الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

تصاعد قوة التيار القومي في تركيا.. أيّ تأثير على نتائج الانتخابات؟

تصاعد قوة التيار القومي في تركيا.. أيّ تأثير على نتائج الانتخابات؟

شارك القصة

فقرة من برنامج "قضايا" تسلط الضوء على تصاعد قوة التيار القومي في تركيا وتأثيره على الانتخابات الرئاسية (الصورة: غيتي)
تذهب تحليلات إلى أن الأزمات الاقتصادية وأزمة اللاجئين كانت من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت بالناخب التركي إلى دعم الأحزاب القومية.

شهدت الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية في جولتها الأولى حضورًا قويًا للأحزاب القومية، إذ استطاعت أن تحجز لها موقعًا متقدمًا في خريطة الأحزاب. كما استطاعت رغم تباين تحالفاتها فرض نفسها رقمًا صعبًا في أيّ استحقاق انتخابي.

تعد هذه النتيجة الإيجابية حصيلة تنامي التيار القومي على وقع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وقدرة الخطاب السياسي القومي على الحشد في أوساط الأتراك حول أبرز القضايا الداخلية وعلى رأسها قضية اللاجئين.

توزيع الأحزاب القومية

يبرز حزب "الحركة القومية" بقيادة دولة بهجلي كأكبر الأحزاب القومية وأقدمها - غيتي
يبرز حزب "الحركة القومية" بقيادة دولة بهجلي كأكبر الأحزاب القومية وأقدمها - غيتي

تتقاسم الأصوات القومية أربعة أحزاب مهيمنة تتفق في الأفكار الكبرى بشأن "الأمة التركية" وهويتها وتتمايز عن بعضها بعضًا شكلًا بتعدد الأطر السياسية، لذا فهي تعد ظاهرة بحد ذاتها بغض النظر عن اختلاف التكتيكات الانتخابية التي تعتمدها قيادة هذه الأحزاب.

يبرز حزب "الحركة القومية" بقيادة دولة بهجلي كأكبر هذه الأحزاب وأقدمها. وشارك في الانتخابات الأخيرة تحت "تحالف الجمهور" بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان حاصدًا 50 مقعدًا في البرلمان، أيّ بزيادة مقعد واحد مقارنة بانتخابات 2018.

ويتمثل القطب القومي الآخر بحزب "الجيد" بزعامة ميرال أكشنار، وهو جزء من "الطاولة السداسية" المعارضة التي شكلت "تحالف الأمة" بقيادة كمال كليتشدار أوغلو. واستطاع الحزب الجيد الفوز بـ 43 مقعدًا في البرلمان بعد أن حصل على 9.69% من الأصوات.

وفي "تحالف الأجداد" حصل حزب "النصر" المصنف كحزب قومي يميني راديكالي على ما نسبته 2.23% من الأصوات دون أن يستطيع تحقيق العتبة اللازمة لدخول البرلمان فبقي من دون تنفيذ، وهو حزب حديث نسبيًا تأسس في 2021 بقيادة أوميت أوزداغ.

أمّا حزب "الاتحاد الكبير"، الذي يقوده مصطفى دستيجي المنشق أصلًا عن الحركة القومية فلم ينضوِ تحت أيّ من الائتلافات الحزبية المعروفة إلا أنه أعلن دعمه لـ"تحالف الجمهور" في الانتخابات. وبالنظر إلى النتائج النهائية فلم يحقق حزب "الاتحاد الكبير" أيّ نتائج تذكر ولم يتمكن من دخول البرلمان.

تجدر الإشارة إلى أن المرشح اليميني القومي سنان أوغان، الذي قاد "تحالف الأجداد" حصل على أكثر من 5% من أصوات الانتخابات الرئاسية، وهو من أكثر الشخصيات اليمينية معاداة للاجئين. وبعد محاولة كليتشدار أوغلو استمالة قاعدته الانتخابية أعلن أوغان دعمه للرئيس أردوغان خلال الجولة الثانية بالانتخابات الرئاسية.

سجل التيار القومي التركي حضورًا لافتًا في الانتخابات الأخيرة - غيتي
سجل التيار القومي التركي حضورًا لافتًا في الانتخابات الأخيرة - غيتي

مسار صعود التيار القومي وتفضيلاته الانتخابية

سجل التيار القومي التركي حضورًا لافتًا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، حاصدًا أصوات ما يقرب من 23% من الناخبين الذين وجدوا في الأحزاب القومية ملاذًا لهم على امتداد الخريطة السياسية التركية.

"ربع الأتراك قوميون"، كما تكشف بيانات الانتخابات التي كانت بمثابة استفتاء على هوية المرشح الذي سيقود البلاد وتوجهاتها وهوية تركيا في الأعوام الخمسة القادمة في مشاركة تاريخية للتصويت بلغت نحو 89% من الناخبين الأتراك.

وبالنظر إلى النتائج التي أحرزها القوميون مقارنة بالانتخابات السابقة عام 2018، فقد حصدت الأحزاب القومية 93 مقعدًا موزعة بين الحركة القومية وحزب الجيد المتموضعين في تحالفين مختلفين.

