يعتقد العلماء أن البشر قد زرعوا أكثر من 6000 نوع نباتي مختلف على مدار تاريخ البشرية. لكن بمرور الوقت، انجذب المزارعون نحو زراعة تلك التي تنتج محاصيل أكبر. أمّا اليوم، فتؤمن ثلاثة محاصيل فقط، وهي الأرز والقمح والذرة، ما يقرب من نصف السعرات الحرارية في العالم.
ومع تزايد حدة آثار أزمة المناخ، يعيد المزارعون في جميع أنحاء العالم اكتشاف المحاصيل القديمة، ويطورون أنواعًا هجينة جديدة قد تكون أكثر صلابة في مواجهة الجفاف أو الأوبئة، وتوفّر العناصر الغذائية المهمة في وقت واحد، بحسب صحيفة "الغارديان".
وفي ما يلي نظرة على خمسة محاصيل، بخلاف الأرز والقمح والذرة، يزرعها المزارعون في بعض أنحاء العالم ويؤمل أن تغذي كوكب الأرض أثناء ارتفاع درجة حرارته.
القطيفة
تعد نبتة القطيفة صالحة للأكل بالكامل من ورقها إلى بذرتها. ولطالما تم تناول القطيفة باعتبارها من الخضروات في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا، وكان الأميركيون الأصليون يأكلون بذور النبتة. ويمكن طهي القطيفة بطرق متنوعة، وتحتوي على البروتين الكامل مع جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة. كما تعد مصدرًا جيدًا للفيتامينات ومضادات الأكسدة.
وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، يعرف عن القطيفة أنها مقاومة للاستعمار. ففي الأميركتين منع المستعمرون الإسبان شعوب الأزتيك والمايا من زراعة القطيفة عندما وصلوا إلى القارة. لكن النبتة استمرت في النمو كأعشاب ضارة، وقام العديد من المزارعين بحفظ بذور القطيفة، وتناقلوها لأجيال، حتى سُمح لأحفادهم بزراعتها مرة أخرى.
واليوم، يتعاون المزارعون من السكان الأصليين في غواتيمالا والمكسيك والولايات المتحدة لزراعة هذا المحصول المقاوم للجفاف. القطيفة ليست محصولًا جديدًا، ولكنه يظهر حيث تتكيف المجتمعات مع أزمة المناخ.
كما وجدت القطيفة طريقها إلى المطابخ الأوروبية، حيث أصبحت أوكرانيا أكبر منتج للمحصول في القارة.
الفونيو
قام المزارعون في جميع أنحاء غرب إفريقيا بزراعة الفونيو منذ آلاف السنين، وهو نوع يشبه طعمه مذاق الكسكس أو الكينوا. ويُعتبر الفونيو من أقدم الحبوب المزروعة في إفريقيا وكان يعتبره البعض طعامًا للرؤساء والملوك. ففي بلدان مثل السنغال وبوركينا فاسو ومالي، يُقدم الفونيو في الأيام المقدسة، مثل حفلات الزفاف وخلال شهر رمضان.
يتركز الاهتمام بشكل متزايد على الفونيو اليوم، لمرونته وفوائده الصحية. فمع استمرار تغير المناخ، جعلت مقاومة الفونيو للجفاف وقدرته على النمو في التربة الفقيرة محصولًا بارزًا في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
كما يتمتع بقيمة غذائية فهو منخفض السكر وخالٍ من الغلوتين، مما يجعله مصدرًا جيدًا للأحماض الأمينية للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري أو عدم تحمل الغلوتين.
وبينما أطلق الأوروبيون على الفونيو اسم "أرز الجائع"، تقوم الشركات الأوروبية الآن بتصنيع الفونيو الخاص بها. وقد أدخلته شركة إيطالية إلى الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/ كانون الأول 2018. وفي الولايات المتحدة، يأتي الطاهي السنغالي بيير ثيام بالفونيو من إحدى المنظمات لعلامته التجارية "يوليلي".
اللوبياء
في الأربعينيات من القرن الماضي، زُرع أكثر من 5 ملايين فدان من اللوبياء في الولايات المتحدة لإطعام الماشية. ولكن قبل وقت طويل من وصول اللوبياء -وتسمى أيضًا البازلاء الجنوبية أو البازلاء ذات العيون السوداء - إلى الأميركتين، تمت زراعتها للاستهلاك البشري في غرب إفريقيا.
وعلى الرغم من انخفاض إنتاج اللوبياء في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، إلا أن هذا المحصول مهم للغاية في معظم أنحاء إفريقيا. وتعد نيجيريا أكبر منتج للوبياء في العالم.
