يمكن رصد العلم الفلسطيني والكوفية والشعارات الداعمة للقضية الفلسطينية في مونديال قطر 2022، داخل مدرّجات الملاعب وخارجها، في الشوارع وأثناء الكرنفالات والتجمعات المؤازرة للفرق، وعلى الجدران وحتى المركبات.
فلسطين وقضيتها تحضر بقوة عبر المشجعين العرب والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني. ولم يؤكد احتضان تلك القضية فقط على مركزيتها بالنسبة للشارع العربي، بل أيضًا استغلته الجماهير العربية في المونديال للتأكيد على ازدواجية معايير الدول الغربية وكيلها بمكيالين، عندما تغضّ الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية بينما تتغنى بحديثها عن حقوق الإنسان.
"قل فلسطين ولا تقل إسرائيل"
وبموازاة حجم التأييد الجارف للقضية الفلسطينية في المونديال، جاءت وبنفس القوة مشاعر الرفض لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.
ووثقت عدسات الكاميرا ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مظاهر عديدة لرفض الجماهير العربية التعامل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وكان مجرد ذكر أي مراسل لكونه إسرائيليًا كفيلًا بإثارة مشاعر وردود فعل غاضبة ومستنكرة. وتكررت عبارة واحدة على لسان الجمهور العربي: "قل فلسطين، ولا تقل إسرائيل".
وقد اعترف الإعلام الإسرائيلي بحالة من الرفض، حيث أقرّ بأن ما يسوقه مسؤولوه بشأن التطبيع مع الدول العربية ما هو إلا وهم ليس له على أرض الواقع أساس.
ولعل ما لفت نظر العديد من الصحف العالمية هو حالة التكاتف بين الجماهير العربية، سواء من شاركت منتخباتها في المونديال ومن لم تشارك.
فعند أي مباراة للسعودية أو المغرب أو تونس أو قطر، يكون الجمهور العربي حاضرًا يؤازر هذه المنتخبات بحالة من التضامن بين المشجعين العرب. تضامن مرئي في الشوارع والأهازيج والخطابات.
"سلوك فيه الكثير من التطفل"
يشرح رئيس تحرير موقع "عرب 48" رامي منصور، أن ما أثبته سلوك المشجعين العرب مع الصحافيين الإسرائيليين هو تأكيد المؤكد؛ من حيث الرفض الشعبي العربي للتطبيع مع إسرائيل، بعد الحديث في السنوات الأخيرة عن اتفاقيات ابراهام والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية وتجاوز القضية الفلسطينية.
ويقول في حديثه إلى "العربي" من حيفا: الآن هبطت الصحافة الإسرائيلية إلى الواقع، والتقت مع الشعوب العربية في الدوحة خلال مونديال قطر 2022".
ويضيف: "تبيّن لها أن كل الحديث عن تطبيع مع دول عربية غير صحيح، وأنه تطبيع بين أنظمة وأن الرفض الشعبي للاحتلال الإسرائيلي حقيقي وواقعي".
ويعتبر أن المستغرب هو الاستغراب الإسرائيلي من ردة الفعل الشعبية العربية، سائلًا: هل كانوا يعتقدون أن ما تقوم به إسرائيل في فلسطين وحصار غزة واقتحامات الضفة والمسجد الأقصى لا يهم الشعوب العربية؟".
ويعتبر أن سلوك الصحافيين الإسرائيليين في المونديال فيه الكثير من التطفل على الناس واستفزازهم خلال فرحتهم بهذه الأجواء الرياضية الكرنفالية، وبالإمكان وصفه بنوع من الغيرة أو الحسد أو الكيد.
"الإسرائيليون صُدموا من حجم الرفض"
بدوره، يوضح الباحث في التاريخ الاجتماعي علي حبيب الله أن الإعلام الإسرائيلي وفي أول يومين من المونديال وما قبل انطلاق البطولة، شهد شكلًا من أشكال الاحتفاء ظنًا من الإسرائيليين بأنهم جزء من هذا الحدث وهذه الاحتفالية وبأنهم جسم طبيعي في المنطقة، وذلك بحكم ترتيب علاقات سياسية مع الأنظمة العربية ووجود هذا الحدث الكبير في منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر إسرائيل نفسها جزءًا منها.
ويقول في حديثه إلى "العربي" من القدس، إن الإسرائيليين صُدموا من حجم هذا الرفض، بعدما هبط الإعلام الإسرائيلي إلى الأرض واصطدم بأن العرب لا زالوا وسيظلون ينظرون إلى إسرائيل على أنها جسم غريب في المنطقة، بالنظر إلى نشأتها الاستعمارية وسيرورتها كدولة نظام فصل عنصري واحتلال وإقصاء وتدمير.
ويعتبر أن ما يجب التنويه له في سياق المونديال بوصفه حدثًا عربيًا، أي البعد العروبي للمونديال، هو أن عملية الرفض تجري في سياق حدث ليس رياضيًا فقط بالنسبة للعرب، بل أيضًا حدث باعث للوجدان السياسي العربي.
ويؤكد حبيب الله أن "قضية فلسطين ستظل هي القضية الأم، أي التي تظل مرجعًا لإنتاج الهوية العربية".
"وجوب اغتنام هذه الروحية"
من ناحيته، يشدد رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان على أن كل ذي ضمير لا يمكنه إلا أن يكون مع القضية الفلسطينية، وأن يدين ويرفض وينبذ ويقاوم الفصل العنصري والاحتلال والمجازر والإبادات الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويتوقف في حديثه إلى "العربي" من الرباط، عند ما شهدت به كبريات المنظمات الإنسانية الدولية في تقاريرها، التي اعتبرت أن نظام الكيان الصهيوني نظام فصل عنصري.
ويؤكد أن "هذا الكيان منبوذ بخلاف ما يحاولون النفخ فيه في الإعلام". وفيما يلفت إلى أنه "مستحوذ على وسائل الإعلام والدعاية، يقول: "لكن لما نزلوا إلى الأرض اكتشفوا الحقائق، وأن الشعب العربي وكل أقطار الشعوب العربية والمشجعين والمنتخبات مع القضية الفلسطينية.
ويشير إلى وجوب اغتنام هذه الروحية وهذا الزخم في الدوحة للتشبيك ولا سيما على المستوى العربي؛ تشبيك مشجعي المنتخبات في كل الأقطار ولو بالحد الأدنى لأن هذه واجهة مؤثرة ومهمة.