Skip to main content

"حرب المعجنات".. كيف تسبب متجر بصراع عسكري بين فرنسا والمكسيك؟

الخميس 7 مارس 2024
كان لحرب المعجنات العديد من النتائج الهامة على الرغم من أنها تعتبر حلقة صغيرة في تاريخ المكسيك – "وور هيستوري"

تشكّل الحروب جزءًا من تاريخ الإنسانية، وتسبّبت في مآسٍ وصراعات كثيرة ما زال تأثير بعضها مستمرًا حتى اليوم. 

وبينما تندلع الحروب عادة لأسباب سياسية واجتماعية كبيرة ومعقّدة، إلا أن الصراعات بدأت في بعض الأحيان لأسباب غريبة.

وبالنظر إلى التداعيات الوخيمة التي ترتبط بها، إلا أن نظرة على الماضي تبيّن أن حروبًا قد اندلعت بسبب سرقة أو خلافات بسيطة تطورت لصراعات هائلة.

ومثال على ذلك، حرب غريبة اشتعلت في القرن التاسع عشر بين فرنسا والمكسيك وأصبحت معروفة باسم "حرب المعجنات" أو "حرب الكعك"، وكانت شرارتها خلاف تجاري ادعى فيه صاحب محل حلويات فرنسي في المكسيك أن الجنود المكسيكيين هاجموا متجره. 

وبالرغم من طابعها الكوميدي، إلا أن الحرب التي استمرت من نوفمبر/ تشرين الثاني 1838 إلى مارس/ آذار 1839، شهدت معارك عنيفة وانتهت بانسحاب الفرنسيين بعد موافقة المكسيك على تعويض فرنسا.

خلفية الحرب

عانت المكسيك من عدم الاستقرار السياسي بعد حصولها على الاستقلال عن إسبانيا في العام 1821، بسبب تعاقب الحكومات واختلاف سياساتها، وتبدل الرئاسة حوالي 20 مرة في السنوات العشرين الأولى من الاستقلال.

وكانت أواخر عام 1828 الأكثر تعثّرًا، حيث قاتلت القوات الموالية لمرشحي الرئاسة المتنافسين مانويل غوميز بيدرازا وفيسنتي غيريرو سالدانا في الشوارع بعد انتخابات شديدة التنافس.

وخلال هذه الفترة، زُعم أن محل حلويات تابعًا لمواطن فرنسي يُعرف باسم السيد ريمونتيل تعرض للنهب على أيدي قوات الجيش المخمورة، وفق موقع "ثوت كو".

ذريعة لحرب المعجنات

وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر، طالب العديد من المواطنين الفرنسيين بتعويضات من الحكومة المكسيكية عن الأضرار التي لحقت بأعمالهم واستثماراتهم نتيجة هذه التوترات.

وكان أحد هؤلاء المطالبين السيد ريمونتل، الذي طلب من الحكومة المكسيكية مبلغًا قدره 60 ألف بيزو، بزعم أن بعض ضباط الجيش المكسيكي قد أتلفوا مطعمه قرب نيو مكسيكو.

 إلا أن هذا المبلغ كان مبالغًا فيه، إذ يُعادل 165 سنة من أجور العامل المتوسط في ذلك الوقت، فيما كانت القيمة الفعلية المقدرة للمتجر نحو ألف بيزو بحسب موقع "هيستوري أوف يسترداي".

وإلى جانب الصراع الداخلي، كانت المكسيك تعيش صراعًا خارجيًا أيضًا بحيث كافحت للحصول على اعتراف دولي باستقلالها، كما كانت تدين بقدر كبير من الأموال للدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا.

لكن طلب ريمونتل لم يلق آذانًا صاغية لا في المكسيك ولا في فرنسا، إلا بعد عقدٍ من الزمن، عندما لفتت القضية انتباه الملك لويس فيليب.

صورة تعبيرية عن السيد ريمونتيل – تويتر

فبعدما رأت باريس أن الوضع الفوضوي في المكسيك يشير إلى أن هذه الديون لن يتم سدادها أبدًا، طالب الملك الغاضب حينها المكسيك بدفع 600 ألف بيزو، وهو رقم أكبر بكثير حتى من الرقم الذي وضعه ريمونتل.

وعندما امتنع المكسيكيون عن ذلك، أرسلت فرنسا التي تذرّعت بقضية متجر ريمونتل وادعاءات مواطنيها، أسطولًا حربيًا إلى المكسيك في أوائل عام 1838 وحاصرت ميناء فيراكروز الرئيسي.

بدء القصف الفرنسي

وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والمكسيك بشأن رفع الحصار. 

وبدأت فرنسا، التي كانت تطالب بـ600 ألف بيزو كتعويض عن خسائر مواطنيها، بقصف حصن سان خوان دي أولوا، الذي كان يحرس مدخل ميناء فيراكروز. 

وهاجمت القوات الفرنسية المدينة واستولت عليها. ورغم أن الفرنسيين كانوا يفوقون المكسيكيين في التسلح، إلا أن أبناء البلد قاتلوا ببسالة ولم يستسلموا بحسب ما نقل موقع "ثوت كو".

وبحلول ديسمبر/ كانون الأول، قُتل ما يصل إلى 250 جنديًا مكسيكيًا وفقًا لموسوعة "بريتانيكا".

صورة تجسد الحرب بين فرنسا والمكسيك – "ميليتري هيستوري"

قرار الاستسلام

ومع الاستيلاء على مينائها الرئيسي ما قطع علاقاتها التجارية مع العالم، لم يكن أمام المكسيك خيار آخر سوى التراجع.

ومن خلال القنوات الدبلوماسية البريطانية، وافقت المكسيك على دفع كامل المبلغ الذي طالبت به فرنسا، وهو 600 ألف بيزو. 

وفي النتيجة، انسحب الفرنسيون من فيراكروز، وعاد أسطولهم إلى فرنسا في مارس/ آذار 1839.

ما بعد "حرب المعجنات"

وعلى الرغم من أن "حرب المعجنات"، تعتبر حلقة صغيرة في تاريخ المكسيك، كان لها العديد من النتائج الهامة. 

فمن الناحية السياسية، صعد الزعيم العسكري أنطونيو لوبيز دي سانتا آنا إلى صدارة الزعامة الوطنية. فبسبب مشاركته في الحرب اعتبر بطلًا قوميًا، على الرغم من حقيقة أنه ورجاله خسروا الحرب من الناحية العملية.

الزعيم العسكري أنطونيو لوبيز دي سانتا آنا – "وور هيستوري"

أما من الناحية الاقتصادية، فقد كانت الحرب كارثية بشكل كبير على المكسيكيين، الذين لم يضطروا فقط إلى دفع 600 ألف بيزو لفرنسا، ولكن أيضًا إعادة إعمار فيراكروز.

كما خسروا ما قيمته عدة أشهر من عائدات الجمارك من أهم ميناء لهم، فتعرّض الاقتصاد المكسيكي، الذي كان أصلًا في حالة يرثى لها قبل الحرب لضربة شديدة. 

وأضعفت "حرب المعجنات" المكسيك اقتصاديًا وعسكريًا، قبل أقل من عشر سنوات من اندلاع الحرب المكسيكية الأميركية الأكثر أهمية من الناحية التاريخية.

المصادر:
ترجمات
شارك القصة