي أنهاه بالقول: إن "إسرائيل تذبح الشعب الفلسطيني"، وسط صيحات التأييد والتصفيق الكثيف.
ولم تمنح تلك المواقف الداعمة بشدة لفلسطين، مساحة للحكومة الألمانية كي تتفادى الانتقادات الحادة التي وجهتها الصحف العبرية والناشطون الإسرائيليون. وفي هذا السياق، قال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، كريستيان هوفمان، للصحفيين: "من غير المقبول عدم ذكر الهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر".
كما أوضح هوفمان أن المستشار شولتس "يؤكد على أنه لا يمكن السماح لمثل هذه المواقف الأحادية الجانب بالاستمرار".
تصفيق الوزيرة والعمدة
أما وزيرة الثقافة الألمانية كلوديا روث، وعمدة برلين كاي فيغنر، فوجدا نفسيهما في مأزق بسبب الحفل. إذ نشر تقرير لصحيفة "بيلد" صورة قالت إنها تظهر الزوجين وهما يصفقان لتصريحات المخرج الفلسطيني عدرا.
وتعد "بيلد" رأس حربة الإعلام الألماني الداعم لتل أبيب، وهي الصحيفة التي روجت لكل الروايات المضللة التي أطلقتها إسرائيل حول هجوم كتائب القسام التابعة لحركة حماس، على مستوطنات ومعسكرات في غلاف غزة، والتي تضمنت روايات كذابة حول قطع رؤوس أطفال، وما شابهها من سرديات تهاوت بعدها، وتبين زيفها.
وردًا على سؤال عما إذا كان سيتم إعادة النظر في التمويل الآن، قال هوفمان إن التركيز ينصب على ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث.
وجاءت تلك التصريحات إلى جانب نشر الصفحة الرسمية للمهرجان بيانات مناهضة لإسرائيل، حيث كشف منظمو المهرجان أنهم رفعوا اتهامات جنائية ضد متسللين إلكترونيين مجهولين نشروا على الصفحة بيانات اعتبروها "معادية للسامية" يوم الأحد.
وقال بيان للمهرجان: إن حساب "إنستغرام" تعرض للاختراق لفترة وجيزة يوم الأحد، وتم نشر "منشورات نصية صورية معادية للسامية حول الحرب في الشرق الأوسط".
وأوضح المنظمون: "يدين المهرجان هذا الفعل الجنائي بأشد العبارات، وقد حذف المنشورات وفتح تحقيق بالأمر، وتقديم شكوى جنائية ضد أشخاص مجهولين. وقد بدأ مكتب الجرائم الجنائية بالتحقيق فيها".