يستخدم ملايين الأشخاص حول العالم مضادات الاكتئاب بانتظام، إذ ارتفع نسبة المعتمدين عليها بشكل كبير منذ تسعينيات القرن الماضي ليستخدمها شخص واحد من بين كل ستة بالغين و2% من المراهقين في إنكلترا.
ومؤخرًا، شكّك العلماء في الاستخدام الواسع النطاق لمضادات الاكتئاب بعد أن وجدت مراجعة بحثية عدم وجود دليل واضح على أن مستويات السيروتونين المنخفضة هي المسؤولة عن الاكتئاب.
فعلى مدى ثلاثة عقود تم إغراق الناس بالمعلومات التي تشير إلى أن الاكتئاب ناجم عن اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ، أي اختلال توازن مادة كيميائية تسمى السيروتونين وهي تساعد في حمل الإشارات في الدماغ ويعتقد أن لها تأثير إيجابي على الحالة المزاجية والعاطفة والنوم.
السيروتونين ليس المسؤول عن الاكتئاب
ومع ذلك، تظهر أحدث مراجعة بحثية أن الأدلة لا تدعم هذه الفرضية بحسب باحثي كلية لندن الجامعية. ويصف أحد الأكاديميين المشاركين في الدراسة النتائج بأنها "مدهشة" وأن كل شيء اعتقد أنه يعرفه انقلب رأسًا على عقب.
الدراسة التي نُشرت في مجلة الطب النفسي الجزيئي حلّلت 17 مراجعة سابقة تعود إلى عام 2010 وتتألف من عشرات التجارب الفردية. ووجد الباحثون أن مراجعة الأدلة لم تجد أي صلة بين انخفاض مستويات السيروتونين والاكتئاب مما يلقي بظلال من الشك على مضادات الاكتئاب المصممة لتعزيز مستويات المادة الكيميائية التي تُشعر بالرضى.
لكن خبراء آخرين شككوا في النتائج، فالكلية الملكية للأطباء النفسيين طلبت من المصابين بالاكتئاب الاستمرار في تناول أدويتهم موصية بعدم التوقف عن تناول مضادات الاكتئاب بناء على هذه المراجعة ومشجعة أي شخص لديه مخاوف بشأن أدويته الاتصال بطبيبه العام.
أنواع الاضطرابات النفسية
وقد لفتت المعالجة والمحللة النفسية د. ثروت دليقان أن هذه الدراسة ليست الأولى التي تتوصل إلى هذه النتيجة لكن شركات الأدوية تسعى إلى طمس ذلك بهدف الربح.
وقد أشارت دليقان في حديث إلى "العربي" من بيروت، إلى وجود نوعان من الاضطرابات النفسية، الأول هو العصاب والذي يتضمن الاكتئاب والقلق والوسواس القهري والرهاب أو الفوبيا، أمّا النوع الثاني من الاضطراب هو الذهان الذي يتطلب تناول الأدوية ويتضمن السكيزوفرينيا والبارانويا.
وقالت دليقان: "إن الأمراض العصابية لا تتطلب تناول الأدوية ولا سيما مضادات الاكتئاب لأنه وكما أشارت الدراسة، فنقص السيروتونين ليس السبب وراء الاكتئاب بل له أسباب كثيرة مثل سوء معاملة الطفل أو المراهق بطفولته وأنماط التفكير ونوعية الأهل المتسلطة أو المتساهلة، إضافة إلى الأمراض المزمنة وفقدان أقرباء والصدمات والحروب والأحداث التي يشهدها العالم العربي".
وأشارت المعالجة النفسية إلى أن "كل هذه الأسباب ترفع معدلات هرمون الكورتيزول أي هرمون الستريس".
لكنها أكّدت أن التوقف المفاجئ عن تناول الأدوية التي تحتوي على مستويات عالية من السيروتونين قد تصيب المريض باكتئاب حاد.
أهمية العلاج النفسي
ولفتت إلى أن الأدوية تعمل على الأعراض وليس على الأسباب النفسية للاكتئاب، كما يفعل المعالجون النفسيون.
وشددت على أهمية اللجوء إلى العيادات النفسية لتلقي العلاج المناسب، مشيرة إلى دور ممارسة الرياضة بانتظام والمتممات الغذائية مثل الماغنيزيون والفيتامين "د" في الوقاية من الاكتئاب.