وبينما يبحث العلماء عن محاصيل بديلة، نقلت "الغارديان" عن ماثيو بلير، الأستاذ في جامعة ولاية تينيسي والرئيس المشارك لمعهد "أمارانث" قوله: "إنه من المهم تحديد تلك التي يكون النبات بأكمله صالحًا للأكل فيها. على الرغم من أن معظم الناس كانوا يأكلون بذور اللوبياء تاريخيًا، إلا أن الأوراق والقرون هي أيضًا مصدر جيد للبروتين".
نظرًا لأن اللوبياء تتحمل الجفاف بدرجة عالية، فهي أيضًا مناسبة مع تغير المناخ. ويدرس بلير في جامعة ولاية تينيسي مع فريق من الباحثين إدخال اللوبياء إلى أميركا اللاتينية، كبديل للفاصولياء.
القلقاس
يُزرع القلقاس منذ فترة طويلة كخضروات جذرية، في المناطق الاستوائية في جنوب شرق آسيا وبولينيزيا، على عكس البطاطس. ولكن نظرًا لأن درجات الحرارة المرتفعة تهدد زراعة المحصول في بيئته الطبيعية، يحاول المزارعون في الولايات المتحدة القارية تكييف النباتات الاستوائية المعمرة لتنمو سنويًا، لأنها لا تستطيع تحمل برد الشتاء في الولايات المتحدة.
يجرّب مؤسس مشروع "يوتوبيان سيد بروجكت" في ولاية كارولينا الشمالية، كريس سميث وفريقه المحاصيل الاستوائية، ويبحثون عن طرق لمساعدة النباتات على العيش والنمو في الشتاء، ويقومون بزراعة ثمانية أنواع من القلقاس، بما في ذلك الأنواع التي تنمو في كوريا والفلبين وهاواي والصين وبورتوريكو.
وقال سميث: "نريد إدخال القلقاس لأننا نعتقد حقًا أن ذلك سيعطينا نظامًا غذائيًا أكثر أمانًا". "لكن الجميل في المنتج الثانوي أنه يسمح لنا أيضًا بالتعامل مع الأطعمة التي تأتي تقليديًا من مجتمعات المزارعين الأصليين أو الفلاحين. وأعتقد أنه يمنح حقًا هؤلاء السكان المحرومين تقليديًا فرصة للتفاعل مع النظام الغذائي الذي لا يحصلون عليه عادةً ".
الـ "كرينزا"
في حين أن العديد من المحاصيل البديلة هي مجرد نباتات نمت في مكان آخر في العالم منذ أجيال، فقد تمت زراعة البعض الآخر خصيصًا لمقاومة تغير المناخ.
وفي الثمانينيات، حدد الباحثون في معهد "رودال" في بنسلفانيا عشبًا شبيهًا بالقمح يسمى "عشبة القمح المتوسطة" كمحصول حبوب معمر يمكن تطويره كبديل للحبوب السنوية مثل القمح. كان الهدف منه هو تقليل الآثار البيئية لإنتاج الحبوب.
وعام 2019، قدم معهد "لاند" ومقره كانساس، وهو منظمة بحثية غير هادفة للربح تركز على الزراعة المستدامة، الـ"كيرزنزا" وهو نوع من الحبوب الذي تم تطويرها من عشبة القمح المتوسطة وتم تسجيله كعلامة تجارية لضمان معرفة المزارعين بأنهم قد اشتروا البذور من برنامج التربية الرسمي. على الرغم من أن الباحثين لا يزالون يعملون على تحسين محصول الحبوب ، فإن المزارعين في مينيسوتا وكانساس ومونتانا يزرعون اليوم ما يقرب من 4000 فدان من بالكرينزا.
وقد حذّر كل من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة الفاو من أزمة غذاء تهدد الكوكب؛ أسبابها مناخية كالجفاف، ووبائية كجائحة كورونا، وتنازعية كالحرب في أوكرانيا.
كما طالبت الأمم المتحدة بضرورة اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 دولة اعتبرت أنها "بؤرة ساخنة للجوع" في العالم، بينها 5 دول عربية، هي سوريا والسودان واليمن والصومال ولبنان.
وكان الخبير الاقتصادي في منظمة "الفاو" أحمد مختار، قد أوضح في حديث سابق إلى" العربي" من القاهرة، أن التقرير الأممي الذي يتحدّث عن النقاط الساخنة في الفقر يعطي مؤشرات خطيرة عن الأمن الغذائي.