أبدى وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، اليوم السبت، ثقته بإمكان التفاهم مع تركيا إثر إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "تحفظ" بلاده على انضمام هلسنكي والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.
وقال هافيستو إثر إجرائه سلسلة مشاورات مع أعضاء حلف الأطلسي، وبينهم تركيا، في برلين: "واثق بأننا سنجد حلاً في النهاية، وأن فنلندا والسويد ستصبحان عضوين في حلف شمال الأطلسي".
ويريد الوزير الفنلندي ونظيرته السويدية آن ليند انتهاز فرصة اجتماع الحلف المقرر حتى الأحد للقاء وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو ومحاولة احتواء رفض أنقرة لمسألة ترشح بلديهما.
تركيا تريد "التفاوض"
من جانبه، أكد المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم السبت، أن بلاده لم تغلق الباب أمام انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أن أنقرة تريد التفاوض مع دول الشمال وتشديد الإجراءات على ما تعتبره أنشطة إرهابية، خاصة في ستوكهولم.
وأضاف إبراهيم كالين، الذي يشغل أيضًا منصب كبير مستشاري الرئيس للسياسة الخارجية، لوكالة "رويترز" في مقابلة بمدينة إسطنبول: "نحن لا نغلق الباب. لكننا نثير هذه القضية بشكل أساسي من باب الأمن القومي لتركيا".
وفاجأ أردوغان أعضاء حلف شمال الأطلسي ودولتي شمال أوروبا، بقوله أمس الجمعة، إنه لا يمكن لتركيا دعم توسع الحلف المكون من 30 دولة، لأن فنلندا والسويد "موطن لكثير من المنظمات الإرهابية".
وتحتاج أي دولة تسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي إلى موافقة أعضاء الحلف العسكري بالإجماع.
وأمام ذلك، تحاول الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى استيضاح موقف تركيا ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، وتبديد مخاوفها.
وظلت السويد وفنلندا، أقرب شريك عسكري لها، حتى الآن خارج حلف شمال الأطلسي الذي تأسس عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة.
ويشعر البلدان بالقلق من استعداء جارتهما الكبيرة، لكن مخاوفهما الأمنية زادت منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا فجر 24 فبراير/ شباط الماضي.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن تسير ستوكهولم على خطى هلسنكي ويمكن أن تتقدم بطلب للانضمام إلى التحالف العسكري يوم الإثنين المقبل.
وقال كالين: إن حزب العمال الكردستاني، الذي صنفته تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، يقوم بجمع الأموال والتجنيد في أوروبا ووجوده "قوي ومعترف به" في السويد على وجه الخصوص.
وأضاف: "ما يجب القيام به واضح.. عليهم التوقف عن السماح لمنافذ حزب العمال الكردستاني وأنشطته ومنظماته وأفراده بالوجود في تلك البلدان".
"وجهة نظر متبادلة"
وساندت تركيا، توسع الحلف رسميًا منذ انضمامها إلى التكتل الذي تقوده الولايات المتحدة قبل 70 عامًا.
وعلى مدى سنوات، وجهت تركيا انتقادات إلى السويد ودول أوروبية أخرى لتعاملها مع المنظمات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، بما في ذلك أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن.
وتنص المادة رقم 5 من المعاهدة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي على أن الهجوم على أي دولة من دول الحلف يجب أن يُنظر إليه على أنه هجوم على الجميع.
وفي حين ترتبط السويد وفنلندا بعلاقات وثيقة مع حلف شمال الأطلسي منذ فترة طويلة، فإن الدولتين غير مشمولتين بضمانه الأمني.
وانتقدت تركيا الهجوم الروسي وساعدت في تسليح أوكرانيا، وهي ليست من أعضاء حلف شمال الأطلسي، وحاولت تسهيل المحادثات بين الجانبين، لكنها تعارض فرض عقوبات على موسكو.
وقال كالين إن تركيا تريد من حلف شمال الأطلسي "معالجة مخاوف جميع الأعضاء، وليس بعضها".
وأكد أن انتقاد روسيا الحاد لفنلندا والسويد بشأن خطط الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لم يلعب دورًا في موقف تركيا.
الحماية الأطلسية
وفي هذا الإطار، يعتبر خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا غيّر المعادلات داخل السويد وفنلندا.
ويشير في حديث إلى "العربي" من باريس، إلى أن الرأي العام في فنلندا والسويد لم يكن أبدًا متحمسًا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وكان التفضيل دائمًا للاستمرار في الوضع الحيادي أو الانتماء فقط إلى الاتحاد الأوروبي.
وإذ يوضح حدوث "انقلاب" في الرأي العام الذي دفع بالسلطات إلى مجاراته، حيث رأى أنّ "السويد منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي وبعد دخولها إلى الاتحاد الأوروبي أصبحت دولة شريكة في الناتو، أي أنها دولة كأنها في حلف الناتو بشكل غير رسمي".
أما فنلندا فمنذ أيام الاتحاد السوفياتي لها وضع صعب مع روسيا، إذ هناك أراض فنلندية محتلة من روسيا، وهو ما يدعو إلى عودة التوتر بين البلدين هذه الأيام.
ويلفت أبو دياب إلى أن الأسباب العلنية لانضمام البلدين تعود إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا، بينما الأسباب الأخرى تكمن في عدم ثقة هذه البلدان في الاتحاد الأوروبي بل لديها ثقة بحلف الناتو فقط.
ويقول: "إنّ هذه الدولة أصبحت لديها قناعة بأن الحماية الأساسية هي أميركية عبر الأطلسي".
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون، أنه في "نهاية المطاف سيكون هناك هيكل أمن أوروبي سواء مع الاتحاد الأوروبي أو مع روسيا، وهذا سيتطلب المزيد من الوقت كون الناتو ضمانة مؤقتة".
ويشير إلى الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها روسيا بحق هذه الدول، معتبرًا أنّ "موسكو ستعاني من العقوبات من الأطراف الأخرى، خاصة الأكثر قربًا من الولايات المتحدة على غرار بولندا وبلغاريا وفنلندا".
وستوقف شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة "إنتر آر آي أو" إمدادات الكهرباء إلى فنلندا ابتداء من اليوم السبت، لأنها لم تتقاضَ الأموال مقابل الطاقة المباعة عبر بورصة نورد بول الأوروبية منذ 6 مايو/ أيار الماضي.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه فنلندا لوقف إمدادات الغاز الروسي، ردًا على اتخاذها خطوات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.