تعد بطولة كأس العالم لكرة القدم، مهرجانًا رياضيًا تنافسيًا بحد ذاتها، تجذب إليها قلوب ملايين البشر.
وكانت قطر حاضرة وجاهزة، فبدأت هندسة وتركيب مفردات الصورة بدءًا من ترجمة مفاهيم الثقافة العربية المستوحاة من البيئة القطرية والتراث الخليجي وفن العمارة الإسلامية.
هذا الجانب كان حاضرًا في بناء الملاعب المونديالية، بدءًا من ملعب البيت المستلهم من بيت الشعر، وملعب الجنوب المأخوذ من أشرعة المراكب التقليدية القطرية، مرورًا باستاد أحمد بن علي الذي يمثّل الصحراء وكثبانها، وليس انتهاءً بملعب الثمامة.
سرد قصة الإنسان العربي
وتنوع الإبداع المعماري بين الأصالة والحداثة، ولم يقتصر فقط على المنشآت، بل ذهب إلى سرد قصة الإنسان العربي.
وتميزت أيضًا تميمة المونديال "لعيب" حين نُسجت على شكل الزي التقليدي الخليجي، بينما تزينت الشوارع في الدوحة وجوارها بلوحات وجداريات رُسمت فيها آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات من الشعر العربي مترجمة إلى الإنكليزية وعدة لغات، تفصح عن ثراء ثقافي كبير ومخزون أخلاقي وقيمي.
ولا يختلف اثنان أن مناسبة كأس العالم تمثل دائمًا مضمارًا مهمًا للمشجعين وتقاليد شعوبهم ولا سيما في اللباس، غير أن هذه المرة كانت النتيجة معاكسة حين فعلت كل الإنجازات التي قامت بها قطر فعلها في الجماهير الوافدة للدوحة، ليصعد بقوة الزي العربي "الغترة والعقال" وبالألوان كافة.
وبات هذا الزي حاضرًا بين المشجعين، لتصل ذروة هذه الحالة إلى أن تتصدر مشاهد قيام المواطنين القطريين ورجال الأمن كذلك بتعليم المشجعين كيفية ارتدائها.
هي حالة عبّرت عنها مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر عندما وصفتها بأنها تنوع للثقافات بين المشجعين، وتعبّر عن رغبتهم في استكشاف الآخر والاستمتاع بأجواء المونديال بعيدًا عن السياسة.
تظهير الثقافة العربية المتنوعة
وأشار رئيس قسم الرأي في صحيفة "العربي الجديد" معن البياري، إلى أن المؤسسات القطرية بتنوعها، عملت على استثمار مناسبة كأس العالم لتظهير الثقافة العربية والقطرية والإسلامية بترميزات وبمستويات مختلفة وعلى أصعدة متنوعة.
وقال البياري في حديث إلى "العربي" من لوسيل: "أنت في الدوحة تعاين مهرجانًا فنيًا يتنوع بين الغناء والفنون والمسرح والفنون الشعبية والفلكلورية فيها ألوان من ثقافات الشعوب المتنوعة، وتنطلق من المحلي الموروث القطري والخليجي محمولة على بعد إنساني ثقافي شامل وواسع".
وأضاف البياري: "أنت في قطر وفي العالم أيضًا"، معبرًا عن اعتقاده بأن الجميع نجح في قطر في هذه المهمة، وقد أحب القادمون من مختلف أنحاء العالم اللوحة الباهرة.
ولفت البياري إلى أن من المؤسف أن تبقى وسائل الإعلام الغربية والأميركية أسيرة تنميطات استشراقية متراكمة منذ قرون. وقال: "ينبغي على رجال الإعلام وأهل السياسة والأكاديميات الغربية أن تتحرر منها تمامًا بالتعرف حقيقة على العالم الإسلامي".
التثاقف في قطر
من جهتها، اعتبرت أستاذة علم الاجتماع والأنتروبولوجيا في جامعة سوسة صابرين الجلاصي أن العرس الكروي التي أشرفت عليه دولة قطر هو مثال جميل جدًا للترويج للثقافة الإسلامية المعتدلة التي كسرت حاجز الإسلاموفوبيا، التي ظلّت لعقود طويلة متمكنة من الأجانب، حيث أن نظرة الأجانب إلى الدول العربية وخاصة المشرقية بما فيها قطر وبعض دول الخليج العربي، كنت تُختصر بأنها دول مازالت ترزح تحت نظام البداوة ولا يوجد بها إعمار أو ثقافة.
وقالت في حديثها إلى "العربي" من تونس: "إن تنظيم هذا العرس الكروي تماشيًا مع إبراز الهوية الإسلامية خلق حالة من التغيير عرّفت الآخر بالبلدان العربية والثقافة والحياة والتميّز الإسلامي".
واعتبرت الجلاصي "أن قطر أخرجت الخصوصية إلى الكونية، أي أخرجت ثقافتها المحلية إلى العالمية وهذا ما لمسناه من خلال مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي التي تبرز انبهار الأجانب بهذه الثقافة وبهذا التنظيم المثمّن".
ووصفت الجلاصي قطر "بالقرية العالمية".
تنظيم أبهر الجميع
أمّا مدير قناة هايترز الرياضية نك كالو فقد أشار إلى أن أهم ما يدفع الدول لاستضافة الأحداث الرياضية هي لكي تثبت للعالم أن هذه الدولة المستضيفة هي مكان عظيم يستحق استضافة هذه الأحداث.
وقال في حديثه من لندن: "شعرت في النسخة الماضية من كأس العالم في روسيا بدرجة من الخطر".
ولفت كالو إلى أنه كان للاعب المصري محمد صلاح تأثيرا كبيرا لتغيير فكرة البريطانين تجاه ثقافته.
واعتبر أن قطر من خلال تنظيم كأس العالم أثبتت أنها قادرة على تنظيم هذا الحدث الضخم بشكل رائع أبهر الجميع.