عندما مشى فيليب بوتي على حبل مشدود بين مبنيَي مركز التجارة العالمي في نيويورك في أغسطس/ آب من عام 1974، كان البرجان قد تحوّلا عند الانتهاء من تشييدهما إلى معلم بارز في المدينة بوصفهما الأطول في العالم مع ارتفاع 1368 قدمًا.
في وقت ما من العام نفسه انتزع برج ويليس اللقب مع ارتفاع 1451 قدمًا، وفي اليوم نفسه من الحادثة المشهودة لبوتي اعتقلت الشرطة رجل الحبل ليُطلق بعد ذلك سراحه.
Philippe Petit - August 7, 1974 - his illegal tightrope walk between the Twin Towers of the World Trade Center. pic.twitter.com/wlw9tvm1VK
— Curtis Palimeno (@cpalimeno) September 7, 2021
"زمانان متعاكسان"
والبرجان التوأمان اللذان بدأ بناؤهما في فبراير/ شباط 1967 وانتهى بمضي ست سنوات، ظلّا مركز استقطاب للسياحة والتجارة والأعمال، إلى أن رسمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 صورة مختلفة لعملاقين يشتعلان سارع كثيرون ممّن كانوا داخلهما إلى رمي أنفسهم من النوافذ.
كيف بدّلت هذه الهجمات من ملامح تلك البقعة من منهاتن السفلى، وما الذي قام على أنقاض ناطحتي السحاب البائدتين؟ إن كان المشهد يُقدّم صورة لمبنى جديد، ففي التفاصيل الهندسية جانبين مختلفين لنيويورك واحدة.
اقرأ أيضًا من ملف: 11 سبتمبر وما بعده
-
موت ونار ودمار.. هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في صور
-
يوم سادت عقيدة "قتل العرب".. كيف أثّر 11 سبتمبر على أجهزة الاستخبارات الأميركية؟
-
أفغانستان بين موعدين.. حرب بوش على "الإرهاب" مرّت من هنا
-
11 سبتمبر على طريق غزو العراق.. "وصمة العار" التي تلاحق بوش وصقوره
يفضي مساران زمنيان متعاكسان ينطلقان من مركز التجارة العالمي إلى تصميمين مختلفين ارتفعا على الرقعة ذاتها. ما يفصل بينهما هو اعتداء حمل الكثير من التداعيات على الولايات المتحدة والعالم.
رجوعًا بالزمن إلى ما قبل اختراقه بطائرتي نقل مدني تم اختطافهما من قبل مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة، كان مركز التجارة العالمي مؤلفًا من 110 طبقات. وقد ساعدت هيئة الموانئ وقسم الهندسة بنيوجيرسي في عملية بنائهما بمشاركة أكثر من 10 آلاف عامل.
واستوعب المركز 50 ألف موظف ونحو 200 ألف زائر يوميًا. وبحسب موقع "بزنس إنسايدر" فقد ضم موقعه أيضًا ساحة خارجية بلغت مساحتها خمسة أفدنة، بالإضافة إلى منحوتة فريتز كونيغ بطول 25 قدمًا.
برج الحرية
وإذا كان المركز بحلّته القديمة قد قال فيه حاكم نيويورك عند الافتتاح عام 1973: إنه "حلم يتحقق"، فيما وصفه المهندس المعماري مينورو ياماساكي بـ"رمز حيّ لتفاني الإنسان من أجل السلام العالمي"، فإن ناطحة السحاب التي دُشنت عام 2014 وتُعرف باسم "برج الحرية" اعتُبرت بالنسبة للأميركين رمزًا للصمود.
فبارتفاع 541 مترًا ملأ المبنى الجديد الفراغ الذي أحدثه غياب البرجين عن المشهد في المدينة على الأرض كما في السماء.
والتصميم وضعه المهندس ديفيد إم تشايلدز، ليتم تنفيذه من قبل شركة "أس أو أم" المتخصّصة في بناء ناطحات السحاب حول العالم. وقد بدأت البناء عام 2006 قبل أن يكتمل عام 2014.
ويضم المبنى الجديد 104 طبقات يغطّيها من الخارج زجاج منشوري.
وإلى جانب مرصده، الذي يمنح الزائرين إطلالة مميزة على المنطقة المحيطة، فهو يحتوي على "متحف 11 سبتمبر" ونصب تذكاري يواظب على التذكير بدموية ذلك اليوم الذي سقط فيه نحو 3000 قتيل، وكذلك بضحايا اعتداء سابق على المركز وقع في العام 1993 عند استهدافه بسيارة مفخخة.
وحيث إن مصير المركز القديم ومن كان فيه لم يغِب عن بال المنفذين، فقد تم اعتماد ثلّة من إجراءات الوقاية عالية المستوى؛ منها تصفيح قلب المبنى بالخرسانة المسلّحة الواسعة وكذلك توسيع السلالم للسماح بعملية إخلاء سريعة للمكان من الناس، فضلًا عن نشر كاميرات وأجهزة اتصال مقاومة للحرائق في كل طابق.
وتنقل وكالة "فرانس برس" عن كينيث لويس، أحد المهندسين المعماريين للمشروع، قوله: إن الهدف هو "إخلاء المبنى بالكامل في ساعة واحدة على أقصى حد".
والمهندس المعماري لا ينفك يؤكد أن البرج يمثل "الإيجابية" و"مكانًا للابتكار والتأمل، ويحمل في طياته مفاهيم السلامة الحديثة".