السبت 16 نوفمبر / November 2024

مصارف لبنان تُكافح.. زيادة رأس المال أو التصفية

مصارف لبنان تُكافح.. زيادة رأس المال أو التصفية

شارك القصة

احتجاجات أمام مصرف لبنان
احتجاجات أمام مصرف لبنان (غيتي)
يتّفق كثيرون من المصرفيين في لبنان بصفة غير رسمية على أنه من الضروري تقليص القطاع المصرفي الحالي الذي يضم ما لا يقلّ عن 40 مصرفًا.

يُكافح عدد من مصارف لبنان التي أصابتها الأزمة المالية بالشلل، وصدّعتها المخاطر السياسية، للوفاء بالهدف الذي وضعه لها مصرف لبنان المركزي لتعزيز دفاعاتها بزيادة رأس المال 20% بنهاية هذا الشهر.

ومن أصل 12 مصرفًا كبيرًا، رجّحت وكالة "رويترز"، أن يفي أقلّ من نصف هذه المصارف بالشرط الذي حدّده البنك المركزي في أغسطس/ آب الماضي لتدعيم القطاع.

وهذه المصارف هي تلك التي استغلّت إلى حد كبير، فرصة الاستفادة من حملة الأسهم أو المُودعين الحاليين، وحوّلت الودائع الدولارية المحلية إلى أدوات ملكية، أو باعت أنشطة تابعة لها في الخارج.

وتُواجه مصارف لبنان مشكلة كبيرة بسبب إفراطها في إقراض دولة من أكبر دول العالم مديونية، وبالتالي لم تعد تملك سيولة مالية؛ ما دفعها إلى تجميد الودائع الدولارية لعملائها، ومنعهم من تحويل المال إلى الخارج منذ أواخر 2019.

وقد وصف بعض المستثمرين والاقتصاديين هذه الخطوة بأنها جاءت متأخرة مقابل ضخامة الخسائر التي تُواجه القطاع.

ويشرح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوكالة "رويترز" أن نسبة 20% المستهدفة التي حدّدها تُعادل حوالي أربعة مليارات دولار. ويقلّ هذا المبلغ كثيرًا عن العجز في القوائم المالية للمصارف، والبالغ 83 مليار دولار وفقًا لتقدير الحكومة المُستقيلة العام الماضي في إطار خطّة رسمتها للإنقاذ المالي.

عجز كلي

ويقول مايك عازار، مستشار تمويل الديون والمُحاضر السابق في الاقتصاد الدولي بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز: "كلها عاجزة عن سداد الالتزامات". ويضيف: "لا يوجد احتمال للتعافي في الظروف الحالية إلى أن يظهر حلّ وتتمّ إعادة هيكلة على مستوى القطاع بالكامل، مع زيادة جديدة لرأس المال في نهاية المطاف". 

ويقول سليم صفير، رئيس جمعية مصارف لبنان والرئيس التنفيذي لـ"بنك بيروت": إن معظم البنوك "ستلتزم بتوجيهات البنك المركزي"، مُضيفًا: "لو أننا اعتقدنا أنّ لا أمل في التعافي لكنّا أوقفنا نشاطنا الآن. التحديات صعبة لكن لنا تاريخ في المرونة والابتكار وسنتكيّف مع الوضع الجديد". 

تمديد المهل

بدوره، اعتبر المصرف المركزي أنه من السابق لأوانه تقييم استجابة المصارف لزيادة رأس المال المُستهدف، وزيادة السيولة لدى مصارف المراسلة التي تتعامل معها 3%.

وفي ردّ عبر البريد الإلكتروني، قال سلامة: "مع ذلك، تقدّمت كل المصارف تقريبًا بطلبات لزيادة رأس المال، وتمّ بذل جهد كبير لزيادة السيولة". وسلّم بأن المصارف قد تتطلّب زيادة أكبر في رأس المال. وقال في رسالته: "المصرف المركزي سيعمل مع المصارف الأخرى لمعالجة هذه المسألة كل على حدة".

ومع اقتراب انتهاء المهلة في آخر فبراير/ شباط الجاري، تزايدت التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي حول المصارف التي قد تتمّ تصفيتها. وفي الأسبوع الماضي، أصدر المصرف المركزي، بيانًا قال فيه: إن هذا الجدل لا يمتّ للحقيقة بصلة.

وحذّر حاكم المصرف من أن المصارف التي تعجز عن الوفاء بالشروط، ستضطر إلى إنهاء نشاطها، غير أن بعض المصرفيين قالوا لـ"رويترز" إنهم يتوقّعون تمديد المهلة لأن "لا أمل يُذكر في جذب استثمارات جديدة".

