أخيرًا، تشكّلت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي بعد 13 شهرًا على تقديم حكومة حسّان دياب استقالتها واعتذار سعد الحريري عن مهمّة التأليف.
انفرجت أزمة الشهور المنصرمة، ووُضِعت الحكومة التي كانت في اليد الآن على الطاولة، لتبرز التحديات التي ستواجهها، والمهام الصعبة الملقاة على عاتقها.
وإذا كان ميقاتي يؤكد أنّه عازم على انتشال لبنان من الانهيار، فإنّ هذا الكلام لا يلغي تساؤلات طرحها بعض اللبنانيين بشأن قدرة هذه الحكومة فعلًا على ترجمة خطة إنقاذ سريعة أو مدى قدرتها على العمل بمعزل عن الجهات السياسية التي سمّتها.
وبين هذا وذاك، تُطرَح تساؤلات بالجملة حول فرص نجاح الحكومة الجديدة والسياق الإقليمي والدولي الذي سمح بتشكيلها، ومن يضمن عدم ظهور ثلث معطل فيها يقول البعض إنه موجود بشكل مبطن أصلًا.
فراغ غير مرغوب ولكن محتمل
في كلمته إلى اللبنانيين، لم يكن ميقاتي معنيًا بالحديث إلى أي من الفرقاء بل لليائسين، ولذلك اختار سرد حكايات القهر التي ما عاد أحد في لبنان قادرًا على مغالبتها.
بحماس وقلق عبر ميقاتي محطة قصر بعبدا ليتوقف بحذر في البرلمان، حيث يرتقب أن تُمنَح الحكومة الثقة، حتى من المتحفّظين.
لكن ليس ذاك اختبار الحكومة الأهمّ، فالقدرة في شهور قليلة على إجراء انتخابات نيابية هي امتحانها الأصعب.
هكذا قد لا تبدو الحكومة الجديدة حكومة منع الانهيار فقط بل ملء فراغ غير مرغوب لكنه محتمل، علمًا أنّ ميقاتي أعطى إشارة التأكيد على أنّ الانتخابات ستُنجَز في موعدها دون أن يضمن تأليف الحكومة ولا شغور الرئاسة بعدها.
هل يمنح التيار الوطني الحر الثقة للحكومة؟
ينفي عضو المكتب السياسي في التيار الوطني الحر وليد الأشقر أنّ يكون التيار قد شارك في تسمية أيّ وزير من الحكومة، مشيرًا إلى أنّه ترك هذا الدور لرئيسي الجمهورية والحكومة وفقًا للدستور.
ولذلك، يرفض الأشقر، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، الجزم حول ما إذا كان التيار الوطني الحر سيمنح ثقته للحكومة العتيدة، أم سيحجبها عنها، مفضّلًا انتظار البيان الوزاري لتحديد الموقف النهائي.
ويقول: "إذا تضمّن هذا البيان النقاط الإصلاحية التي سبق للتيار الوطني الحر أن طالب بها، بالتأكيد التيار ليس لديه عقدة أن يعطي الحكومة الثقة، أما في حال لم يفعل، فسيعتبر التيار أنّ هذه الحكومة ستكون فاشلة بالأداء".
وردًا على الاتهامات بأنّ رئيس الجمهورية والتيار حصدا الثلث المعطل في هذه الحكومة، يلفت الأشقر إلى ما قاله الرئيس نجيب ميقاتي بعد صدور التشكيلة الحكومية حيث أكد أنّه يملك ثلثين في هذه الحكومة يستطيع من خلالهما إصدار مشاريع القوانين التي تستطيع من خلالها الحكومة.
ويقول: "هذان الثلثان هما من الفريق الذي يسميه رئيسا الجمهورية والحكومة، وبالتالي فإنّ التيار الوطني الحر بالتأكيد ليس من ضمن الفريق المعطّل".
تسوية وصفقة فرنسية إيرانية
من جهته، يرى الكاتب السياسي سيمون أبو فاضل أنّ ما حصل في ملفّ تأليف الحكومة هو نتيجة تسوية، جاءت بعد تجاذبات وتفاهمات خارجية، معتبرًا أنّ هذا الأمر ليس بغريب عن لبنان.
ويوضح أبو فاضل، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّ ما حصل نتيجة تسوية فرنسية إيرانية كان يعمل عليها الرئيس الفرنسي منذ فترة وهي خلاصة العقد الذي وقعه الرئيس إيمانويل ماكرون في العراق وما سيحصل عليه في المستقبل في إيران.
ويشير إلى أنّ الرئيس نجيب ميقاتي مرجعيته هي الدولة الفرنسية، في حين أنّ الرئيس ميشال عون ضمن محور الممانعة، وبالتالي فمرجعيته النهائية هي إيران.
ويخلص إلى أنّ الضغط الذي أتى من الخارج أدى إلى تشكيل حكومة، "وإلا ما كنّا رأينا ميقاتي يترأس الحكومة وهو الذي كانت فُتِحت ضده ملفات قضائية من قبل قضاة محسوبين على الرئيس ميشال عون".
ويشدّد على أنّها التسوية التي أدت على هذا الواقع نتيجة ضغوطات، لا سيما أنّ الرئيس الفرنسي يريد أن يحقق إنجازًا، وهو يعتبر أنّ دخوله إلى الساحة اللبنانية سيفتح أمامه أبواب منطقة الشرق الأوسط على مصراعيها.
من هو رئيس الحكومة الفعلي في لبنان؟
أما الخبير المالي ورئيس تجمع "استعادة الدولة" حسن خليل، فلا ينكر تأثير لعبة الأمم في الساحة اللبنانية، ولكنّه يدعو إلى الالتفات كذلك إلى البعد الداخلي.
ويعتبر خليل، في حديث إلى "العربي"، من لندن، أنّ الشعب في لبنان اثبت أنّه لا يتحرّك، خصوصًا بعد انفجار مرفأ بيروت وكلّ الكوارث التي حصلت، والتي تؤدي إلى ثورات في أي دولة أخرى، وأهمّها خسارة المودعين لودائعهم.
ويلفت في السياق نفسه إلى ما يصفه بشبح ما يسمى التدقيق الجنائي واستعمال أطراف لبنانية موضوع هذا التدقيق للضغط على بعضها.
ويخلص إلى أنّه ثبت مجدّدًا أنّ رئيس الحكومة الفعلي في لبنان هو حاكم المصرف المركزي ورئيس الجمهورية الفعلي هو المنظومة السياسية التي تواجه رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، وهو ما يسري على العقلية التي تألفت على أساسها الحكومة.