لأول مرة في تاريخها، تتحدث حركة "حماس" عن إمكانية التخلي عن السلاح مقابل دولة فلسطينية مستقلة، مع إشارات مباشرة لرفض الضغوط الأميركية حول فرض اتفاق بشأن إنهاء الحرب في غزة.
فقد قال القيادي في "حماس" خليل الحية، إن الحركة مستعدة للموافقة على هدنة لمدة 5 سنوات أو أكثر مع إسرائيل، وأضاف أن "حماس" مستعدة كذلك لإلقاء سلاحها والتحول إلى حزب سياسي إذا أقيمت دولة فلسطينية مستقلة.
وأوضح الحية في تصريحات لوكالة "الأسوشييتد برس" من اسطنبول، أن الدولة الفلسطينية المستقلة هي وفق حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967 مع عودة اللاجئين، وفقًا للقرارات الدولية.
كما أكد القيادي أن "حماس" تريد الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية لتشكيل حكومة موحدة لغزة والضفة الغربية.
الحرب وحل الدولتين
وليست هذه المرة الأولى التي ترسل فيها "حماس" إشارات بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية، على حدود الرابع من حزيران عام 1967. لكنها المرة الأولى التي يتم الحديث فيها بشكل مباشر ولا لبس فيه عن سلاح الحركة وإمكانية التخلي عنه والدخول في عملية سياسية تحت مظلة منظمة التحرير، بما يتضمنه ذلك من التزامات دولية.
وتجدر الإشارة هنا إلى ما وصفت "بلاءات حماس" التي تضمنتها وثيقة المبادئ والسياسات العامة للحركة الصادرة عام 2017، والتي تضمنت رفض الاعتراف بإسرائيل واتفاقية أوسلو ومخرجاتها.
كما تتضمن الوثيقة عدم القبول بإلقاء سلاح الحركة، والتأكيد على عدم القبول بكيان فلسطيني لا يقوم على كامل أرض فلسطين التاريخية، مع إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967، كمرحلة أولية لإنهاء الاحتلال.
وتأتي تصريحات القيادي في حركة "حماس" في خضم أجواء ضبابية تلف مشهد الحرب الإسرائيلية على غزة، وسط غياب أي أفق لوقف العدوان حتى الآن.
كما تتزامن مع تصعيد إسرائيلي ممنهج بأشكال عدة ضد الضفة الغربية، وممارسات حثيثة لترسيخ أشكال ومظاهر الاحتلال كافة وتصفية القضية الفلسطينية.
لكن في المقابل، لا يمكن قراءة هذه التصريحات بمعزل عن ارتفاع الأصوات الدولية المطالبة بترسيخ حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد للصراع، إضافة إلى النداء الذي أصدرته الولايات المتحدة و17 دولة أخرى بتحميل حركة "حماس"، مسؤولية عدم الوصول إلى اتفاق.
دلالات تصريحات "حماس"
متابعة لهذه التطورات، يلفت مأمون أبو عامر الكاتب والباحث السياسي أن موقف الحركة اليوم جديد ولم يسبق أن صدر موقف مشابه له من قبل.
ويوضح أبو عامر في هذا السياق، أنه على الرغم من أن البعض كي يرى هذا الموقف غريبًا إلا أنه من الناحية السياسية هو تصريح منطقي وواقعي وعقلاني، على حد قوله.
ويردف الباحث السياسي في حديث إلى "العربي" من اسطنبول: "هذا التصريح لم يأت من فراغ، بل كان هناك إشارات سابقة مماثلة صادرة عن وزير الخارجية التركي في قطر، عندما التقى قيادة حماس وقال حينها إن الحركة مستعدة للتخلي عن سلاحها، في حال قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67".
وبالتالي، يرى أبو عامر في تصريحات "حماس" الأخيرة موقف متقدم يتناسق مع المطالب الدولية الحالية.
ولكن في المقابل، يشرح الباحث السياسي أن "حماس" لا يمكن أن تسلم سلاحها "قبل أن يتحقق المطلوب وليس فقط بالوعود"، مردفًا أنه "لا يمكن إعادة كرة أوسلو بوعود وتعهدات بإقامة دولة فلسطينية أسفرت عن تخلي منظمة التحرير الفلسطينية عن سلاحها".
