تواصل القوات الإسرائيلية تصعيدها العسكري في مناطق وسط وجنوبي قطاع غزة، وأبرزها رفح وخانيونس وحي الزيتون، ليسفر العدوان المستمر عن عدد من الشهداء والجرحى.
يأتي ذلك، وسط معلومات بمصادقة الكابينت الإسرائيلي الأمني على توسيع العمليات بشكل "محدود ومحسوب" في رفح، بما يتسق والخطوط الحمر للإدارة الأميركية.
في المقابل، نفذت المقاومة الفلسطينية عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال وأكدت إيقاع قتلى وجرحى في صفوفه، وسط اشتباكات ضارية في محاور عدة.
تساؤلات حول آفاق المفاوضات
وقد فاقم التصعيد الميداني بطبيعة الحال من حدة المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، حيث قدرت وكالات أممية نزوح أكثر من 110 آلاف شخص من رفح بحثًا عن ملاذ آخر، في قطاع لا مكان آمنًا فيه على الإطلاق.
وتكتمل فصول المأساة بتحذير منظمات دولية من مجاعة وشيكة ومن توقف المستشفيات عن العمل، بعد اقتراب نفاد مخازن رفح من الغذاء والوقود وغيرها من مواد الإغاثة المنقذة للحياة.
في خضم ذلك كله، تبرز تساؤلات عدة بشأن آفاق المفاوضات عقب انتهاء جولة أخرى منها في القاهرة، دون نتائج.
وأبدت واشنطن حيال ذلك تفاؤلًا حذرًا، وأوحت بأن الباب ما زال مواربًا لاستئناف المحادثات. وكذلك فعل الاحتلال، الذي يحاول على ما يبدو استخدام ورقة رفح للضغط على حماس، ذلك أنه لم يعلن انهيار المفاوضات بشكل تام، بل أصدر مجلس حربه وفق مصادر إعلامية تعليمات لمفاوضيه بمواصلة السعي للتوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين.
في المقابل، قالت حماس إنها ستجري مشاورات مع فصائل المقاومة الفلسطينية لإعادة النظر في إستراتيجية التفاوض.
وقد أكد القيادي في الحركة خليل الحية للعربي، أن الاحتلال يريد كسب مزيد من الوقت على حساب المفاوضات.
"لا نصدق أن العملية محسوبة ومحدودة"
وضمن هذا السياق، أشار رامي منصور رئيس تحرير موقع "عرب 48"، إلى إعلان إسرائيل أنها ستقوم بتوسيع العمليات بشكل محدود ومحسوب في رفح، لافتًا إلى أن "هذا ما تريده وتعلن عنه مرارًا وتكرارًا، والآن قررت الذهاب قدمًا في ذلك". ورأى في الأمر "هروبًا إلى الأمام نتيجة سياسات حكومة نتنياهو طيلة هذه الحرب، التي لم تحقق هدفًا إسراتيجيًا حقيقيًا طيلة سبعة شهور".
وأكد منصور في حديث لـ "العربي" من حيفا، أن إسرائيل تريد استكمال احتلال قطاع غزة، واجتياح مدينة رفح ومحيطها، وصولًا إلى محور صلاح الدين.
وأردف بأن إسرائيل تريد أن تجازف دون أن تتجاوز "الخط الأحمر"، الذي وضعه بايدن بخصوص اجتياح رفح. وقال: "لا نصدق أن العملية محسوبة ومحدودة وتأخذ بعين الاعتبار حياة المدنيين".
"من الصعب حسم ما هو الخط الأحمر الأميركي"
بدوره قال أحمد الحيلة، الكاتب والباحث السياسي، إن "من الصعب حتى اللحظة حسم ما هو الخط الأحمر الأميركي".
وذكر في حديثه إلى "العربي" من اسطنبول، بأن الإدارة الأميركية كانت تتحدث سابقًا عن أنها لا توافق على مجمل عملية رفح وستمنعها، وتطالب الاحتلال الإسرائيلي بضرورة وضع خطة واضحة لكيفية الدخول إلى رفح وحماية المدنيين فيها. وأضاف أن ما يجري اليوم تجاوز لهذا الشرط.
وأشار إلى أن الخط الأحمر الذي يتحدث عنه بايدن اليوم، يمكن القول إنه - بالاستناد إلى الكثير من التفاصيل وبعض التصريحات التي جاءت على لسان الرئيس الأميركي والعديد من المسؤولين الأميركيين - عدم إسقاط أعداد ضخمة من المدنيين في رفح بالآلاف. أي عدم ارتكاب مجازر كما حصل في مدينتي غزة وخانيونس، حيث أدت إلى استشهاد وإصابة أكثر من 110 آلاف إنسان.
وأضاف أن الإدارة الأميركية تمنح في المقابل غطاء سياسيًا ودعمًا عسكريًا واسع النطاق للاحتلال الإسرائيلي.
وعليه، أكد أن السياق الذي يذهب إليه نتنياهو يحظى بشرعية أميركية، وإن كنا لا زلنا نستمع إلى "تحفظات كثيرة" و"قلق كثير".
"حكومة نتنياهو تكذب"
من جانبه، رأى وليام لورانس، وهو مسؤول سابق في الخارجية الأميركية، أن "نتنياهو كان يلعب لعبة مزدوجة مع الفلسطينيين والأميركيين ومع المجتمع الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية في السابق، وهو يكرر الأمر نفسه الآن في رفح".
وقال في حديثه إلى "العربي" من واشنطن، إن الولايات المتحدة لم تكن تريد العملية في رفح، لافتًا إلى أن "حكومة نتنياهو تكذب بشأن حصولها على موافقة بشأنها".
وأضاف أن "نتنياهو يستخدم بدوره هذا الأمر، وحاول شرح أن العملية لن تؤدي إلى قتل عشرات آلاف الأشخاص".
وفيما ذكر لورانس بأن من الجريمة "أن يقتل عشر أشخاص أو مئة شخص، فكيف إذا طال الأمر أكثر من 1000 شخص وعدد كبير من المدنيين، أكد أن الولايات المتحدة تريد حتى هذه اللحظة وقفًا لإطلاق النار في قطاع غزة.