شاطئ سيدي المجذوب في الجزائر.. تبرّك وأمنيات بالزواج والإنجاب
تبقي مدينة مستغانم الجزائرية تاريخها بين يقين وخرافة، وتجذب السيّاح والمهتمين بسحر ماض لم يخلُ من الأساطير.
شاطئها الذي مُنح اسم ولي صالح، يُعد أحد أجمل شواطئ غرب البلاد، ويشتهر ببرك مياهه قليلة العمق، وصخوره الناتئة التي تتشظى عندها الأمواج.
ولم يقف إرث سيدي المجذوب، عند حدود سيرة رجل صالح اشتهر بتقواه، ونقل المعرفة إلى تلامذته في الكتّاب، فالسكان آمنوا بأن طقوسًا في محيط ضريحه تحقّق الرغبة بالزواج والإنجاب.
ومطلع فصل الربيع من كل عام، تقصد المكان راغبات بالزواج رفقة أمهاتهن. وبعد التبرّك بضريح الولي الصالح، تتجه الفتاة إلى صخرة تُدعى "غلتة" كانت قد تحوّلت بمرور الأعوام إلى منصة لإطلاق الأمنيات.
ما هي الكسابة؟
الكسابة، وتعني الحصول على شيء ما أو الظفر به، وفق ما يقول الباحث في تاريخ المنطقة فاضل عبد القادر: هي عادة توارثتها الأجيال إلى أن أصبحت سلوكًا درجت عليه بعض العائلات في أول أيام فصل الربيع.
ويوضح عبد القادر أن النسوة يتجمعن في ذلك اليوم حول الضريح؛ بينهن راغبات بالزواج أو الإنجاب. وفيما يتحدث عن تبرك من "تجاوزها سن الزواج" بـ"ولي الله"، يلفت إلى أنها تنزل إلى الصخور بعد قطف باقة من الأزهار الصفراء، حاملة كمية من السكر والحنة وأحيانًا التمر والحليب.
ويردف بأنها كانت تعود ببعض تلك الكمية لتلفها بالقماش وتدسها في جهازها، أو صندوق الذهب الذي تأمل أن تستعمله في بيت الزوجية.
اختفاء "الجوهر"
اختيار تلك الرقعة من الشاطئ دون غيرها لممارسة الكسابة تفسّره الأساطير؛ وبينها روايات متعددة، يقصّ إحداها بن عبد الواد بلقاسم المقيم في الجوار.
يقول الرجل إن عائلة جاءت إلى الشاطئ مطلع الربيع من أحد أعوام القرن الثامن عشر للتنزه. وبعدما اختارت إحدى البرك، نزلت إليها فتاة في مقتبل العمر ولا تجيد السباحة تُدعى الجوهر.
وبحسب ما رواه، اختفت الجوهر بصورة مفاجئة في البركة بعد أن لوّحت لعائلتها لنجدتها، رغم أن غرقها في المكان كان يُعد مستحيلًا.
ويردف بن عبد الواد أنه بمرور الوقت وبناء على المشاهدات تأكد السكان أن جنًا يسكن هذا المكان.
أما أهل الجوهر فكانوا يحضرون إلى البركة لرؤية ابنتهم في الموعد نفسه من كل عام، حيث تظهر لهم دومًا مستلقية على بطنها وشعرها منساب على جسدها، وفق ما يقول.
"دعوة واستجابة"
روايتان أخريان تقدمهما رايس زوبيدة، المقيمة بدورها بجوار الشاطئ، فتلفت إلى ما قيل قديمًا عن أن عروسًا عرّج أهلها إلى المكان في أثناء موكب زفافها فسقطت في البركة، وبقيت مفقودة منذ ذلك الحين.
وتوجز الرواية الثانية بأن شابة لم يتقدم أحد لخطبتها توجهت إلى هذه الرقعة ودعت الله أن يرزقها بزوج، وعند رجوعها إلى المنزل وجدت من تقدم لخطبتها، فتزوجت.
وتزيد القول إن جارتها حضرت إلى المكان وتصدقت، بعدما تجاوزت ابنتها سن الأربعين من دون زواج. والنتيجة، بحسب ما تقول، أن ابنة جارتها تزوجت ورُزقت بالأطفال.
"تعرّضت للظلم"
على غرار رايس يقطن مداح محمد في المنطقة. وما سمعه بشأن شاطئ سيدي المجذوب تضمن رواية أخرى.
فينقل الرجل ما قيل عن أن امرأة تعرّضت للظلم كانت تلجأ إلى ضريح الولي الصالح، وتنام أمامه. وبينما اعتادت النزول إلى البركة في كل صباح للجلوس والاغتسال، طردها أحد مريدي سيدي المجذوب ومنعها من المبيت في المكان.
فما كان منها إلا أن نزلت إلى البركة، وبنت من حولها حاجزًا من الحجارة للاختلاء، فتحول ذاك المكان إلى مزار، تُحمل إليه الشموع وتعلّق عند صخوره قطع القماش.
ويضيف مداح أن الزوار باتوا بمرور الوقت يجلبون معهم المأكولات لتوزيعها، تبركًا بهذه المرأة.
وفيما يزيد على تلك الطقوس، عادات سكب الماء سبع مرات على العروس، ووضوئها في البركة قبل الصلاة أملًا بأن يطول بقائها في منزل الزوجية، يتوقف عند القراءات المختلفة لتلك الروايات والممارسات.
ويقول إن هناك من يرى في ذلك خرافات، وآخرون يعتبرونها حقيقة، كل تبعًا لمنظوره. أما عن رأيه الخاص، فيؤكد أن ما يُقال لا يعدو كونه خرافة، تسهم في تنشيط السياحة.