تسود حالة من عدم اليقين حول الخطوط الحمراء لكل طرف من أطراف الحرب في أوكرانيا، حيث يتصاعد الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا بشكل "غير مسبوق"، بينما تهدّد روسيا بالانتقام المباشر.
وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن سلسلة من التحوّلات في التصريحات الروسية حول استخدام الأسلحة النووية، دفعت بعض المحلّلين إلى التحذير من خطر الانزلاق غير المقصود إلى حرب مباشرة أو حتى إلى تبادل الضربات النووية، وهي إستراتيجية يعتبرها الكرملين "قابلة للتطبيق".
ويؤكد القادة من كلا الجانبين أنهم يعتبرون مثل هذه الحرب غير واردة، حتى وهم يُجرون الاستعدادات ويصدرون تصريحات حول كيفية تنفيذها. لكن الخبراء يؤكدون أن الخوف "لا يكمن في تصعيد متعمد للحرب، ولكن سوء فهم أو استفزاز يدفع الطرف الآخر للرد، قد يخرج عن نطاق السيطرة".
أخطر من أزمة الصواريخ الكوبية
ويقول بعض الخبراء إن الحرب في أوكرانيا تزيد من هذه المخاطر إلى مستوى لم نشهده منذ أزمة الصواريخ الكوبية، ومن بعض النواحي قد تكون أكثر خطورة من ذلك.
ومع حشد قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والتي يُقصد بها أن تكون دفاعية، بالقرب من الحدود الروسية، قد يعتقد قادة الكرملين أن هناك مؤامرة غربية ضدّهم بالفعل، الأمر الذي يعرّض قوات "الناتو" للخطر.
وتعتبر روسيا الأسلحة وغيرها من المساعدات العسكرية المتزايدة التي ترسلها الحكومات الغربية إلى أوكرانيا بمثابة حرب، وألمحت إلى أنها قد تستهدف قوات "الناتو". وبالفعل، ضربت الصواريخ الروسية خلال عطلة نهاية الأسبوع، قاعدة أوكرانية على بعد كيلومترات من الأراضي البولندية الدولة العضو في "الناتو".
وقال الخبير الإستراتيجي النووي بجامعة هامبورغ في ألمانيا أولريش كوهن للصحيفة: "هذه هي الأشياء التي تجعلني قلقًا حقًا بشأن التصعيد في أوكرانيا"، مضيفًا أن "فرصة استخدام الأسلحة النووية منخفضة للغاية. لكن (هذا الاحتمال) ليست صفرًا. إنه حقيقي وقد يزداد. هذه الأشياء يمكن أن تحدث".
34 مليون قتيل خلال ساعات فقط
قدّرت محاكاة حديثة لجامعة برينستون، تعرض خطط الحرب لكل جانب ومؤشرات أخرى، أنه من المحتمل أن يؤدي أيّ تبادل للضربات النووية إلى مقتل 34 مليون شخص خلال ساعات فقط.
وقال ألكسندر فيرشبو، الذي كان نائبًا للأمين العام لحلف الناتو بين عامي 2012 و2016، إن القادة الغربيين خلصوا إلى أن الخطط الروسية لاستخدام الأسلحة النووية في أزمة كبيرة كانت صادقة، مما يزيد من خطر وقوع أي حادث أو زلة يعتقد الكرملين خطأ أنها حرب.
وأضاف فيرشبو أن "هذا الخطر نما بالتأكيد في الأسبوعين ونصف الأسبوع الماضيين"، بينما تكافح القوات الروسية في الهجوم على أوكرانيا الذي صوّره قادة موسكو على أنه وجودي.
خطوط حمراء غامضة
منذ عام 2014 على الأقل، عندما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى توتر شديد مع الغرب، صاغت موسكو سياسة احتمال استخدام الأسلحة النووية ضد أي تهديد "لوجود الدولة نفسها".
ووصف ايفغني بوزنسكي، متقاعد من هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، الهدف من مثل هذه الضربة أنه "إظهار للنية باعتباره عاملًا لتخفيف التصعيد".
ويُعتقد أن روسيا قد خزّنت ما لا يقل عن ألف رأس حربي صغير "غير إستراتيجي" قيد التحضير، بالإضافة إلى صواريخ تفوق سرعة الصوت.
وحذّر محلل السياسة العسكرية الروسية ديمتري غورنبرغ من أن "ديناميات التصعيد في الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن تتحول بسهولة إلى تبادل للضربات النووية".
وقالت الصحيفة إنه "على الرغم من أن العتبة النووية الروسية منخفضة مع شعورها المتزايد بالضعف، إلا أن موسكو تعتقد أن نوعًا من الصراع بين الناتو وروسيا قد بدأ بالفعل".
استباق الهجوم
وتقوم العقيدة الإستراتيجية الروسية جزئيًا على الخوف من قيام الغرب بإثارة الاضطرابات الاقتصادية والسياسية داخل روسيا تمهيدًا لغزوها.