ويتابع: "لكن الآن لم يبق من أوسلو إلا اسمها، ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي هذه الاتفاقيات لفرض أجندتها وليس من أجل تنفيذ إلتزاماتها".
موقف إسرائيل من تصريحات الحية
من جهته، يتطرق الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إلى قراءة إسرائيل لهذا التصريح وبهذا الوقت تحديدًا، مشيرًا إلى أنه حتى اللحظة لم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي جاد بهذا الخصوص.
لكنه يلفت إلى أهمية موقف "حماس" معبرًا عن اتفاقه مع أبو عامر بأنه يعكس تطورًا ملفتًا، مقدّرًا أن يكون موقف تل أبيب متمسكًا بما يصفه بنيامين نتنياهو بإلحاق هزيمة مطلقة بـ"حماس" واعتبارها حركة "إرهابية".
ويستكمل في حديثه مع "العربي" من عكا أن موقف نتنياهو بشأن "حماس" واستكمال الحرب في غزة يحظى بإجماع إسرائيلي.
ويضيف: "حتى الآن لا يوجد أفق سياسي للحرب، فكل ما يطرح اليوم هو استمرار للقتال وأن هناك تحضيرات تجري على قدم وساق لاجتياح رفح، مع كل ما يترتب على ذلك من استمرار للتدمير الشامل والإبادة الجماعية بشكل ربما أشد".
كذلك، يشير شلحت إلى أن الحية شدد في تصريحاته على أن هذا الطرح سيكون عندما تقام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، في حين لا يوجد أي موقف في إسرائيل الآن يؤيد إقامة دولة فلسطينية وفق هذا الإطار.
حتى أن اتفاقية أوسلو التي تحدثت عن احتمال الوصول إلى حل الدولتين لم تتطرق إلى دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، بل يتحدث عن كيان فلسطيني أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة على حدّ قول شلحت.
وعليه، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي إن موقف إسرائيل من هذه التصريحات سيكون على الأرجح "موقف إدارة الظهر، على طريقة قتلها بالإهمال.. لكن ذلك لا يقلل من أهمية موقف حماس وقد يكون له تداعيات على المستوى الإقليمي والدولي".
القراءة الغربية لموقف "حماس"
أما السفير وليام روباك نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق فيعلق على تصريحات "حماس" بشأن إلقاء السلاح، ويراه أنه مرتبط ببيانات ترمي إلى بعد نظر إيديولوجي، ولكنها تعارض فيما بعد.
فيزعم روباك في هذا الإطار أن الحية تراجع في لقاءات أخرى عن تداعيات بعض ما قاله، ويبدو بحسب قوله إن "حماس" تريد الإصرار على تحرير جميع الأراضي الفلسطينية التاريخية.
ويردف مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق: "نعم لقد قال الحية إن حماس تقبل بإقامة دولة فلسطينية وفق حدود 1967.. ولكن في مقابلة منفصلة ذكر أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن حقهم في تحرير جميع الأراضي.. وموقف إطلاق السلاح هو مؤقت".
لكن في الوقت عينه، يشدد روباك من واشنطن على أنه لا يقلل من شأن هذا التصريح المهم، لكنه يلفت إلى أنه يأتي ضمن سياق "بعض المرونة الإيديولوجية من قبل حماس فيما يخص موقفها".
وفيما يتعلق بالضغوطات الدولية على "حماس" وتحميلها المسؤولية من قبل 18 دولة مسؤولية عدم الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة، فيحلل أنه يأتي في إطار الضغط على الحركة لقبول الصفقة المطروحة الآن على الطاولة.
ويستكمل روباك: "لذلك سوف نرى كيف ستجري المفاوضات من هذا المنطلق، حيث قطر ومصر لاعبين فاعلين.. وأعتقد أن المملكة العربية السعودية ستحتضن لقاءً أيضًا.. وسنتابع كيف ستتكشف الأمور وما ستفضي إليه المباحثات في القريب العاجل".