أدلت الناجية الوحيدة من تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية قبالة جزر القمر عام 2009 بشهادتها، اليوم الإثنين، في محاكمة تجري في باريس ضد شركة الطيران بتهمة التسبب بالقتل والإصابات غير المتعمدة.
فقد روت بهية بكاري (25 عامًا) للمحكمة تفاصيل المحنة المأسوية التي عاشتها في الحادثة التي أسفرت عن سقوط 152 قتيلًا، وكانت تبلغ آنذاك من العمر 12 عامًا.
وبدأت بكاري في سرد تفاصيل ما حصل ليلة الحادث الذي نجت منه بأعجوبة قبل حوالي 13 عامًا، وقالت إنها أقلعت في الرحلة مع والدتها يوم 29 يونيو/ حزيران 2009 من باريس، قبل أن تتوقف الطائرة في مرسيليا ثم يغير الركاب الطائرة في صنعاء لتمضية إجازة في جزر القمر.
وكانت الناجية الوحيدة قد استقلت الطائرة اليمنية لحضور حفل زفاف جدها في جزر القمر برفقة والدتها، وبحسب وصفها كانت "الطائرة الثانية" إيه-310 "أصغر، كان فيها ذباب ورائحة مراحيض قوية" على حد وصفها. لكن هذه "الرحلة الليلية مرّت بشكل طبيعي جدًا" حتى موعد الهبوط.
12 ساعة في البحر متمسكةً بحطام
ثم قالت بكاري على مسامع أكثر من 100 من أفراد عائلات وأصدقاء ضحايا الحادثة، أنه مع اقتراب الرحلة 626 من موروني عاصمة جزر القمر: "بدأت أشعر باضطرابات جوية، لكنّ أحدًا لم يظهر أي رد فعل خارج عن المألوف، لذلك قلت لنفسي إنه أمر عادي".
وأردفت: "شعرت كأن هناك شحنة كهربائية في كل جسدي. لا أتذكر شيئا في الفترة الممتدة بين جلوسي في الطائرة ولحظة وجدت نفسي في المياه.. وسط الأمواج رأيت أمامي حطامًا، تمسّكت بأكبرها وحاولت الصعود عليها لكن لم أتمكن من ذلك".
وتابعت "سمعت أصواتًا تستغيث بلغة جزر القمر، بدأت الصراخ لكن لم يكن لدي أمل كبير لأنني أدركت أنه لم يكن هناك أحد حولي إلا مياه البحر".
وأكملت: "انتهى بي المطاف بالنوم وأنا متشبثة بحطام الطائرة. عندما استيقظت، كان الفجر يبزغ، وكان هناك هدوء تام". رأت الفتاة الساحل في البعيد وحاولت "الوصول إليه" لكنّ "البحر كان هائجًا جدًا" وفق روايتها، واصفةً "طعم الكيروسين" الذي شعرت به في فمها.
كما تابعت بهية: "لم أجد طريقة للنجاة.. لكن التفكير في والدتي التي لطالما كانت حاميتي هو ما جعلني أصمد". وفي نهاية المطاف، أنقذها صيادون بعد 12 ساعة في المياه.
ولفتت أمام المحكمة إلى أنها اعتقدت أن "الجميع وصلوا" وأنها "الوحيدة التي سقطت" من الطائرة. لكن "طبيبة نفسية في المستشفى" أخبرتها بأنها "الشخص الوحيد الذي نجا".
فرنسا تحقق في الحادثة
وأصيبت بهية بكاري، المولودة في إيسون قرب باريس لأبوين متحدرين من جزر القمر في 15 أغسطس 1996، بكسور وحروق في ساقيها، وبعد نقلها إلى فرنسا، زارها رئيس الجمهورية حينها نيكولا ساركوزي.
وبحسب صحيفة "غارديان" شاركت بهية بكاري بعدة جلسات استماع مع والدها، لكنها لم تدل بشهادتها أو تتحدث من قبل إلى الصحافيين الذين حضروا المحاكمة التي بدأت هذا الشهر.
فقد فتح القضاء الفرنسي تحقيقًا على الفور نظرًا إلى وجود 66 فرنسيًا بين الضحايا، وتجري المحاكمة حاليًا في باريس للأسباب نفسها.
وإقليم مايوت الفرنسي هو جزء من أرخبيل جزر القمر، وكان 66 مواطنًا فرنسيًا من بين 142 راكبًا و11 من أفراد الطاقم الذين كانوا على متنها ولقوا جميعهم حتفهم ما عدا بكاري.
"تقصير وإهمال" من جانب الشركة
وخلص الخبراء إلى أن الحادث نتج عن مجموعة من الأخطاء المنسوبة إلى الطيارين، مستبعدين فرضية إصابة الطائرة بصاروخ أو صاعقة أو تعرضها لخلل فني.
وبرز "تقصير" من جانب شركة الطيران اليمنية التي قامت بتسيير الرحلة 626: فهي أخطأت عندما واصلت تسيير رحلات ليلية إلى موروني رغم أعطال قديمة في أنظمة الانارة يعانيها المطار، إضافة الى "ثغرات" في تدريب الطيارين. إلا أن محامي الشركة ينفون ارتكاب أي مخالفات.
يذكر أنه عند بدء المحاكمة، كانت مقاعد المدعى عليهم خالية ولم يحضر أي ممثل للشركة بسبب الحرب الدائرة في اليمن، بحسب الدفاع.
وردًا على سؤال حول هذا الغياب من أحد محامي العائلات، أعربت بهية بكاري عن أسفها لذلك قائلة: "كنت أود أن يستمعوا إلينا" و"يقدموا اعتذارًا" بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.
ومن المقرر أن تنتهي محاكمة الشركة اليمنية في الثاني من يونيو/ حزيران، وبحسب الصحيفة البريطانية تواجه غرامة قصوى قدرها 225 ألف يورو.
وشهد العالم عبر تاريخه العديد من حوادث سقوط الطائرات ما أدى إلى مقتل الآلاف. وفي السياق، استعرض "العربي" عام 2019 أشهر حوادث الطيران المدني عبر التاريخ، أبرزها الرحلة 191 التابعة للخطوط الجوية الأميركية التي تحطمت يوم 25 يونيو/ حزيران عام 1979.
حينها، وصفت الحادثة بأنها أكبر حادث في تاريخ الملاحة الجوية الأميركية، حيث غادرت الطائرة مطار شيكاغو قبل أن ينفصل محركها عن الجناح الأيسر وتسقط مخلفةً 271 قتيلًا أي جميع من كانوا على متنها.