Skip to main content

ميخائيل غورباتشوف.. الرجل "المميز" في الغرب و"المتهَم" في روسيا

الأربعاء 31 أغسطس 2022

أُسدل الستار، أمس الثلاثاء، على حياة الزعيم السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف، الذي يُعَد واحدًا من القادة الرئيسيين الذين أسهموا في إحلال السلام في أواخر القرن العشرين.

بشخصيته الكاريزماتية، كسر غورباتشوف الصورة النمطية عن الجمود والبرودة التي رافقت قادة الاتحاد السوفيتي السابق.

وخلال قيادته الاتحاد من عام 1985 حتى تفكّكه عام 1991، سعى إلى إصلاحات مهمّة لإنشاء نظام سياسي واقتصادي أكثر كفاءة وديمقراطية. ووُصف عهده بالانفتاح (غلاسنوست)، وإعادة الهيكلة (البيريسترويكا).

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، أمضى غورباتشوف القسم الأكبر من العقدين الماضيين على هامش الحياة السياسية في روسيا.

لكن الرجل الذي كان من أنصار التقارب مع الغرب، دعا مرارًا كلًا من الكرملين والبيت الأبيض إلى إصلاح العلاقات الأميركية-الروسية، بعدما تصاعدت التوترات بينهما، منذ ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم حربها المستمرة على أوكرانيا.

من مزارع إلى رئيس

ولد غورباتشوف في 2 مارس/ آذار 1931، لعائلة روسية-أوكرانية وأخ وحيد، في ستافروبول كراي، التي أصبحت جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، إحدى الجمهوريات المكوّنة للاتحاد السوفيتي.

عمل مع والده الذي كان من المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية في الزراعة، حيث عمل مشغلًا لآلة الحصادة في الزراعة الجماعية. وأصبح أصغر شخص يحصل على وسام الراية الحمراء لإنجازاته في العمل الزراعي.

تميّز بسجل دراسي مميّز، حيث حصل على الميدالية الفضية عند تخرّجه من مدرسته الثانوية، قبل أن يحصل على بكالوريوس في القانون من جامعة موسكو الحكومية عام 1955. كما حصل على درجة الماجستير بالمراسلة من معهد ستافروبول للزراعة في عام 1967.

جذبه العمل السياسي، فانتسب إلى الحزب الشيوعي عام 1952، وأصبح أصغر عضو في المكتب السياسي عام 1979، وتدرّج في المناصب الحزبية إلى أن عُيّن أمينًا عامًا للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي عام 1985.

خلال هذه الفترة، بنى سمعة باعتباره عدوًا للفساد وعدم الكفاءة. وأدخل تعديلات على الدستور السوفيتي تخلّى بموجبها الحزب الشيوعي عن دوره كقوة سياسية رائدة في الدولة، وفتح المجال للتعددية الحزبية وحرية الكلمة. واستبدل منصب رئيس هيئة رئاسة مجلس السوفيات الأعلى، بمنصب الرئيس السوفيتي.

وقال: "لقد بدأت هذه الإصلاحات، وكان نجومي المرشدين هم الحرية والديمقراطية دون إراقة دماء. لذلك لم يعد الناس قطيعًا يقوده راع. وسيصبحون مواطنين".

إنجازات عالمية وانقلاب

كان غورباتشوف موضع تقدير كبير في الغرب الذي كان يسمّيه تحببًا "غوربي".

أمر بسحب القوات السوفيتية من أفغانستان عام 1989. كما أمر بانسحاب هذه القوات من أوروبا الشرقية، ما أدى إلى استعادة الوحدة الألمانية مع سقوط جدار برلين.

تفاوض مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن على اتفاقية وُصفت بـ"التاريخية" للحد من الأسلحة النووية، معلنين بداية نهاية الحرب الباردة.

وقع مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن اتفاقية وُصفت بـ"التاريخية" للحد من الأسلحة النووية- رويترز

غير أن الانفصال عن بعض دول أوروبا الشرقية، يليه توحيد ألمانيا ودخول ألمانيا إلى "الناتو" أغضب الشيوعيين من المدرسة القديمة.

في أغسطس/ آب 1991، وبينما كان غورباتشوف في إجازة في شبه جزيرة القرم، قام بوريس يلتسين بانقلاب عليه، لكن غورباتشوف استطاع هزيمة الانقلاب من خلال إعلان الاستقالة في 25 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، مع توقيع يلتسين على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، الأمر الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي.

أثناء قراءته لخطاب استقالته، حدّد غورباتشوف ما يمكن أن يكون إرثه على الأرجح: "نالت البلاد الحرية وتحررت سياسيًا وروحيًا، وكان ذلك الإنجاز الأهم. نحن نعيش في عالم جديد".

في أبريل/ نيسان 2012، ولدى سؤاله عمّا إذا كان قد خطّط لانهيار الاتحاد السوفيتي، قال غورباتشوف: "كان تفكك الاتحاد نتيجة خيانة نومينكلاتورا (الطبقة السياسية التي حكمت الاتحاد السوفيتي)، والبيروقراطية، وخيانة يلتسين"، مضيفًا: "تحدّث يلتسين عن التعاون معي على معاهدة اتحاد جديدة، ووقّع مسودة معاهدة الاتحاد، لكن في الوقت نفسه، كان يعمل من ورائي".

