يستمر فنانون كوبيون في المطالبة بقدر أكبر من حرية التعبير بعد شهرين على تعبئة غير مسبوقة. وتعتبر الحكومة تحركهم "مؤامرة سياسية"، في أحدث حلقة من التعايش المضطرب بين الثقافة و"الثورة الاشتراكية"، وفقاً لوكالة فرانس برس.
فلم يستطع الارتفاع الجديد في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في البلاد، ولا التغيرات الجذرية الحاصلة جراء توحيد سعري الصرف المعتمدين في الجزيرة منذ الأول من الشهر الجاري؛ إسكات هذه المطالبات.
وتحصل عموماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي في بلد بدّلت فيه خدمة الإنترنت النقال الحياة اليومية منذ توافرها نهاية العام 2018. وتتحامل الصحف الرسمية والنشرة الإخبارية يومياً تقريباً على هذه الحركة؛ مؤكدة أنها تأتي بإيعاز من «عدوة كوبا اللدودة»؛ أي الولايات المتحدة.
البداية
ويعود النزاع في الأساس إلى تعبئة قام بها 300 فنان. واحتشدوا مدة 15 ساعة تقريباً في 27 نوفمبر/تشرين الثاني أمام وزارة الثقافة للمطالبة بحرية التعبير في تحرك غير مسبوق في كوبا. وأتى هذا التجمع غداة استخدام العنف لطرد 14 شاباً كوبياً كانوا معتصمين في مركز وسط هافانا للمطالبة بالإفراج عن مغني راب مسجون.
Hace casi 2 meses se reunieron en el Ministerio de Cultura algunos artistas seleccionados con varias autoridades del sector. Qué se ha hecho a partir de ese día? Hay otras reuniones programadas? Acaso nuevamente todo quedó en palabras y letra muerta?🤔 pic.twitter.com/YrXkwE6tVN
— Mag Jorge Castro🇨🇺 (@mjorgec1994) January 24, 2021
ولم يتبلور إعلان السلطات في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني لفتح حوار مع الفنانين. ويتحدث الشاعر والكاتب أليكسيس دياس بيميينتا بسخرية "عن حديث طرشان في اتجاهين". وتؤكد السلطات المستاءة من تشديد الحصار الأميركي في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب؛ أن الأمر "للتمويه على محاولة انقلاب".
وقال الرئيس الكوبي ميغيل دياس-كانيل: "لقد كانت المحاولة الأخيرة التي يمكن لمؤيدي ترمب والمافيا المناهضة لكوبا (في ميامي) القيام بها في إطار استراتيجية الحرب غير التقليدية لمحاولة الإطاحة بالثورة".
الطريق سيكون طويلاً
وترى ماريا إيسابيل الفونسو الخبيرة في الشؤون الثقافية الكوبية في "سينت جوزف كوليدج" بنيويورك؛ أن ردة فعل الحكومة ليست بجديدة، كما أنها تستخدم أدوات الماضي نفسها؛ مثل تجميع حشود حول محتج لشتمه وتوبيخه؛ أو "وصف أي شخص بالمرتزقة لأنه يفكر بطريقة مختلفة". وأشارت إلى انتشار الإقامة الجبرية كبديل للتوقيفات. وتطال الإقامة الجبرية فنانين وصحافيين مستقلين.
ويروي فرناندو بيريس الذي يعتبر أكبر سينمائي كوبي على قيد الحياة، ولعب دور الوسيط بين الطرفين؛ أن تجمع 27 نوفمبر/ تشرين الثاني "كان تظاهرة سياسية عبّر عنها بطريقة شاعرية من دون عنف؛ مع أغان وقصائد". ويضيف المخرج البالغ 76 عاماً: "هؤلاء الشباب رسموا صورة كوبا التي حلم بها الكثير من الكوبيين، وما زالوا يحلمون".
وأتى هذا النزاع بعد سلسلة طويلة من المواجهات منذ عهد فيدل كاسترو الذي عرّف بالسياسة الثقافية من خلال هذه العبارة: "ضمن الثورة: كل شيء ضد الثورة: لا شيء".
وقد كان القمع الأقوى بين العامين 1971 و1976 في مرحلة عرفت بـ«الخمسية الرمادية". وجرت عملية تطهير واسعة في أوساط الفن والثقافة بتأثير من الاتحاد السوفييتي؛ مع استبعاد كل من لا يحترم "المعايير" التي حدّدتها السلطات؛ أي أن يكون "ثورياً".
مفارقة
وكان الفنانون الذين يعاقبون بسبب "مشاكل إيدولوجية" يرسلون عموماً للعمل في الحقول أو ورش البناء. وقد سحبت أعمال لكتّاب معروفين مثل خوسيه ليساما ليما، وفيرخيليو بينييرا من المكتبات؛ أو منعت من العرض في المسارح. كما منع ما لا يقل عن 23 شاعراً من إصدار أعمال خلال هذه الخمسية، بحسب الكاتب أرتورو آرانغو.
وتشدد ألفونسو، الخبيرة في الشؤون الكوبية، على وجود "مفارقة"، موضحة بالقول: "فمع وجود دعم (من السلطات) للفن والثقافة؛ قامت مجموعات سلطة مؤسساتية ثقافية وليس فقط سياسية، بتقويضهما من خلال إملاء ما ينبغي أن يكون عليه الفن في إطار الثورة".
والفرق مع النزاع الحالي هو أن التعبئة هذه المرة أتت عفوية، وتم تناقلها عبر الإنترنت؛ ما فاجأ السلطات التي اضطرت إلى الجلوس إلى طاولة الحوار.
ووجد الشباب في شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة للتعبير بحرية وبدينامية تتماشى مع العصر؛ فيما وجدت وسائل التواصل الجامدة نفسها في موقع غير مُوَات، وفقاً للسينمائي بيريس.
وتشير ألفونسو إلى أن الجديد أيضاً هو المطالبة القوية من فنانين ومثقفين بتوفير شرعية للإبداع المستقل، ووضع حد للإذعان للشرطة واحترام حقوقهم. وتختم بقولها إن "على السلطات أن تتوقف عن معاقبة الشخص الذي يفكر بطريقة مختلفة، وفتح حيز للحوار".