تدقيق جديد

وتنصّ خطة الإنقاذ المالي، التي وضعتها الحكومة المستقيلة، على شطب رؤوس أموال، غير أن مُعارضة المصرفيين والساسة نسفت الخطة، الأمر الذي ساهم في انهيار المُحادثات الخاصّة بالتمويل مع صندوق النقد الدولي.

وقال خالد عبد المجيد، مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "إس.ايه.إم كابيتال بارتنرز" للاستشارات الاستثمارية في لندن: إن "زيادة رأسمالها بنسبة 20% مفيدة لكنها غير كافية"، مُضيفًا: "لا يُمكن أن أمسّ أسهم المصارف اللبنانية بأي سعر. فالأمور ستتدهور بشدّة في لبنان قبل أن تتحسّن".

وقد أثار استخدام سلامة الانتقادات لما وصفه "بالهندسة المالية" في سبيل الحفاظ على قدرة لبنان على تمويل احتياجاته. ويُواجه سلامة تدقيقًا جديدًا يقول مصرفيون إنه يُثير تساؤلات حول مستقبله.

والشهر الماضي، قال المدعي العام السويسري إنه يُحقّق في احتمال حدوث اختلاس يمسّ مصرف لبنان المركزي، ونفى سلامة ارتكاب أي مخالفات.

بيع العمليات الخارجية

كما باع "بنك عودة" و"بنك بلوم"، أكبر مصرفين في البلاد من حيث حجم الأصول، أنشطة تابعة لهما في الخارج للمساعدة في تحسين وضعهما المالي.

ولسنوات خلت،  ظلّت مصارف لبنان بين أكبر مصارف العالم ربحية مُستعينة بتحويل أموال اللبنانيين المُنتشرين في المهجر لدعم الحكومة مقابل عوائد مرتفعة. غير أن الانكشاف على الدين العام كان في نهاية الأمر هو السبب في الأزمة التي حلّت بالمصارف إذ جفّ نبع التحويلات المالية من الخارج وتفجّرت الاحتجاجات المُناهضة للفساد؛ ما حرم النظام المالي من مصادر التمويل.

فقدان الودائع

وخلال العامَين الأخيرَين، فقدت المصارف التجارية ودائع بقيمة نحو 49 تريليون ليرة لبنانية، أي ما يُعادل حوالي 22% من أصولها الإجمالية الحالية، ومن المُرجّح أن يكون كبار المودعين في صدارة المُتضرّرين من أي حلّ للأزمة المصرفية.

ولأن السندات الحكومية تُمثّل أغلب أصول المصارف، فقد أصبحت هذه المصارف أكبر ضحية لعجز الحكومة عن الوفاء بسندات دولية مستحقة بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس/ آذار الماضي

ويتمثّل جانب كبير من باقي أصول المصارف في العقارات التي انخفضت تقييماتها وسط الركود الاقتصادي.

ويقول الاقتصادي نافذ ذوق إنه إذا قدرت قيمة هذه الأصول بقيمتها السوقية، واقترنت بشطب حصص في رأس المال ترتبط بالانكشاف على الدين الحكومي، فإن الخسائر ستطغى على قاعدة رأس المال في القطاع المصرفي.

وفي أغسطس/ آب، طلب البنك المركزي من المصارف تجنيب مُخصّصات لخسائر تعادل 1.89% عن ودائعها بالعملة الصعبة لديه، وخسائر تبلغ 45% عمّا بحوزتها من سندات الدين الحكومي، وهي مستويات قال بعض الاقتصاديين إنها تستهين بحجم المشكلة.

تقليص القطاع المصرفي

وقد انخفضت الليرة اللبنانية بنسبة 80% منذ أواخر العام 2019، وقدرت مؤسسة "موديز" للتصنيفات الائتمانية أن الخسائر عن محافظ السندات الدولية تتجاوز 65%.

ويتّفق كثيرون من المصرفيين في لبنان بصفة غير رسمية في أنه من الضروري تقليص القطاع المصرفي الحالي بشدة. ويضمّ القطاع ما لا يقلّ عن 40 مصرفًا، وقد تضخّمت أصوله لتصل إلى ما يُعادل 167% من الناتج الاقتصادي للبلاد في ذروتها الأخيرة عام 2015.

ويُسلّم البعض بأن الحلّ سيفرض على حملة الأسهم وحملة السندات وزبائن البنوك تحمل خسائر. غير أنه لا يوجد إجماع على عدد المصارف التي ستضطر لتصفية نشاطها وعلى حجم الخسائر.

وفي ظل غياب حكومة جديدة وبقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية منذ استقالتها في أغسطس/ آب الماضي، وسط سخط شعبي على الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت، يُسلّم المصرفيون بأن الحلّ مستبعد في أي وقت قريب.

تابع القراءة
المصادر:
رويترز
Close