حفرت جائحة كوفيد اسم مدينة ووهان الصينية في ذاكرة العالم، فهي أول المدن التي خاضت معركة مع الفيروس التاجي المجهول، ولكنها أيضًا المدينة التي كسبت الحرب؛ ففي 18 مارس/ آذار 2020 لم تُسجل في ووهان أي حالة إصابة بوباء كوفيد 19.
ومنذ ذلك الحين والحياة طبيعية في ووهان، بينما لا يزال العالم يعاني ويلات الوباء.
الإصابة الأولى
استقبل مستشفى ووهان المركزي مريضًا مصابًا بمرض تنفسي مجهول النوع في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019 ارتفعت الحالات، فحذّر الطبيب الصيني لي وين ليانغ زملاءه من فيروس كان يظنه "سارس".
لم يكف تحذير ليانغ لتحديد نوعية الفيروس ومخاطره، واستمرت حالة اللبس التي لم تلبث أن دفعت بكين نحو فرض حظر كامل على مدينة ووهان البالغ عدد سكانها 11 مليون نسمة.
وطلبت منظمة الصحة العالمية من الصين أن تكون منفتحة وشفافة ومتعاونة في ما يتعلّق بالبيانات الأولية التي طلبتها في الأيام الأولى للوباء.
مدينة "الرعب"
تقول المحاضرة في جامعة ووهان، يوان يوان في حديث إلى "العربي": "علمنا بوجود فيروس يهدد الحياة من التلفاز، قيل حينها إنّه تم اكتشاف مصاب بفيروس جديد في ووهان".
ويصف الطالب الجامعي في مدينة ووهان حمزة الجوارة الأمر "بالمرعب". ويقول في حديث إلى "العربي": "كنا نسمع أن الناس يموتون، كان الأمر مرعبًا جدًا".
من جهتها، تشير الطالبة الجامعية في ووهان نادا غولوبيف إلى أن الأمر بدا وكأنه "نهاية العالم أو الزومبي أو شيء من هذا القبيل، لأنك عندما كنت تخرج إلى الشارع لا تجد أحدًا".
ويصف أول مصاب أجنبي بالفيروس في ووهان، محمد أبو ناموس الوضع في ذلك الوقت "بالمتخبط والمقلق"، حيث "لم يعرف أحد أين سيذهب أو ماذا سيفعل".
منشأ كوفيد-19
ارتبطت معظم الحالات المبكرة للإصابة بالفيروس بسوق ووهان للمأكولات البحرية. وأظهرت الأبحاث الأولية صلة المرض بالفيروسات التاجية الموجودة في الوطواط وآكل النمل الحرشفي.
وعلى أرض الواقع، كان الغموض سيد الموقف، فلا شيء واضح سوى دعوة الحكومة لاتخاذ بعض الإجراءت الوقائية.
يصف حمزة الجوارة، الطالب الجامعي في مدينة ووهان، رعب المرحلة الأولى حيث ظهر الناس يرتدون زيًا أبيض في أمر لم يشهد له مثيل. ويقول: "ظنه الناس مرضًا عاديًا، لكن بعد ازدياد الحالات عرفوا أنه مرض معد، لكنه اتضح أنه أكثر فتكًا".
ويروي أبو ناموس تفاصيل إصابته، وكيف بدأت تتوالى مشاهد المصابين وهم يسقطون في الشوارع.
وجعل التهاون في بداية الأمر من ووهان مدينة موبوءة تكتظ مستشفياتها وشوارعها بالمصابين. كانت السلطات الصحية الصينية تحاول معرفة طبيعة الفيروس الوبائي المستجد، وبان الأمر وكأن بكين كانت تحاول التقليل من وقع الفيروس.
وفي اليوم الأخير من عام 2019، أشعرت السلطات الصينية منظمة الصحة العالمية بوجود عدد من المصابين بالفيروس.
عزل ووهان عن العالم
وتحت وطأة الانتشار السريع للفيروس لم يعد أمام بكين سوى فرض عزل كامل لووهان.
أرسلت السلطات رسائل نصية للسكان تفيد بأن محطات القطار ستتوقف عن العمل، وكذلك ستتوقف وسائل النقل العامة والخاصة.
وفي اليوم التالي أغلقت المدينة وأسواقها والجامعات والمجمعات السكنية، وخلت شوارعها من البشر الذين سجنوا في منازلهم.
مكث أبو ناموس في المستشفى لمدة ثلاثة أشهر دون أن يبلغ أهله حتى. ويقول: "كنت في صندوق بلاستيكي وكانت الحياة جحيمًا، حيث كنت أعيش لحظات الاحتضار في مخيلتي".
كما يصف وضعه النفسي قائلًا: "كان الأصعب ألا تفقد عقلك إذا لم تفقد حياتك". وكان يحاول السيطرة على نفسه عندما كان يتحدث لعائلته في فترة مرضه.
حالة طوارئ
كما حضر مقدمو الخدمات والمتقاعدون إلى ووهان لتقديم المساعدة، مثل شراء الطعام للمسنين والأدوية للمشتبه بإصابتهم.
وفي فترة الحجر التي دامت أكثر من شهرين، تولّى فريق تزويد الناس بالطعام والحاجات اليومية. كانت الجامعات توفر للطلاب ثلاث وجبات في اليوم إضافة إلى الأدوية والحاجيات الضرورية، بحسب الجوارة.
شعر الطلاب الأجانب بخوف ورغبة بالعودة إلى بلدانهم. فقامت عدد من الدول بإرسال طائرات لإجلاء رعاياها من الصين.
عودة الحياة
وبعد أكثر من عامين، لا شيء يذكّر بأن هذه المدينة الواقعة وسط الصين خاضت عزلًا كاملًا عن العالم، حيث تملأ الحشود المراكز التجارية وتعجّ الشوارع بالناس. وقد تمت السيطرة عمليًا على الفيروس في أبريل/ نيسان 2020 ونسي المواطنون أجواء المدن المهجورة والفوضى في المستشفيات.
وتعتبر ليو جا، صاحبة متجر بالمدينة الصينية، أن "ووهان تعافت جيدًا بعد تفشي الوباء بفضل قوة التكاتف بين الحكومة والشعب".