بعد جولة سابعة تأتي قبل ثامنة لم يُحدَّد موعدها بعد من المفاوضات النووية مع إيران، حطّ مستشار الأمن القومي الأميركي رحاله في إسرائيل.
تهدف الزيارة للتباحث في عدد من القضايا، أكثرها إلحاحًا الملف النووي الإيراني، وذلك بعد أيام من انتهاء الجولة السابعة من المفاوضات وسط تفاؤل حذر بتقدم على المستوى التقني.
ولا يبدو الخلاف في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإسرائيل خافيًا في ما يتعلق بالملف النووي، فالأخيرة ترفضه، بينما تراه واشنطن خيارًا إستراتيجيًا.
إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فما هي خيارات الجانبين في هذا الصدد؟ وهل في جعبة مستشار الأمن القومي الأميركي ما يكفي لإقناع إسرائيل بمسار مفاوضات فيينا النووية، أم أنّ الأخيرة سيكون لها تأثير على واشنطن كي تترك الدبلوماسية كخيار إستراتيجي؟
وأبعد من هذا وذاك، إلى أي مدى تمتلك إسرائيل قدرات كافية لتنفيذ تهديداتها المستمرة بضربة عسكرية ضد المنشآت النووية في إيران؟
"اختلاف تام" بين واشنطن وتل أبيب؟
هكذا، يبدو واضحًا أنّ مسار مفاوضات فيينا المتواصل ببطء يشكّل قضية خلافية بين الطرفين، فالولايات المتحدة ترى نجاح المفاوضات خيارًا دبلوماسيًا أفضل، بينما تراه إسرائيل خطرًا محدقًا لأنّ الاتفاق النووي أساسًا لا يفي بتطلعاتها.
غير أنّ الخلاف بشأن الاتفاق لا يعني اختلافًا تامًا بين الطرفين، فواشنطن وتل أبيب متفقتان على منع البرنامج النووي الإيراني من الوصول إلى مستويات عسكرية متقدمة. وفي هذا السياق، قال مسؤول في إدارة الرئيس جو بايدن للصحافيين إنّ الأميركيين والإسرائيليين سيتحدّثون عن توقعاتهم للأسابيع المقبلة بشأن المفاوضات مع إيران.
ويأتي الحراك فيما يتزايد قلق أميركي وغربي من أن طهران لا تحتاج إلى كثير من الوقت لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب والكافي لإنتاج سلاح نووي، لتكون النتيجة أننا أمام معركة نقاط تسجل.
غير أن خيارات أخرى عدا تسجيل النقاط حاضرة بقوة، فإسرائيل تتحدث عن خيارها العسكري وواشنطن تدرس احتمالات فشل الدبلوماسية وطهران تعوّل على الوقت وحليفتيها روسيا والصين.
إسرائيل "تعوّل" على سوليفان
يوضح محرر الشؤون الإسرائيلية في صحيفة العربي الجديد نضال وتد أنّ إسرائيل تعتقد أن جيك سوليفان هو أقرب إلى الموقف الإسرائيلي من روبرت مالي، وهي ترى أنه يصغي عمليًا لإسرائيل ومواقفها.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من أم الفحم، إلى أنّ إسرائيل تعتبر أن سوليفان أصبح الآن الرجل الأكثر تأثيرًا في إدارة بايدن وهي تريد أن تمنح نفسها فرصة أخيرة في التأثير على موقف الإدارة الأميركية بالرغم من أنّ عددًا من قادتها يصرّحون بأن الإدارة الأميركية تحمل الدبلوماسية كعقيدة تشبه العقيدة الدينية ولن تتخلى عنها.
ويلفت إلى أنّ تل أبيب تأمل أن تصل إلى تأثير معين في الموقف الأميركي من خلال سوليفان، ملاحظًا أنّها بدأت تتحدث عن اتفاقية من العام 2018 مع الإدارة الأميركية بشأن خطة للدفاع المشترك تتعهد بموجبها الولايات المتحدة بتوفير دفاع لإسرائيل في حالة مهاجمة العمق الإسرائيلي وتعرض الجبهة الداخلية في إسرائيل لهجمات إيرانية أو لهجمات من ميليشيات تابعة لإيران مثل حزب الله في لبنان.
ويخلص إلى أنّ التعويل على سوليفان هو في أن يصغي لإسرائيل وأن يمنحها بعضًا من الاهتمام أكثر ممّا كان يبدو أنّها ستحصل عليه من روبرت مالي.
"الخيار الأول لواشنطن"
في المقابل، يعتبر الكاتب الصحافي محمد المنشاوي أنّ الدبلوماسية تبقى الخيار الأول لواشنطن في التعامل مع الملف الإيراني بحسب ما يؤكد الرئيس جو بايدن الذي تعهّد بالتوصل لتمديد الاتفاق النووي مع إيران عدّة مرات.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إلى أنّ إسرائيل دائمًا كانت تهدد بعمليات عسكرية ضد إيران لإفشال مشروعها النووي، مشدّدًا على أنّ هذا الأمر ليس بتهديد جديد بل مستمر منذ عشر سنوات.
ويذكّر بأنّ إسرائيل هدّدت باللجوء إلى هذا الخيار في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما لكنها في النهاية انصاعت للاتفاق النووي بعد أن وقّعت عليه الإدارة الأميركية، "وقد يكون هذا هو السيناريو الآن".
ويلفت إلى أنّ إسرائيل تريد أن تزيد ممّا قد تحصل عليه من واشنطن والعواصم الغربية الأخرى مقابل سكوتها عن الاتفاق النووي، مذكّرًا في هذا الإطار بأنّه "حين وقّعت واشنطن الاتفاق النووي مع إيران قبل سنوات، حصلت إسرائيل على أكبر حزمة مساعدات في التاريخ من الولايات المتحدة".
"تجاوز لأصول الدبلوماسية"
في المقابل، يرى الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي أنّ ما يجري من جولات مكوكية بين الأميركيين والإسرائيليين هو لتهدئة الوضع لأنّ الأميركي متّجه نحو التفاهم مع الجمهورية الإسلامية.
ويشدّد في حديث إلى "العربي"، من طهران، على أنّ كل الخيارات الأخرى التي تطرح الآن في الإعلام والتصريحات "غير واقعية وغير حقيقية". لكنه يلفت إلى أنّ إيران، رغم إدراكها لهذه الحقيقة، إلا أنّها تأخذها بجدية وتهيئ نفسها للظروف الأصعب إن كان في المواجهة أو في الناحية الاقتصادية.
ويوضح أنّ إيران تتجه نحو اتجاهات متعددة على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي في ظل العقوبات وزيادتها، وتحافظ في الوقت نفسه على الجهوزية العسكرية من خلال المناورات التي تقوم بها.
وفيما يتحدّث عن "تجاوز لأصول الدبلوماسية والشرعية الدولية من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني"، يلفت إلى أنّ "ما تطلبه إيران هو رجوع الولايات المتحدة عن تمردها ورفع العقوبات غير المنطقية وغير الإنسانية"، معتبرًا أنّ إيران ستلتزم بما يتوجب عليها بعد ذلك، وستزال كل الهواجس.