ينتظر 11 وزيرًا في تونس مباشرة مهامهم منذ 25 يومًا، بينما يحتدم الخلاف السياسي بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد من جهة والبرلمان ورئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة أخرى، وسط أزمة صحية حادة.
من بين المغادرين وزراء الداخلية والصحة والعدل، فيما تواجه البلاد موجة شديدة من وباء كوفيد-19 واضطرابات اجتماعية منذ يناير/ كانون الثاني تزامنًا مع الذكرى العاشرة لثورة 2011 التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وتنتهج البلاد منذ ثورة 2011 نظامًا سياسيًا هجينًا بين البرلماني والرئاسي، ما ساهم في تعميق الخلافات بين رأسي السلطة في ما يتعلق بالصلاحيات الدستورية.
وأعلن رئيس الحكومة الذي كلفه سعيّد بتشكيل حكومة غير متحزبة في 16 يناير/ كانون الثاني تعديلًا شمل 11 وزيرًا بطلب من أحزاب الحزام السياسي، وهي الأحزاب الداعمة لحكومته.
حلول سياسية
وفي مؤشر على تعقد الأزمة، التقى المشيشي اليوم الأربعاء مجموعة من خبراء وأساتذة القانون الدستوري، الذين أكدوا وفقًا لنص بيان رئاسة الحكومة على أن "المسألة سياسية، وبالتالي تحتاج لحلول سياسية".
في المقابل، اجتمع سعيّد مع ممثلين عن البرلمان وعبّر عن تمسكه بموقفه الرافض للتعديل الوزاري. وقال في مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية "هذا التحوير فيه العديد من الخروقات".
وسعى المشيشي عبر التعديل للخروج من عزلته السياسية ودعم غالبيته في البرلمان، المؤلفة أساسًا من حزب "النهضة" ذي المرجعية الإسلامية وحليفه "قلب تونس" الليبيرالي، وكلاهما يخوض صراعًا سياسيًا حادًا مع سعيّد.
نال وزراء المشيشي في 27 يناير/ كانون الثاني ثقة البرلمان بالرغم من تحفظ سعيّد، الذي ينتقد المسار "غير الدستوري" في التعديل ويتحدث كذلك عن شبهات بالفساد وتضارب المصالح تحوم حول بعض الوزراء بالإضافة إلى غياب تمثيل المرأة.
ومنذ مصادقة البرلمان على التعديل، لم يرسل سعيّد دعوة رسمية للوزراء لأداء اليمين في قصر قرطاج، ولم يصدر المرسوم الرئاسي لتعيينهم في مناصبهم.
الرئيس التونسي يرفض المصادقة على التعديل الوزاري رغم مرور أسبوعين على منح البرلمان الثقة له#العربي_اليوم@AmiraMhadheb pic.twitter.com/8JBYbZj6mD
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 8, 2021
إلى ذلك، نشرت منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية والمتخصصة في ملفات الفساد، تقريرًا استقصائيًا بيّنت فيه أن وزير الصحة المقترح الهادي خيري تحوم حوله شبهات بالفساد في ملف قضائي تورط فيه شقيقه في قضية قتل مواطن في 2019، وأنه وظف علاقاته للتأثير في مسار القضية.
أما وزير الطاقة المقترح سفيان بن تونس المقرب من حزب "قلب تونس"، فقد قام ـ وفق المنظمة ـ بعملية وساطة في التوقيع على عقد أداء خدمات استشارية، وترتيب لقاءات مع سياسيين أميركيين لدعم الحملة الانتخابية الرئاسية لرئيس الحزب نبيل القروي.
بينما هناك شبهات بتضارب في المصالح بحق الوزير المقترح للتشغيل يوسف فنيرة، عندما كان يشغل منصبًا في تلك الوزارة وقد قامت شركة خاصة تملكها شقيقته وأمه بتقديم خدمات للوزارة ولم يتم الاعلام بذلك، على ما جاء في تقرير "أنا يقظ".
الوحدة
ولم تنجح وساطة قام بها رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) لحلحلة الخلاف، في غياب بوادر انفراج.
وليست هذه المرة الأولى التي تتضارب فيها مواقف رأسي السلطة في تونس، التي أرست دستورًا يقرّ نظامًا سياسيًا برلمانيًا مزدوجًا، ما نتج عنه شلل في مؤسسات السلطة.
وسعيّد المستقل أستاذ في القانون الدستوري انتُخب بغالبية كبيرة في عام 2019، في اطار رفض شعبي للسياسيين الذين يحكمون البلاد منذ العام 2011 "يهدف الى افشال النظام السياسي"، وفق المتخصصة في العلوم السياسية نسرين جلايلية التي تساءلت: "هل يملك الوسائل لاسقاط النظام الحالي؟".
وقالت جلايلية إن "النهضة" لا ترغب في تغيير الوزراء المقترحين، لأن ذلك سيضعف من تحالفها مع حزب "قلب تونس" الذي يساعدها خلال عمليات التصويت في البرلمان لرفض عرائض سحب الثقة، التي تتقدم بها الأحزاب في كل مرة لتغيير رئيس البرلمان رئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي.
وبسبب التجاذبات السياسية، لم تتمكن الأطراف السياسية في تونس منذ ست سنوات من إرساء المحكمة الدستورية المخولة حصرًا النظر في الخلافات التي تنشب بين السلطات.
ولجأ المشيشي للخروج من الأزمة، إلى القضاء الإداري الذي أعلن أن رأيه سيكون "استشاريًا" فقط وغير ملزم.
ومن شأن هذه التجاذبات السياسية أن تمعن في إضعاف مسار الانتقال الديمقراطي الذي تنتهجه البلاد منذ الثورة.
ويأتي هذا الصدام السياسي "في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الوحدة" لمواجهة أزمة اقتصادية حادة وغير مسبوقة، حسب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري.
ويُتوقع أن يسجل قطاع السياحة الذي يمثل 14% من الناتج الداخلي الخام تراجعًا بنسبة 9%، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.
وتثير الأزمات السياسية في البلاد قلق المانحين الدوليين، الذين تعوّل عليهم تونس للخروج من أزمتها الاقتصادية، وتلك المتعلقة بتمويل الموازنات العامة منذ عام 2011.