أكد علماء أنّ تغيّر المناخ يؤدي إلى تفاقم الأضرار الناجمة عن الفطريات المدمّرة للمحاصيل، محذّرين من أن الفشل في معالجة مسبّبات الأمراض الفطرية يُهدّد الإمدادات الغذائية المستقبلية للكوكب، ويؤدي إلى "كارثة صحية عالمية".
والفطريات هي بالفعل أكبر مدمّر للمحاصيل، وهي مرنة للغاية، وتُسافر لمسافات طويلة بسبب الريح، ويمكن أن تتغذّى على محصول واحد، وهي قابلة للتكيّف، وقد طوّر العديد منها مقاومة للمبيدات.
وتوقّع الباحثون، في تقرير نشرته مجلة "نايتشر" العلمية، أن يزداد تأثير الأمراض الفطرية سوءًا، حيث يؤدي تغيّر المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة والأمراض الفطرية التي تتحرّك بثبات نحو القطبين.
ومنذ تسعينيات القرن العشرين، انتقلت مسبّبات الأمراض الفطرية إلى القطبين، بمعدل حوالي 7 كيلومترات في السنة.
وأبلغت كل من إنكلترا وأيرلندا عن عدوى "صدأ الساق" الذي يصيب القمح، والتي تنتشر عادة في المناطق الاستوائية.
متغيّرات جديدة وتضرّر أهم المحاصيل
وأضاف العلماء أنّ ارتفاع درجات الحرارة يؤدي أيضًا إلى ظهور متغيّرات جديدة من مسبّبات الأمراض الفطرية، في حين أن العواصف الأكثر شدة يمكن أن تنشر جراثيمها إلى أماكن أبعد.
وقالت البروفيسورة سارة غور، من جامعة إكستر في بريطانيا والتي شاركت في إعداد التقرير، لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إنّ الفطريات قد تؤدي إلى "كارثة صحية عالمية بسبب الانتشار السريع للعدوى الفطرية حول العالم"، مضيفة أنّ "التهديد الوشيك يتعلّق بالمجاعة العالمية".
وذكر العلماء أنّ ارتفاع درجة الحرارة العالمية يزيد من خطر تحمّل الفطريات للحرارة، مما يزيد من احتمال انتقالها لإصابة الحيوانات والبشر.
وقالت البروفيسورة إيفا ستوكنبروك، من جامعة كيل في ألمانيا، وهي مؤلفة مشاركة: "مع ارتفاع عدد سكان العالم، تُواجه البشرية تحديات غير مسبوقة لإنتاج الغذاء. نحن نشهد بالفعل خسائر فادحة في المحاصيل بسبب العدوى الفطرية، والتي يُمكن أن تُحافظ على ملايين الأشخاص سنويًا. وهذا الاتجاه المقلق قد يزداد سوءًا مع ارتفاع درجة حرارة العالم".
وأشار العلماء إلى أنّ المزارعين فقدوا بالفعل ما بين 10% و 23% من محاصيلهم بسبب الأمراض الفطرية. ومن خلال أهم خمسة محاصيل، وهي: الأرز، والقمح، والذرة، وفول الصويا، والبطاطا، تتسبّب العدوى في خسائر سنوية يُمكن أن تُغذي مئات الملايين من الناس. وشكّلت الفطريات المراكز الستة الأولى في قائمة حديثة من الآفات ومسببات الأمراض ذات التأثير الأكبر.
وشرح الباحثون أنّ الفطريات مرنة بشكل لا يصدق، وتبقى حية في التربة لمدة تصل إلى 40 عامًا، ويمكن أن تنتقل جراثيمها المحمولة جوًا بين القارات.
تطوير مبيدات حشرية جديدة
وتُستخدم مبيدات الفطريات على نطاق واسع، ولكن مسبّبات الأمراض مجهّزة بشكل جيد لتطوير مقاومة سريعة للعلاجات التي تستهدف عملية خلوية واحدة فقط.
وقال الباحثون إنّ مبيدات الفطريات الحالية والتربية التقليدية لمقاومة الأمراض لم تعد كافية.
وأحد الحلول هو زراعة خليط من البذور التي تحمل مجموعة من الجينات المقاومة للعدوى الفطرية، بدلًا من الزراعة الأحادية لسلالة واحدة.
عام 2022، تمّت زراعة حوالي ربع القمح في الدنمارك بهذه الطريقة.
وقال العلماء إنّ التكنولوجيا قد تساعد أيضًا مع الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي مما يسمح بالكشف المبكر عن تفشّي المرض والسيطرة عليه.
ويجري تطوير مبيدات حشرية جديدة، حيث اكتشف فريق في جامعة إكستر مركبات يمكن أن تؤدي إلى مواد كيميائية تستهدف العديد من العمليات البيولوجية داخل الفطريات، مما يجعل تطوير المقاومة أكثر صعوبة.
وقد ثبت بالفعل أن هذا النهج مفيد ضدّ الفطريات التي تصيب القمح والأرز والذرة والموز.
وقال الباحثون إنّ أبحاث مسبّبات الأمراض الفطرية تُعاني من نقص خطير في التمويل، مقارنة بالأبحاث المخصّصة لكوفيد 19.
وقالت غور: "إذا لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام، فإن سوء التغذية سيقتلنا قبل أن نصاب بأي مرض مثل كوفيد-19. لكن مجال البحث لدينا يُعاني من نقص خطير في التمويل مقارنة بأي مرض ممكن".