بعد أكثر من أسبوع من إلغاء عقد بلاده اجتماعًا للمجلس الإستراتيجي مع اليونان، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الأربعاء أنّه لن يلتقي بعد الآن مسؤولين يونانيين يتّهمهم بـ"عدم الصدق".
وقال أردوغان أمام أعضاء من البرلمان في أنقرة: "لن نعقد لقاءات ثنائيّة معهم"، وذلك في ظلّ اتهامات متبادلة بين الطرفين. وأضاف: "تعلمون أنّنا عقدنا اتفاقًا حول مجلس إستراتيجيّ أعلى مع اليونان. أعلمت وزير الخارجية في الأمس أننا أوقفنا العمل بها".
وتشهد العلاقة بين أنقرة وأثينا حالة من التوتر المتصاعد، تتشعب أسبابها وعلى رأسها وقوف تركيا إلى جانب جمهورية شمال قبرص التركية ومطالبتها اليونان بإيجاد حل يحترم القبارصة الأتراك، إضافة إلى الحدود البحرية وامتداد الجرف القاري لكل منهما بالإضافة إلى قضايا المجال الجوي والمهاجرين.
أردوغان: "لا تحاولوا العبث مع تركيا"
وفي خطابه، ندد أردوغان برئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس من دون أن يسمّيه قائلًا: "يذهب إلى الولايات المتحدة، ويتحدث ضدنا أمام الكونغرس، سئمنا ذلك. نحن مستعدون للترحيب بك إن كنت صادقًا، لكن إن لم تكن كذلك، فنحن آسفون".
وأضاف: "إنكم تواصلون الاستعراض أمامنا بطائراتكم"، في إشارة إلى الخلاف حول المجال الجوي فوق جُزر في بحر إيجة. وتابع: "ماذا تفعلون؟ انتبهوا لأفعالكم. ألا تتعلمون دروسًا من التاريخ؟".
وأردف الرئيس التركي متوجّهًا إلى المسؤولين اليونانيّين: "لا تحاولوا العبث مع تركيا. ستتعبون وتتعثرون. لم نعد نجري محادثات ثنائية معهم. اليونان هذه لن ترى سببًا لذلك".
وينصّ الاتفاق المعقود بين البلدين عام 2010 على عقد لقاءات دوريّة على أعلى المستويات لتعزيز التعاون بين البلدين.
وقد صعّدت تركيا انتقاداتها ضد اليونان بعد خطاب الرئيس اليوناني أمام الكونغرس الأميركي منتصف مايو/ أيّار الجاري.
لكن العلاقات بين البلدين تشهد اضطرابات متكررة، وتتبادل أنقرة وأثينا باستمرار الاتهام بانتهاك المياه الإقليمية والمجال الجوي لكل منهما.
وانتقد رئيس الوزراء اليوناني تركيا من دون أن يسمّيها.
ورأت وسائل الإعلام التركيّة في هذا الخطاب دعوة لواشنطن للامتناع عن تزويد تركيا بطائرات أف-16 تطالب بها.
وتتهم السلطات التركية اليونانيين بتسليح جزر بحر إيجه في انتهاك على حد قولها لمعاهدتين.
وكرّر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الثلاثاء أن أنقرة ستشكك في سيادة اليونان على الجزر إذا استمرت في إرسال قوات إليها.
وقال في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول: "انتهكت اليونان وضع هذه الجزر وعليها إزالة السلاح منها. وإلا سيبدأ نقاش حول سيادتها".
وردت وزارة الخارجية اليونانية، على تصريحات جاويش أوغلو، معتبرة أنها تظهر أن تركيا تهدّد أثينا.
بدوره دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الثلاثاء، اليونان في نزاعها مع تركيا حول الجزر، منددًا بأي تشكيك في "السيادة" اليونانية عليها.
وفي العام الماضي، وبعد توقف استمر خمس سنوات استأنف البلدان العضوان في حلف شمال الأطلسي المحادثات لحل نزاعاتهما في البحر المتوسط والقضايا الثنائية الأخرى.
ولم تحرز هذه المحادثات تقدّمًا يذكر، وكثيرًا ما تبادل البلدان الانتقادات اللاذعة.
تصاعد التوتر
واندلع التوتر مرة أخرى الأسبوع الماضي، عندما قال أردوغان إن رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس "لم يعد موجودًا" بالنسبة له واتهم الزعيم اليوناني بمحاولة عرقلة بيع طائرات إف-16 لتركيا خلال زيارة قام بها للولايات المتحدة.
وخلال زيارته للولايات المتحدة، حيث التقى بالرئيس الأميركي جو بايدن ومسؤولين أميركيين كبار الأسبوع الماضي، قال ميتسوتاكيس إنّ اليونان ستبدأ إجراءات شراء طائرات مقاتلة من طراز إف-35 من الولايات المتحدة بحلول عام 2030.
وأمس الثلاثاء، قال ميتسوتاكيس للصحافيين بعد قمة للاتحاد الأوروبي إنه أطلع نظراءه في الاتحاد الأوروبي على "عدوانية" تركيا و "استفزازاتها التي لا يمكن أن تتسامح معها اليونان أو الاتحاد الأوروبي"، مضيفًا "لن أشارك في لعبة الإهانات الشخصية".
ويأتي هذا التوتر، بعد أن قطع البلدان شوطًا متقدمًا من إعادة تحسين العلاقات بينهما، خلال شهر مارس/ آذار الماضي، حيث اجتمع رئيس الوزراء اليوناني بأردوغان في إسطنبول، واتفقا على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بينهما وتحسين العلاقات الثنائية.
لكن الخلاف التركي في جزيرة قبرص المنقسمة إلى شطرين، تشكل رأس هرم العلاقة بين أنقرة وأثينا.
وتعاني قبرص منذ عام 1974، انقسامًا بين شطرين تركي في الشمال ورومي في الجنوب، وفي 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة.
ومنذ انهيار محادثات إعادة توحيد قبرص التي جرت برعاية الأمم المتحدة في سويسرا خلال يوليو/ تموز 2017، لم تجر أي مفاوضات رسمية بوساطة أممية لتسوية النزاع في الجزيرة.