كما أكد لوكالة أسوشيتيد برس أنه لم يفكر في استخدام القوة على نطاق واسع "لمحاولة الحفاظ على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية متماسكًا، لأنه يخشى حدوث فوضى في دولة نووية".

وقال: "كانت البلاد محمّلة بالأسلحة. وكان ذلك سيدفع البلاد على الفور إلى حرب أهلية".

نفى غورباتشوف الاتهامات الروسية له بالتسبّب بانهيار الاتحاد السوفياتي- غيتي

جوائز سلام واتهامات داخلية

حصل غورباتشوف على ميدالية أوتوهان للسلام في 1989، وجائزة نوبل للسلام عام 1990 عن دوره في إنهاء الحرب الباردة، وجائزة هارفي في 1992، إضافة إلى العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات متعددة.

داخليًا، حمّله الكثير من الروس مسؤولية انهيار الاتحاد السوفيتي، حتى إن بعض نواب مجلس الدوما الروسي (البرلمان)  طالبوا بمحاكمته. وأكد هؤلاء أن مواطني الاتحاد السوفيتي أبدوا خلال الاستفتاء (اتفاقية بيلوفيجسكايا بوشا التي وقعت في 8 ديسمبر 1991، والتي نتج عنها تشكيل رابطة الدول المستقلة وتفكك الاتحاد السوفيتي) الرغبة في الحفاظ على وحدة الدولة، لكن القياديين السوفييت قاموا بنشاط غير قانوني أدى إلى انهيار البلاد.

لكن غورباتشوف نفى هذه الاتهامات في مقابلة مع وكالة "انترفاكس" نشرت في 10 أبريل/ نيسان الماضي، قائلًا: "يجب جمع نواب الدوما آنذاك الذين صوتوا لصالح اتفاقية بيلوفيجسكايا وإرسالهم إلى المنفى".

مؤسسات خيرية وانتقاد للديمقراطية الروسية

تكريمًا لذكرى زوجته رايسا التي توفيت نتيجة مرض السرطان عام 1999، (له منها ابنة وحيدة ايرينا)، أنشأ مؤسسة "رايسا غورباتشوف" لمكافحة سرطان الأطفال.

كما أسّس العديد من الجمعيات الخيرية: "الصليب الأخضر" للتعامل مع القضايا البيئية، والمؤسسة الدولية للدراسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومؤسسة غورباتشوف. في عام 2011، أطلق غورباتشوف أيضًا "جوائز غورباتشوف" السنوية للاحتفال بـ"أولئك الذين غيّروا العالم للأفضل".

أمر غورباتشوف بانسحاب القوات القوات السوفياتية من أوروبا الشرقية، ما ادى إلى استعادة الوحدة الألمانية مع سقوط جدار برلين -غيتي

تولّى رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لروسيا من عام 2001 حتى استقالته عام 2004، بسبب تعارضه مع توجه الحزب وقيادته.

في عام 2007، أصبح رئيسًا لحركة سياسية روسية جديدة باسم "اتحاد الديمقراطيين الاشتراكيين"، الذي أنشأ بدوره "الحزب الديمقراطي المستقل لروسيا" المعارض.

عام 2012، انتقد النظام في روسيا، قائلًا: "المؤسسات الديمقراطية لا تعمل بكفاءة في روسيا، لأنها في النهاية ليست حرة". لكنه في الوقت نفسه، لم يعلن قبل وفاته عن موقف علني من الحرب الروسية على أوكرانيا.

إشادات عالمية

وفجر الأربعاء، قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "تعازيه الحارّة" لأسرة الراحل.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدّث باسم الرئاسة الروسية: إنّ "بوتين يعرب عن تعازيه الحارّة لوفاة ميخائيل غورباتشيف، وسيرسل في الصباح برقية تعزية إلى أسرة وأحبّاء" الراحل.

بدوره، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن أسفه لوفاة غورباتشوف، واصفًا إياه بـ"القائد النادر الذي ساهم في جعل العالم أكثر أمانًا".

كما وصف الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش غورباتشيف بـ"رجل دولة فريد غيّر مسار التاريخ"، مضيفًا أنه "برحيله خسر العالم زعيمًا عالميًا عظيمًا، التزم التعدّدية، ودافع بلا كلل عن السلام".

وفي أوروبا، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين: إن غورباتشوف "كان قائدًا جديرًا بالثقة مهّد الطريق أمام أوروبا حرّة".

وفي لندن، نوّه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في تغريدة على تويتر بـ"الشجاعة والنزاهة اللتين برهن عنهما غورباتشوف لإنهاء الحرب الباردة"، مضيفًا أنه "في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدوانه على أوكرانيا، يظلّ التزامه (غورباتشيف) الدؤوب انفتاح المجتمع السوفياتي مثالًا يُحتذى لنا جميعًا".

بدوره، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة على تويتر: إنّ الراحل كان "رجل سلام مهّدت خياراته الطريق أمام الحرية للروس. إنّ التزامه السلام في أوروبا غيّر تاريخنا المشترك".

ويُدفن غورباتشوف، اليوم الأربعاء، في مقبرة نوفوديفيتشي بموسكو بجوار زوجته رايسا.

المصادر:
العربي - ترجمات
شارك القصة