حقق تطبيق "تيك توك" أرقامًا قياسية في السنوات الخمس الأولى منذ انطلاقه ليتجاوز مؤشر عدد مستخدميه النشطين في شهر فبراير/ شباط من سنة 2021 المليار مستخدم وفق صحيفة "الفايننشال تايمز".
وكان لجائحة كورونا التي شلّت العالم، تأثير عكسي على التطبيق، الذي انتشر بسرعة قياسية بسبب الحظر العام، بعدما أصبح وسيلة لمواجهة الضجر الناتج عن حالة الإغلاق.
وتؤكد الأرقام هذا التوجّه؛ إذ تمّ تحميل تطبيق "تيك توك" 2.6 مليار مرة حول العالم إلى حدود ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020، و62 مليون تحميل فقط في شهر يناير من سنة 2021.
لكنّ انتشار منصة "تيك توك" القياسيّ هذا ووصوله للفئات الهشة فتح بابَ أكبر المخاوف، وهو التأثير والتحكم في ظلّ هواجس وتساؤلات لا تنتهي، ودعاوى قضائية لا تزال أمام القضاء، كانت إحداها تلك التي رفعتها فتاة إنكليزية بعمر 12 سنة، مدّعية أن الشركة تستخدم بيانات الأطفال بشكل غير قانوني.
وخلف مظهره البريء، حاول "تيك توك" الصمود أمام الانتقادات المتصاعدة، فصُنّف في عدد من الدول "خطرًا عامًّا"، لتبقى سياسات المقاطعة والتوعية أهمّ الأسلحة المتوفرة لمواجهة خطر مماثل.
"تيك توك" مصدر للقلق في تونس
في تونس، حيث يصل عدد الناشطين على مواقف التواصل إلى 8 ملايين من أصل 12 مليون نسمة هو عدد السكان، تحوّل التطبيق الصاعد "تيك توك" من منصّة للمرح إلى مصدر للقلق جعل جهات الاختصاص في هذا البلد العربي تدق ناقوس الخطر وتحذر مستخدميه.
يتحدّث المعنيّون عن "ثغرات" بالجملة في هذا التطبيق الصيني أكثر من منصّات التواصل الأخرى، أبرزها الاستيلاء على المعطيات الشخصية للمستخدمين، الذين باتوا عرضة لهجمات القراصنة بما يهدد خصوصيتهم، قبل أن يتم تدارك الثغرة من المشرفين على التطبيق.
وما زالت تونس تتابع قضية "عملية قرطاج" التي كشفت استغلالًا غير قانوني لمواقع التواصل في الانتخابات الرئاسية التونسية سنة 2019 مورس من خلالها التضليل والتأثير لضرب الخصوم السياسيين.
ويرى خبراء السلامة المعلوماتية أن قانون حماية المعطيات الشخصية لسنة 2004 لا يستجيب اليوم للتحديات المستجدّة، وأن المشرّعين مطالبون بسن قانون جديد يلزم شركات تزويد الإنترنت بالإيفاء بمعايير حماية المعطيات الشخصية لمستخدميها، فورًا ومن دون تأجيل.
ما الشيء الأكثر خطورة في تطبيق "تيك توك"؟
وفيما تطرح حالات تحدثت لـ"العربي" عن إشكاليات اجتماعية وتربوية حول التطبيق، يرى خبراء التطبيقات والأمان السيبراني ما هو أخطر وفق تقارير نشرها موقع ديجيتال إنفورميشن وورلد (digital information world) المختص في عالم الديجيتال.
بمجرد تفعيل "تيك توك" على هاتفك سيتمكن التطبيق من معرفة تاريخ تصفحك على الإنترنت وتاريخ الكلمات التي تبحث عنها، إضافة إلى نوع هاتفك والتطبيقات المستخدمة فيه وعنوان بريدك الإلكتروني وكل شيء مرتبط بالإنترنت.
كما سيحتفظ بأسماء الواي فاي التي قمت بدخول الشبكة منها، ويحدد موقعها بدقة عن طريق عنوان الآي بي لهاتفك، وسيتمكن أيضًا من تحديد موقعك كل 30 ثانية، ورصد كل تحركاتك أينما كنت.
ووفق المختصّين، فإنّ الأمر الأكثر خطورة يكمن في أنّ نسخة التطبيق مع نظام التشغيل أندرويد تحمل شيفرات خفية تمكّنها من تحميل ملفات على هاتفك الذكي، وتقوم بفكِّ ضغطها دون الحاجة لموافقتك، ودون علمك كأنها تخلق وكيلًا افتراضيًا داخل هاتفك بصلاحيات غير مسبوقة.
"تيك توك" يعتمد على تقنية "إنترست غراف"
ولا يستخدم "تيك توك" تقنية السوشيال غراف وهي تقنية تعتمدها منصات أخرى كفيسبوك وأنستغرام من أجل التعرف على اهتماماتك بناء على المواقع الإلكترونية التي تزورها والحسابات التي تتابعها.
ويوضح خبراء البرمجة أنّ التطبيق الصيني يعتمد على تقنية "إنترست غراف" (interest graph) التي تحدد اهتماماتك بناء على تفاعلك مع فيديو معين، مثل الإعجاب والتعليق والمشاركة، أو متابعة وسم معين إضافة إلى المدة التي تقضيها في مشاهدته.
وهذه هي التقنية نفسها التي يعتمدها يوتيوب لكن الفرق بالنسبة لتطبيق "تيك توك" أن مدة الفيديو لا تتجاوز 60 ثانية وبالتالي ستشاهد مقاطع فيديو أكثر ما سيضمن دقة في تحديد اهتماماتك بطريقة تشبه السحر.
ولا يعتمد "الإنترست غراف" على اللغة بقدر اعتماده على اهتمامات مستخدميه كـ"الميمز" والرقص والموسيقى والرياضة، فلن يقتصر الأمر على عرض المحتوى بلغتك، بل يمكنك أن تشاهد فيديوهات لأناس بنفس اهتمامك حول العالم، أما النتيجة فانتشار أكبر للمحتوى ولمستخدمي التطبيق.
"تيك توك" والصراع على الريادة في عالم الديجيتال؟
وقد روّعت التقارير الصادرة بخصوص هذا التطبيق العالم، ناهيك عن الجهة التي تقف وراءه وهي شركة بايت دانس الصينية، والقدرة على الولوج لقاعدة بيانات مستخدميها من قبل الصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة، التي حاول رئيسها دونالد ترمب إبان ولايته حظر التطبيق داخلها.
لكن محاولة ترمب بحظر تنزيل "تيك توك" على الأراضي الأميركية فشلت، بسبب ما اعتُبِر من وجهة نظر قضائية مسًّا بالحقوق والحريات المدنية.
لكنّ وجهة نظر أخرى ترى أن الحرب على "تيك توك" هي صراع على الريادة في عالم الديجيتال وأن الأميركيّين يؤرقهم النجاح الباهر لهذا التطبيق الصيني.
يذكر أنّ فريق "العربي" حاول التواصل مع شركة "تيك توك" للرد عن القضية ومجمل التساؤلات العالقة، لكن لم تصلنا استجابة من إدارة التطبيق.