تنتشر رائحة الموت في ساحة المستشفى المعمداني في مدينة غزة، بعد ساعات من المجزرة التي ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية، وأسفرت عن استشهاد 500 معظمهم من النساء والأطفال.
يجول رجل في الساحة حاملًا كيسًا أبيض وقد ارتدى قفازين باللون نفسه لكن تظهر عليهما آثار الدماء، جامعًا ما تبقى من أشلاء.
يتحدث لمراسل "العربي" باسل خلف، عن أعضاء بشرية وعن رضيع بنصف رأس عثر عليه المتطوّعون على القرميد المقابل.
ويقول إن المكان احتشد فيه أطفال ونساء وشيوخ بمن فيهم أشخاص من ذوي الهمم كانوا يتنقلون على كرسي متحرك، عُثر عليهم أيضًا شهداء على كراسيهم.
ويلفت إلى أن العائلات كانت قد ركنت سياراتها في المكان وملأتها بمؤونها وحاجياتها بانتظار الليل لإخراج الفرش منها والمبيت عليها.
ويضيف أن في المكان وجبات عشاء تم تحضيرها ولم يتم تناولها، وألعاب أطفال وأسرّة سال عليها الدم.
طبيب يقدم شهادته عن مجزرة المستشفى المعمداني
ومن ساحة المستشفى المعمداني التي رصدت كاميرا "العربي" حجم الدمار الكبير فيها، وآثار الحريق الذي طال أيضًا المركبات، روى الطبيب فضل نعيم - اختصاصي العظام - شهادته عن المجزرة التي وقعت أمس الثلاثاء.
يقول نعيم: كنا في قسم العمليات منذ الصباح نعالج الجرحى، وفجأة سمعنا صوت انفجار ضخم ظننا بداية أنه نجم عن إحدى القذائف التي تلقى ليلًا نهارًا على مدينة غزة.
ويردف: بعدما واصلنا عملنا، فوجئنا باندفاع الناس إلى قسم العمليات مناشدين الغوث لوجود شهداء وجرحى.
حتى تلك اللحظة لم يكن الفريق الطبي يتوقع أن يحدث ما حدث داخل مستشفى، ويلفت نعيم إلى أن الطاقم الذي خرج إلى الساحة فوجئ بالمشهد البشع والصعب جدًا، إذ كانت ممتلئة بجثث الشهداء وأشلائهم وبالمصابين.
ويمضي قائلًا: "بحثنا عمّن يمكن إنقاذه، ونقلنا جزءًا من المصابين إلى داخل قسم الطوارئ ورحنا نعمل على إسعافهم. وبالتوازي، تواصلنا مع إدارة الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة والدفاع المدني، واستمرينا في إنقاذ المصابين حتى تم نقلهم إلى مستشفى الشفاء".
جثامين وأشلاء في كل مكان
ويلفت إلى أن الصادم كان بعد الانتهاء من التعامل مع المصابين والخروج إلى الساحة، حيث كانت ما تزال ممتلئة بالجثامين والأشلاء.
وبينما يوضح أن الشهداء والجرحى كانوا من النازحين، يؤكد أنهم كانوا مستهدفين بغرض إرهاب الناس والقول لهم إن لا مكان آمن لهم في غزة.
ونعيم الذي يتحدث عن سقوط قذيفتين على مبنى العيادات والطوارئ في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يقول إن الجيش الإسرائيلي أبلغ المدير الطبي للمستشفى في اليوم التالي بأن القذيفتين كانتا مقصودتين لإنذار المستشفى بالإخلاء وبأنه مهدد.
ويشير إلى تلقي تطمينات في ذلك الحين من الجهات ذات العلاقة، لافتًا إلى أن الكادر كان سيستمر في عمله بالأساس التزامًا بواجبه ودوره في إنقاذ الإنسان، وكونه لا يشكل خطرًا على أحد. وقال: لم يخطر لي أبدًا بأنه سيتم استهداف المستشفى.