وفي هذا الإطار، رأى صامويل شاراب، من معهد "راند" أنه "مع تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، تتجمّع الكثير من أجزاء كابوسهم معًا".
وفي ظل هذه الظروف، قد تُسيء موسكو تفسير زيادة عديد قوات "الناتو"، أو خطوات الدعم العسكري لأوكرانيا، على أنها استعدادات للهجوم الذي صُمّمت السياسة النووية الروسية لمواجهته.
وقال شاراب: "بين المتطوعين من دول الناتو، والدعم العسكري من الناتو، وتعزيز قدرات بولندا ورومانيا، قد يربط الكرملين النقاط، ويقررون أنهم بحاجة إلى استباق الهجوم الذي يفترضون حدوثه".
وفي مثل هذا المناخ، يمكن أن تتصاعد بعض الحوادث أو سوء التقدير إلى مرحلة تثير مخاوف روسيا من الهجوم.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن التدخل الغربي المباشر في حرب أوكرانيا قد يؤدي إلى انتقام نووي روسي. والآن، كل ارتفاع في الدعم الغربي للقوات الأوكرانية يختبر تلك الحدود.
وسط تصعيد متبادل.. #بوتين يلوّح بالسلاح النووي ويتهم الغرب بالتخطيط لحرب فعلية على #روسيا#الحرب_الروسية_الأوكرانية #أوكرانيا تابعوا المزيد عبر البث المباشر للتلفزيون العربي على يوتيوبhttps://t.co/DUMyi3CyCS pic.twitter.com/jc6byRmpoT
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 3, 2022
دور السياسة الداخلية الأميركية
وأعرب كوهن عن قلقه من أن تلعب السياسة الداخلية الأميركية دورًا في ذلك أيضًا، بحيث أنه إذا استخدمت روسيا أسلحة كيميائية أو ارتكبت بعض التجاوزات الأخرى، فقد يواجه القادة الأميركيون ضغوطًا ساحقة للرد بما يتجاوز ما تتوقّعه موسكو.
وبالفعل، يطالب الكثيرون في واشنطن بمنطقة حظر طيران أو أي تدخل مباشر آخر، بحجة أن الرؤوس الحربية الأميركية ستردع موسكو عن الانتقام النووي.
لكن حظر الطيران في المجال الجوي الأوكراني من المرجّح أن يتطلب ضرب قواعد جوية ودفاعات جوية داخل روسيا تعمل أيضًا على الدفاع عن حدود روسيا.
ولذلك يحذر المحلّلون من أن هذا الأمر يمكن أن يخرج بسهولة عن نطاق السيطرة أو يثير مخاوف الكرملين من اندفاع الناتو إلى موسكو، مما يدفع الكرملين إلى شن هجوم نووي باعتباره الملاذ الأخير.
ومؤخرًا، كتب المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق كريستوفر تشيفيس، أن "العشرات من المناورات الحربية التي نفّذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها" توقّعت جميعها أن بوتين سيشنّ ضربة نووية واحدة إذا واجه قتالًا محدودًا مع "الناتو" أو عاني من انتكاسات كبرى في أوكرانيا.
لكن الصحيفة اعتبرت أن بوتين نفسه "لا يعرف خطوطه الحمراء النووية بالتأكيد. لكن المخاوف الأميركية من التصعيد النووي الروسي قد تكون خطيرة أيضًا".
وأضافت أن أي صراع نووي، مهما كان محدودًا في البداية، يحمل في طياته خطرًا تصاعديًا يسميه الإستراتيجيون "استخدمه أو أفقده".
وقالت: "يدرك الطرفان أن الضربات النووية السريعة يمكن أن تقضي على قواتهما العسكرية في أوروبا، حتى ترساناتهما النووية بأكملها، وتتركها بلا حماية، وهذا يعني أن كلا الجانبين يواجهان حافزًا للانطلاق على نطاق واسع قبل أن يتمكن الآخر من القيام بذلك أولًا- حتى لو اعتقد القادة أن الصراع قد يكون قد بدأ عن طريق الخطأ".
في مرحلة متأخرة من نهاية عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وضعت محاكتان أميركيتان لمناوشة عرضية للحرب بين "الناتو" وروسيا التي قابلتها بضربة نووية واحدة.
في المحاكاة الأولى، اقترح قادة البنتاغون توجيه ضربة نووية انتقامية. لكن المسؤول المدني في البيت الأبيض كولين إتش كال، أقنعهم بعزل موسكو دبلوماسيًا بدلًا من ذلك.
بينما المحاكاة الثانية انتهت بتوجيه ضربات نووية أميركية، مما يؤكد أن واشنطن لا تستطيع أن تتوقّع بشكل كامل أفعالها حتى في حالة حدوث مثل هذه الأزمة.