عام 2022، سجّلت بريطانيا أول حالة مؤكدة من فيروس التهاب الدماغ المنقول بالقرّاد أو (TBE)، وهو مرض قاتل يقول الخبراء إنّه ينتشر في مناطق جديدة بسبب الاحتباس الحراري.
وأظهرت الدراسات أن العديد من الأمراض التي تنقلها حشرة القرّاد أصبحت أكثر انتشارًا بسبب تغيّر المناخ.
ويشعر مسؤولو الصحة العامة بالقلق بشكل خاص من مرض "TBE"، والذي يُعتبر أكثر فتكًا من أمراض القرّاد المعروفة مثل "لايم" (Lyme)، نظرًا للطريقة التي انتقل بها بسرعة من بلد إلى آخر.
وأكد غابور فولدفاري، الخبير في مركز البحوث البيئية في المجر، لوكالة أسوشييتد برس، أنّ تأثيرات تغيّر المناخ على مرض "TBE" لا لبس فيها.
وبينما لا يستطيع القرّاد البقاء على قيد الحياة لأكثر من يومين في درجات حرارة أقل من الصفر، إلا أنّه يمكنه العيش في ظروف دافئة جدًا طالما أن هناك رطوبة كافية في البيئة.
ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتحوّل الشتاء إلى أكثر اعتدالًا، أصبح القرّاد نشطًا في وقت مبكر من العام. ويؤثر تغيّر المناخ على القرّاد في كل مرحلة من مراحل دورة حياتها، من خلال إطالة المدة الزمنية التي يتغذى بها القراد بنشاط على البشر والحيوانات. حتى درجة بسيطة من الاحتباس الحراري توجد المزيد من الفرص لتكاثر القرّاد ونشر المرض.
وقال جيرهارد دوبلر، الطبيب الذي يعمل في المركز الألماني لأبحاث العدوى لوكالة أسوشييتد برس: "عدد القرّاد الشتوي آخذ في الازدياد، وفي الربيع يكون هناك نشاط كبير للقرّاد. هذا قد يزيد من الاتصال بين القراد المصاب والبشر ويسبب المزيد من الأمراض".
تزايد في الإصابات
واكتُشف الفيروس لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، بشكل أساسي في أوروبا وأجزاء من آسيا، بما في ذلك سيبيريا والمناطق الشمالية من الصين. ويحمل نفس النوع من القرّاد المرض في هذه المناطق، لكن النوع الفرعي للفيروس يختلف حسب المنطقة.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تسجّل أوروبا وشمال آسيا ما بين 10 آلاف و12 ألف حالة إصابة بالمرض سنويًا. ومن المحتمل أن يكون العدد الإجمالي للحالات في جميع أنحاء العالم أقلّ من العدد الفعلي، حيث إنّ تعداد الحالات غير موثوق به في البلدان التي يكون لدى سكانها وعي منخفض بالمرض، ولا يُطلب من إدارات الصحة المحلية إبلاغ الحكومة عن الحالات. لكن الخبراء يقولون إنّ هناك زيادة واضحة منذ التسعينيات، خاصّة في البلدان التي كان المرض فيها غير شائع.
وقال دوبلر: "إننا نرى اتجاهًا متزايدًا للحالات البشرية"، مستشهدًا بالحالات المتزايدة في النمسا، وألمانيا، وإستونيا، ولاتفيا، ودول أوروبية أخرى.
لا يُهدّد التهاب الدماغ المنقول بالقرّاد الحياة دائمًا. في المتوسط، يتطوّر حوالي 10% من العدوى إلى الشكل الحاد من المرض، والذي غالبًا ما يتطلّب العلاج في المستشفى. ولكن بمجرد ظهور الأعراض الشديدة، لا يوجد علاج لهذا المرض.
ويتراوح معدل الوفيات بين أولئك الذين تظهر عليهم أعراض حادة من 1 إلى 35%، اعتمادًا على النوع الفرعي للفيروس، مع كون النوع الفرعي في الشرق الأقصى هو الأكثر فتكًا. فعلى سبيل المثال، سجّلت أوروبا 16 حالة وفاة عام 2020، من بين حوالي 3700 حالة مؤكدة.
ويُعاني ما يصل إلى نصف الناجين من مرض "TBE" الشديد من مشاكل عصبية مزمنة، مثل الأرق والعدوانية.
وقال دوبلر إنّ العديد من المصابين لا تظهر عليهم أعراض، أو تظهر عليهم أعراض خفيفة فقط. وبالتالي، فإن عدد الحالات الحقيقي قد يصل إلى 10 مرات أعلى في بعض المناطق من التقديرات.
وفي حين أنّ هناك لقاحين ضدّ المرض، فإن الحصول على اللقاح منخفض في المناطق التي يكون فيها الفيروس جديدًا. ولا يغطي أي من اللقاحين جميع الأنواع الفرعية الثلاثة الأكثر انتشارًا.
وعام 2020، دعت دراسة إلى تطوير لقاح جديد يُوفّر حماية أعلى ضد الفيروس. وفي النمسا، على سبيل المثال، يقترب معدل التلقيح من TBE من 85%، ومع ذلك يستمر عدد الحالات البشرية في الازدياد، "وهي دلالة على تأثير تغير المناخ على المرض"، وفقًا لدوبلر.
أما في وسط وشمال أوروبا، حيث كان متوسط درجات الحرارة السنوية على مدار العقد الماضي أعلى بمقدار درجتين مئويتين تقريبًا عن أوقات ما قبل عصر الصناعة، ارتفعت الحالات الموثّقة للفيروس في العقود الأخيرة.
يقول بعض الخبراء إنّ ارتفاع درجات الحرارة العالمية أدى إلى زيادة نشاط القرّاد. ويلاحظون أنّ العناكب الطفيلية تتحرّك شمالًا ونحو المناطق العالية، حيث ترتفع درجة حرارة التضاريس غير المواتية إلى نطاق درجة الحرارة المفضّل لديهم.
وتُعتبر الأجزاء الشمالية من روسيا مثالًا رئيسيًا على انتقال القرّاد المُصاب بمرض TBE نحو الشمال. وأبلغت بعض الجبال في ألمانيا وبافاريا والنمسا والتي كانت خالية من القرّاد في السابق، عن زيادة في الحالات بمقدار 20 ضعفًا على مدار السنوات العشر الماضية.
ويُلقي الشبح المُتزايد للفيروس في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، والآن أجزاء من المملكة المتحدة، الضوء على أخطار الأمراض التي ينقلها القرّاد.