بعد مرور عام على إعلان منظمة الصحة العالمية في مارس/آذار 2020، أن فيروس كوفيد-19 جائحة عالمية، عادت فسحة الأمل بالعودة إلى الحياة بفضل اللقاحات المضادة للفيروس وبدء حملات التلقيح عالميًا التي حملت معها بوادر "حرب اللقاحات".
فقد تطعّم نصف البالغين في المملكة المتحدة ضدّ كورونا، في وقت تكّثف المفوضية الأوروبية ضغوطها على شركات الأدوية لتسريع وتيرة تسليم اللقاحات بعد ارتفاع جديد في نسب الإصابات وعودة عدد من الدول الأوروبية إلى فرض إغلاق جديد الأمر الذي قد يأخذ اقتصادها إلى المجهول.
وبدأ السباق الأوروبي-البريطاني من أجل اللقاح تزامنًا مع ولادة سياسية جديدة في المملكة المتحدة مع خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهي من الدول التي تنتج لقاحها بنفسها.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق، أنه سيتوجب على شركات الأدوية المصنعة للقاحات كورونا داخل أراضيه، الحصول على إذن مسبق قبيل تصدير اللقاحات إلى دول خارج الاتحاد.
واتخذت المفوضية الأوروبية قرارًا في هذا الصدد، عقب إعلان شركة "أسترازينكا" البريطانية-السويدية أنها ستخفض بشكل كبير إمدادات لقاح كورونا لدول الاتحاد الأوروبي.
وفتح الأوروبيون كل الخيارات أمامهم بما فيها منع تصدير لقاح "أسترازينكا" المنتج في أوروبا إلى المملكة المتحدة، فتأخير الامدادات والنقص المستمر يبدو داعيًا كافيًا للتجاسر على خطوة كهذه لا سيّما أن دول الاتحاد تقف على أبواب موجة ثالثة من الوباء.
وعلى المقلب الآخر، تصطدم الحكومات الأوروبية بموجة احتجاجات مستمّرة رفضًا للقيود الصحية المفروضة لاحتواء فيروس كورونا، وصفوها بـ"دكتاتورية القيود"، حيث شهدت دول أوروبية احتجاجات شارك فيها الآلاف.
وعلى ضوء كل ما ذكر، يبدو أن لقاح "أسترازينكا" في أوروبا هو لقاح الضرورة والحاجة، فبعد سجال وقرارات المنع بعشرات الدول، خلصت وكالة الأدوية الأوروبية إلى أن فوائد اللقاح في حماية الناس من الموت بكورونا أو الحاجة لدخول المستشفى؛ تفوق مخاطره المحتملة، فيما أوصت منظمة الصحة العالمية بمواصلة استخدام اللقاح المذكور "في الوقت الحالي"، مؤكدة أن الخبراء ما زالوا يراجعون بيانات السلامة الخاصة.
من لقاح إلى سلاح
يرى حسين الوائلي الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي أن المفوضية الأوروبية ستنفذ تهديدها بمنع تصدير اللقاح بعد أن أخذت على عاتقها إبرام الصفقات القانونية مع شركات الأدوية، وأعطت الضوء الأخضر لمجموعة من البحوث لشركات الأدوية، وكشف أن المسؤولية تقع على عاتق المفوضية بشكل حصري ولا علاقة للدول الأعضاء على الرغم من تأييدهم هذه القرارات بعد أن لاحظوا إخلالًا بالعقد القانوني من جهة "أسترازينيكا".
ويردف الوائلي أن تخلّف "أسترازينيكا" بتطبيق وعودها أخّر عمليات اللقاح في الدول الأوروبية، ومنعها من الوصول إلى هدفها وهو تطعيم 70% من الشعب بحلول الصيف، إذ حتّى الساعة لم تجتاز حملة التلقيح نسبة الـ10%.
ومن المرجح أن تدعم الدول الأعضاء توصية أروسلا فون دير لاين بمنع تصدير اللقاحات خارج دول الاتحاد.
بريطانيا إلى أوروبا: العالم ينظر
الأكاديمي والباحث المتخصّص بالسياسية البريطانية الأوروبية راسل فوستر يعتبر أن الحكومة البريطانية قلقة تمامًا من أن يفسخ الطرف الأوروبي العقد مع "أسترازينيكا" من أجل توفير المزيد من اللقاحات للاتحاد الأوروبي.
ويضيف أنه على مدى 70 سنة الماضية كان الاتحاد الأوروبي قائمًا على مبدأ حكم القانون، وبالتالي لا ينبغي عليه منع أي شركة من تصدير اللقاحات لأن ذلك سيمثل انتهاكًا للقانون الدولي، وهي سابقة من طرف الاتحاد.
وتوجّهت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي بالقول "العالم ينظر"، وهذا وفق فوستر تذكير لأوروبا بأنها كتلة ديمقراطية، وسط اعتقاد كبير بعدم "كفاءة" المفوضية الأوروبية وقد تشكّل مشكلة دبلوماسية كبيرة.
ويظنّ الباحث أن سبب تعثّر حملة التطعيم الأوروبية سببها التأخير على مستوى توقيع العقود مع شركات الأدوية، وتشكيك البعض بمصداقية اللقاحات.
وقال لـ"العربي": "ما من خيارات كثيرة أمام حكومة بوريس جونسون في حال منع التصدير.. الاتحاد الأوروبي يهددّ لكن أشك في قدرته على تنفيذ تهديداه لأنه يتعامل مع شركات خاصة وليس حكومية".
تأثير الحرب على العالم
وعن تأثير "حرب اللقاحات" بين بريطانيا وأوروبا على بقية دول العالم خصوصًا الدول النامية، يقول حسني عبيدي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف لبرنامج "للخبر بقية" أن ضحايا هذا النزاع ستكون الدول الفقيرة لأنها أصلًا متأخرة في حملات التطعيم، وستضرّر أكثر في حال حصول غلق ومنع تصدير عالمي.
كما سيمثّل منع التوريد إلى الخارج وفق عبيدي مشكلة كبيرة حتّى عند الدول المتوسطة التي لديها القدرة على تأمين المبالغ المالية من خارج مظلة "كوفاكس" لاقتناء اللقاح مباشرة عبر عقود تجارية مع شركات الأدوية، فهي أيضًا لن تتمكن من تحصيل اللقاح بالموعد المحدد.
ويعتقد عبيدي أن هناك نقاشًا داخل منظمة التجارة العالمية، حول القضاء على الاحتكار عبر السماح للشركات العالمية بتصنيع اللقاح محليًا من خلال فتح الملكية الفكرية لهذه اللقاحات خاصة لدى الدول النامية وهذا باعتقاده الحلّ الأنسب.
ويؤكد عبيدي على وجود خلل قانوني في الاتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي الذي يقول أن بريطانيا استغلت قضية ما قبل "بريكست" واستولت على كميات كبيرة هائلة من اللقاح.