ورغم هذا التموضع فقد تفرقت أصوات القوميين على عدة أحزاب بعد احتساب حزبي "الاتحاد الكبير" و"النصر"، إلا أنه كشف عن الوزن الانتخابي للقوميين الذين عبروا عن أنفسهم من خلال عدة منصات وفرتها الأحزاب القومية المختلفة.

ومع تبني حزب العدالة والتنمية خطابًا قوميًا معتدلًا فإنّ عددًا كبيرًا من أصوات القوميين المحافظين يمكن أن تضاف إلى مجموع التيار القومي بشكل عام.

الأزمات تغذي التيار القومي

المرشح الرئاسي اليميني سنان أوغان بدوره أعطى لشريحة يمينية من القوميين للتمثيل خارج الأطر السياسية السابقة ليصبح أنصاره رقمًا حاسمًا في تحديد نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ولا سيما في حال استجابوا لدعوة سنان أوغان وقراره دعم الرئيس أردوغان.

وفي تفسير الصعود المضطرد للتيار القومي، تذهب معظم التحليلات إلى أن الأزمات الاقتصادية وأزمة اللاجئين كانت من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت بالناخب التركي إلى دعم الأحزاب القومية.

لكن هذه الأسباب تبقى طارئة وترهن الصوت القومي بالظروف المرحلية، بحسب مهتمين بالشأن التركي، مهملة طبيعة الانضواء تحت مسمى "التيارات القومية" التي تمتزج فيها العقائد والإيديولوجيات المولدة للمشاعر القومية مع البرامج الاجتماعية والاقتصادية للأحزاب السياسية.

فمعظم الأحزاب والتحالفات قدمت رؤيتها لحل أزمة اللاجئين متعهدة بإعادتهم إلى بلادهم، وعرضت حلولها للأزمة الاقتصادية الضاغطة على المواطن التركي.

فلما صعد الصوت التركي الداعم للأحزاب القومية؟ لعل ذلك يعود إلى انتظام التيار الذي كان يومًا محركًا أساسيًا في السياسة التركية، بعد أن فسحت الانشقاقات أمام الناخب القومي خيارات وتفضيلات جديدة خارج الأحزاب التقليدية.

ويتابع مهتمون بالشأن التركي عن كثب تنامي وحضور التيار القومي برسم الاستحقاقات الانتخابية لاستجلاء ما إذا كان حضورًا طارئًا على وقع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية أم أنه يمتلك قاعدة فكرية وبرنامجًا سياسيًا تلتف حوله كتلة وازنة من الأتراك.

المرشح اليميني القومي سنان أوغان يدعم أردوغان في الجولة الثانية للانتخابات - غيتي
المرشح اليميني القومي سنان أوغان يدعم أردوغان في الجولة الثانية للانتخابات - غيتي

"القومية.. لم تغب عن تركيا"

وفي هذا الإطار، يرى الكاتب الصحفي عبد الناصر سنجي أن مسألة القومية التركية ليست موضوعًا مستحدثًا في الوقت الراهن، مشيرًا إلى أنّ تأسيس الجمهورية التركية قد تم على أسس قومية وأن "القومية لم تغب يومًا عن الشعب التركي".

وبشأن تصريحات سنان أوغان الذي حل ثالثًا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، يؤكد سنجي في حديثه إلى "العربي" من اسطنبول، أنّ زخم القومية التركية قد ارتفع بوتيرة عالية جدًا في الاستحقاق الانتخابي الحالي، ولا سيما مع وجود اللاجئين.

ويلفت إلى أن ارتفاع تلك الوتيرة جاء على خلفية "المزايدات والدعايات الانتخابية للمرشحين"، مذكّرًا بأن جميع قادة التيارات القومية قد تحدثوا عن القومية بما في ذلك كمال كليتشدار أوغلو الذي أصدر تصريحات في الجولة الأولى من الانتخابات بشأن "الإرهاب واللاجئين".

"الأتراك يتفاخرون بقوميتهم"

ويقول الكاتب الصحفي عبد الناصر سنجي إنّ "جميع الأتراك يتفاخرون بقوميتهم ولا ينكرونها أبدًا، لكن النسب تتفاوت بين القوميين المعتدلين والقوميين المتطرفين والقوميين الأكثر تطرفًا".

ويضيف أن تلك التيارات القومية موجودة في الحياة السياسية التركية وممثلة في البرلمان منذ زمن، بالإضافة إلى "وجودهم داخل حزب العدالة والتنمية"، حسب قوله.

ويخلص إلى أنّ موضوع اللاجئين والأجانب عمومًا في تركيا قد زاد من وتيرة تصاعد النبرة القومية بين هذه التيارات، حيث "استطاع السياسيون استخدام هذه القضية في الدعاية الانتخابية وكسب الأصوات وأصبح لهم أهمية كبيرة في تعديل كفة الموازين في الانتخابات".


المزيد حول تصاعد قوة التيار القومي في تركيا وتأثيره على نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في الحلقة المرفقة من برنامج "قضايا".

تابع القراءة
المصادر:
العربي