شهدت الجبهة اللبنانية الإسرائيلية خلال الساعات الماضية تصعيدًا كبيرًا تبادل في خضمه الجيش الإسرائيلي وحزب الله قصفًا مكثفًا.
وعلى الجانب اللبناني سقط 9 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف جمعية الإسعاف اللبنانية في بلدة الهبارية جنوبي البلاد، وذلك عقب ساعات من توسيع طائرات حربية إسرائيلية دائرة هجماته داخل الأراضي اللبنانية لتشمل بعلبك ومحيطها. كما عاد الطيران الحربي الإسرائيلي لتنفيذ غارتين جويتين أدتا إلى استشهاد 9 أشخاص على الأقل في بلدتي طيرحرفا والناقورة.
تصعيد جديد جنوب لبنان
وردّ حزب الله لم يتأخر، إذ أعلنت إسرائيل مقتل شخص وتضرر مبان جراء إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان باتجاه كريات شمونة ومحيطها.
وتزامن التصعيد مع زيارة تقوم بها اليوم إلى لبنان رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، لاستكمال الجهود الدبلوماسية الدولية الهادفة إلى احتواء التوتر بين حزب الله وإسرائيل.
في غمرة ذلك ما انفكت تل أبيب تعلن عدم رغبتها في توسيع نطاق الحرب مع حزب الله، لكن صحيفة "هآرتس" نقلت عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: إن "العمق اللبناني أصبح ساحة قتال"، وهو ما أشار إليه حزب الله مرات عدة، حيث أكد أن إسرائيل تريد جره إلى مواجهة واسعة للتغطية على إخفاقاتها، إلا أنه لن ينجر إليها رغم جاهزيته التامة لكل الاحتمالات واستمرار إسناده لجبهة غزة.
وخلال الأيام الماضية حرص مسؤولون إسرائيليون في مقدمتهم وزير الأمن يوآف غالانت على التأكيد صراحة، بأن أي هدنة في غزة لا تعني بالضرورة وقف إسرائيل هجماتها على حزب الله.
الموقف ذاته أشار إليه المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين، وقد نقلت عنه مصادر سياسية لبنانية قوله: "إن وقف الحرب في غزة لا يعني توقفها تلقائيًا في لبنان من دون تطبيق حل سياسي".
والحل السياسي المنشود في واقع الأمر، هو مربط الفرس وبؤرة الخلاف، ذلك أنه يعني بالمفهوم الإسرائيلي تراجع حزب الله نحو ثمانية إلى عشرة كيلومترات شمالي الليطاني، وهو ما ترفضه الخارجية اللبنانية التي تؤكد أنه لا حل سياسيًا ناجعًا دون تطبيق إسرائيل بشكل شامل وكامل للقرار الدولي رقم 1701.
"لا توسيع للحرب"
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الاتصال السياسي علي أحمد أنه في ظل المعطيات الداخلية الإسرائيلية والخلاف مع واشنطن تعمد تل أبيب على توسيع المعركة في لبنان، لكن دون أنّ تصبح حرب شاملة.
ويضيف في حديث إلى "العربي" من بيروت، أنّ "إسرائيل تحاول الذهاب في اتجاه العمل الجغرافي مقابل توسيع المقاومة لقدراتها في المعركة رغم تقنين هذه الأخيرة إظهار قدراتها على الرغم من المجزرة الجديدة في جنوب لبنان".
ويشير أحمد إلى أن "الحرب اليوم كاملة العناصر على الجبهة الشمالية، لكن ظروف المعركة تفرض أمورًا جديدة، في ظل استهداف عناصر حزب الله في سوريا أو في لبنان".
وتابع: "في لبنان لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل الكلفة أكثر، في حال وسعت نطاق الحرب التي ستنعكس على الداخل الإسرائيلي".
"استنزاف حزب الله"
بدوره، يعتبر مهند مصطفى، الباحث في مركز مدى الكرمل، "أن الحل المثالي لإسرائيل هو تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 من خلال مسار دبلوماسي ودون أن تطبّق الجزء المتعلق بالانسحاب من الأراضي اللبنانية وفق ما يقول القرار".
ويضيف مصطفى في حديث لـ "العربي" من أم الفحم: "هناك اختلاف في إسرائيل حول كيفية إدارة الجبهة في الشمال، بين من يريد مواجهة شاملة كما يحدث في غزة ولا سيما أن هناك فرصة مواتية لهذه الفكرة بعد السابع من أكتوبر".
ويوضح أن تلك الفكرة تم إيقافها من قبل أعضاء في مجلس الحرب الإسرائيلي بضغط من واشنطن، لكن في المقابل هناك تيار يعتقد أن ما يحدث على الجبهة الشمالية هو المفضل لإسرائيل في ظل غياب الحل الدبلوماسي.
ويرى أن هذا التيار يدفع في اتجاه "تدفيع حزب الله ثمنًا باهظًا عبر قتل المئات من مقاتليه واستهداف بنيته العسكرية، وكسر بعض قواعده التي كانت قبل السابع من أكتوبر".
ومضى يقول: "هناك من يعتقد وجود تراكم من الإنجازات الإسرائيلية على المستوى العسكري".
ويلفت مصطفى في مداخلته إلى أنّ خيار المواجهة الشاملة تراجع بشكل كبير داخل إسرائيل بعد مرور نحو نصف عام على الحرب على غزة، لا سيما أن واشنطن غير مستعدة لهذا الخيار، إضافة إلى عدم استعداد المجتمع الإسرائيلي لهذا السيناريو الذي سيؤثر على الاقتصاد ويعطل الحياة داخل إسرائيل.
ويرى الباحث السياسي أنّ "الخيار الأقوى أمام إسرائيل هو استمرار العمليات الاستنزافية مع حزب الله حتى يتم التوصل إلى حل معين في قطاع غزة، كون أن العامل الوحيد الضاغط على إسرائيل في معركة الشمال هو وجود مئة ألف إسرائيلي تم إخلائهم من منازلهم".
ووفقًا لمصطفى فإنّ "إسرائيل مستعدة أكثر من قبل السابع من أكتوبر تجاه الجبهة الشمالية؛ لأنها يمكن أن تكون تعلمت من الدروس والأخطاء وخاصة أنه جرى إقامة لواء كامل في الجيش الإسرائيلي هو لواء الجبال ومهمته تأمين الحدود وقد تم تأمين الحدود السورية واللبنانية وتم بناء عوائق على الحدود كجزء من خلاصات الجبهة الجنوبية".
"خشية أميركية"
بدوره، يرى ريشتارد غودستين، المخطط الإستراتيجي في الحزب الديمقراطي ومستشار سابق لبيل كلنتون، أن "الولايات المتحدة حركت حاملة الطائرات نحو السواحل الإسرائيلية كي تضبط الأمور وتمنع انفلاتها من عقالها في لبنان".
ويضيف في حديث إلى "العربي" من واشنطن، أن "الولايات المتحدة تقر بأن إسرائيل تواجه معضلة، إذا ما قررت أن تقضي على حزب الله أو جزء كبير منه، وخاصة أنه ربما سيرد حزب الله ويطلق الصواريخ على مدن إسرائيل والتي يمكن أن تكون دقيقة وتشكل تهديدًا جديدًا للمجتمع الإسرائيلي".
ومضى غودستين يقول: "حتى أن الجيش الإسرائيلي يعلم أن التكلفة ستكون باهظة للغاية".
ويشير إلى أن "الولايات المتحدة في حال حصل أمر في الجنوب اللبناني فإنها ستدعم إسرائيل".