جدّد جيش الاحتلال الإسرائيلي طلبه من سكان مدينة غزة الانتقال إلى جنوبي القطاع، باعتباره منطقة قتال خطرة، وفق قوله، قبيل ساعات من إعلان انسحابه من حي الشجاعية شرقي المدينة.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، إنّ ما وصفها بـ"الممرات الآمنة" التي حددت سابقًا تمكّن السكان من الانتقال بسرعة وبدون تفتيش من مدينة غزة إلى المآوي في دير البلح والزوايدة وسط القطاع.
وكان جيش الاحتلال في خضم هجومه الجديد على مدينة غزة في 27 من يونيو/ حزيران الماضي، قد دعا سكان حي الشجاعية إلى مغادرة المنطقة، قبل أن تمتد دعواته إلى أحياء عدة في وسط المدينة مطلع الأسبوع.
الاحتلال يمارس ضغطًا عسكريًا
وتزامنت دعوات التهجير الإسرائيلية مع قصف مكثف ومجازر مروعة نفذها جيش الاحتلال في مناطق متفرقة عدة من القطاع، أعادته إلى أيام العدوان الأولى وفق مواطنين.
ولا يبدو هذا الضغط العسكري المكثف خارجًا على السياق الطبيعي لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القائمة على رفع وتيرة التصعيد تزامنًا مع مفاوضات التهدئة.
ويهدف من وراء ذلك دون شك إلى عرقلة سير المحادثات وإحباط التوصل إلى صفقة أو على أفضل الأحوال، محاولات انتزاع تنازلات من المقاومة وتحسين شروط المفاوضات.
نتائج عكسية لحملات التهجير
لكن اللافت هو أن دعوات التهجير الإسرائيلية هذه، لم تحقق أهدافها، مع إصرار كثير من مواطني المناطق المستهدفة على البقاء والصمود، رغم اضطرار بعضهم إلى المغادرة.
أمّا اللافت أكثر فهو أن حملات التهجير جاءت في بعض الأحيان بنتائج عكسية حيث رصدت حركات عودة نازحين من المناطق الغربية باتجاه مدينة غزة التي يعمل الاحتلال على إخلائها.
إلى ذلك، حذّرت منظمات دولية، على رأسها الأمم المتحدة، من عمليات التهجير ووصفتها بالمروعة.
كما حذرت حركة حماس من انعكاسها والتصعيد العسكري على سير المفاوضات الحالية في سياق مناورات نتنياهو وآلاعيبه المستمرة.
أبعاد حملات التهجير
وفي هذا الإطار، يقرأ الباحث في الشأن الإسرائيلي جاكي خوري حملات تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة بعدة أبعاد، منها البعد الميداني. فبالنسبة للجيش الإسرائيلي، فإن منطقة غزة كلها هي منطقة عمليات، مما يشير إلى أن حركة حماس وخلاياها تعود لتنشط في أحياء المدينة المختلفة."
"وفي حديثه إلى 'التلفزيون العربي' من الجليل، يلفت خوري إلى أن مصادر إسرائيلية حاولت أن توضح أن المقصود ليس إخلاء مدينة غزة، بل أن الإخلاء هو أحد السيناريوهات المطروحة."
"لكن خوري يؤكد أن مطالبة الاحتلال للسكان بالإخلاء كانت واضحة وتزامنت مع وصول الوفد الإسرائيلي إلى العاصمة القطرية الدوحة في إطار المفاوضات الجارية بشأن صفقة التبادل.
كما يلفت الباحث في الشأن الإسرائيلي إلى بعد آخر لحملات تهجير الفلسطينيين، يتعلق بالمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة، حيث يرى أن مطالبة الاحتلال للسكان بمغادرة غزة والتوجه جنوبًا هي محاولة لاستخدام عودة النازحين إلى الشمال كورقة ضغط على طاولة المفاوضات.
وبحسب خوري، "لا يمكن تجاهل المخطط الإسرائيلي الواضح، وإن كان نظريًا، لتفريغ شمال القطاع للتمهيد إلى مرحلة بناء المستوطنات".
التهجير ورقة ضغط على حماس
من جهته، يضع الباحث السياسي إياد القرا ما يحدث في قطاع غزة في سياق رغبة الاحتلال في أن يكرر ما حدث في بداية الحرب، أي العودة إلى سياسة التهجير من مدينة غزة وشمال القطاع.
كما يرى القرا في حديث إلى "التلفزيون العربي" من دير البلح، أن الاحتلال "يريد أن يستخدم التهجير كورقة ضغط" على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بعد أن فقد الكثير من الأوراق، لا سيما ورقة مدينة رفح، في هذه المرحلة الحساسة من المفاوضات التي تجري في الدوحة.
لكن القرا يرى أن سياسة التهجير فشلت، ما دفع الاحتلال للإشارة إلى أن الحديث ليس عن إفراغ مدينة غزة بل أحياء محددة رغم أن بيان الجيش الإسرائيلي في هذا الإطار كان واضحًا منذ البداية.
ويلفت القرى إلى وجود أكثر من 750 ألف فلسطيني في المناطق الشمالية رغم كل المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال.
استمرار العملية العسكرية في غزة
من جهته، يشرح الباحث في المركز العربي معين الطاهر المغزى العسكري من حملة تهجير الفلسطينيين من شمال القطاع، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال يريد أن يقول إن العملية العسكرية في غزة مستمرة بهدف الضغط على حماس لدفعها لإبداء مرونة أكبر وللموافقة على الشروط الإسرائيلية المطروحة على طاولة المفاوضات."
ويؤكد الطاهر في حديثه إلى "التلفزيون العربي" من عمّان أن عمليات التهجير كانت مستمرة في كل أنحاء القطاع منذ بدء الحرب، حيث نزح بعض الفلسطينيين أكثر من عشر مرات منذ بدء العدوان.
لكن الطاهر يلحظ أن عمليات التهجير في شمال القطاع أخذت منحى مختلف، فهو "تهجير في اتجاه واحد"، حيث يصعب على من يغادر شمال غزة العودة مجددًا إليه. ويعتبر أن ما يحدث في الشمال هو عملية "تفريغ من السكان".
ويلفت إلى أن إحدى نقاط الخلاف بين حماس والاحتلال في المسودة الأولى للورقة الأميركية كانت بشأن محور صلاح الدين وعدد النازحين من شمال القطاع الذين سيسمح لهم بالعودة إليه.