عندما استقرت 28 عائلة في حي "الشيخ جرّاح" عام 1956، كانت تأمل أن يكون هذا هو اللجوء الأخير، بعد أن تم تهجيرها من منازلها إثر نكبة عام 1948.
ولكن العائلات التي ازداد عددها إلى 38 منذ ذلك الحين، تقول إنها تعيش نكبة متجددة يوميًا.
ويُرتقب، اليوم الخميس، صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن التماس قدمته 4 عائلات ضد قرارات طردها من منازلها.
وفي حال كان القرار سلبيًا، فإن العائلات تقول: إن صراعها عبر المحاكم الإسرائيلية والذي استمر سنوات يكون قد انتهى، وعليها إخلاء منازلها، فيما تخشى بقية العائلات، أن تلاقي المصير ذاته.
بداية مأساة "الشيخ جراح"
في العام 1956، توصلت العائلات الـ28، وجميعها من اللاجئين الذين فقدوا منازلهم إبان نكبة فلسطين عام 1948، إلى اتفاق مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" على توفير مساكن لها بحي الشيخ جراح.
وآنذاك، كانت الضفة الغربية تحت الحكم الأردني (1951-1967).
ويقول الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس: إن الحكومة الأردنية وفرت الأرض، وتبرّعت وكالة الغوث بتكاليف إنشاء 28 منزلًا.
ووفقًا للائتلاف، فقد أُبرم عقد بين وزارة الإنشاء والتعمير والعائلات الفلسطينية عام 1956، "من أهم شروطه الرئيسية قيام السكان بدفع أجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكان بعد انقضاء ثلاث سنوات من إتمام البناء".
لكنّ حرب يونيو/ حزيران عام 1967، (التي انتهت باحتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها القدس)، حالت دون متابعة تفويض الأرض، وتسجيلها بأسماء العائلات، بحسب ما يكشف.
ماذا قالت الحكومة الأردنية؟
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية الخميس الماضي (29 أبريل/ نيسان الجاري)، عن مصادقتها على 14 اتفاقية، وتسليمها إلى أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، عبر وزارة الخارجية الفلسطينية، وهي وثائق جديدة تضاف إلى مجموعة من وثائق سابقة كانت قد سلّمتها أيضًا للجانب الفلسطيني، تدعم تثبيت حقوق أهالي الحي بأراضيهم وممتلكاتهم.
وقالت الوزارة في بيان: إنها سلمت الأهالي شهادة تُبين أن وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، عقدت اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لإنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح، وعقدت اتفاقيات فردية مع الأهالي لإقامة مساكن لهم في الحي، وأنها تعهدت بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض وتسجيل ملكية الوحدات السكنية بأسمائهم، ولكن نتيجة لحرب 67 فإن عملية التفويض وتسجيل الملكية لم تتم.
وأشارت وزارة الخارجية الأردنية إلى أنها زوّدت، في وقت سابق، الجانب الفلسطيني بكافة الوثائق المتوفرة لديها والتي يمكن أن تساعد المقدسيين على الحفاظ على حقوقهم كاملة، من عقود إيجار وكشوفات بأسماء المستفيدين ومراسلات، إضافة إلى نسخة من الاتفاقية عقدت مع الأونروا عام 1954.
بدء المعاناة في العام 1972
يشير محمد الصباغ، أحد سكان الحي، إلى أن معاناة السكان بدأت في العام 1972، حينما زعمت لجنة طائفة السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل "لجنة اليهود الأشكناز" أنهما كانتا تمتلكان الأرض التي أقيمت عليها المنازل في العام 1885.
وفي شهر يوليو/ تموز من العام 1972 طلبت الجمعيتان الإسرائيليتان من المحكمة إخلاء 4 عائلات من منازلها في الحي بداعي "الاعتداء على أملاك الغير دون وجه حق"، بحسب الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس.
وأضاف: "قامت العائلات بتوكيل محامٍ للترافع عنها، وفي عام 1976 صدر حكم من المحاكم الإسرائيلية لصالح العائلات الأربع التي رُفعت الدعوى ضدها، ينص على أن العائلات الأربع موجودة بشكل قانوني وحسب صلاحيات الحكومة الأردنية، وأنها غير معتدية على الأرض".
لكنّ المحكمة قررت - بحسب الصباغ - أن الأرض تعود ملكيتها إلى الجمعيات الإسرائيلية، حسب التسجيل الجديد، الذي تم بدائرة ما تسمى تسجيل الأراضي الإسرائيلية دون النظر ببينة التسجيل الذي تم عام 1972.
القانون العنصري الذي شرّع التهجير
وفي العام 1970، تم سن قانون الشؤون القانونية والإدارية في إسرائيل، والذي نص، من بين أمور أخرى، على أن اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم في القدس الشرقية عام 1948 يمكنهم استردادها إلى ملكيتهم.
وقالت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية: "من المهم الإشارة إلى أن القانون الإسرائيلي (قانون أملاك الغائبين لعام 1950) لا يسمح للفلسطينيين الذين فقدوا ممتلكاتهم في إسرائيل عام 1948 باستعادتها، ويسمح بنقل الأصول إلى حوزة الدولة".
وأضافت في تقرير: "هكذا، ودون التصريح بذلك صراحة، ينص القانون الإسرائيلي على وجود قانون مختلف لليهود والفلسطينيين".
وتابعت حركة السلام الآن: "علاوة على ذلك، حرصت حكومة إسرائيل على تعويض جميع اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم عام 1948، ومنحتهم أصولًا بديلة داخل إسرائيل، ومن ثم، يحق لأصحاب العقارات بموجب قانون الشؤون القانونية والإدارية مضاعفة التعويض عن الخسارة في عام 1948".
اتفاقية دون علم السكان
ويلفت الصباغ إلى أن السكان تعرضوا بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، إلى خديعة وخيانة من قبل محامٍ إسرائيلي وكّلوه للدفاع عنهم.
ويضيف: "في العام 1982، تقدمت الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية بدعوى إخلاء ضد 24 عائلة في حي الشيخ جراح".
ووكّلت 17 عائلة، المحامي الإسرائيلي توسيا كوهين للدفاع عنها، حيث استمرت المعركة القانونية دون أن تستطيع الجمعيات الاستيطانية إثبات الملكية حتى عام 1991.
ويشير الصباغ إلى أنّه "في العام 1991 تم عقد صفقة، اعترف بموجبها المحامي كوهين، بتوقيع باسم سكان الحي ودون علمهم، أن ملكية تلك الأرض تعود للجمعيات الاستيطانية".
ويلفت إلى أنّه "تم منح أهالي الحي وضعية مستأجرين، يسري عليهم قانون حماية المستأجر".
وبحسب الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، فإن ما فعله المحامي، وَضَعَ العائلات الفلسطينية "تحت طائلة الإخلاء في حالة عدم دفعها الإيجار للجمعيات الاستيطانية".
ويقول: "اكتشف السكان بأن الصفقة مؤامرة، أضرت بهم كثيرًا، وثبتت الملكية للمستوطنين وعلى إثر ذلك لم تدفع العائلات الإيجار".
واستمرت المحاكم الإسرائيلية بالنظر في قضايا متبادلة، بين السكان والجمعيات الاستيطانية.
دعوى مضادة تستند إلى الطابو العثماني
ومستندًا إلى وثائق الطابو العثماني، التي تم جلبها من تركيا، قدّم المواطن سليمان درويش حجازي في العام 1997 دعوى إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية، أكد فيها ملكيته للأرض المقامة عليها المنازل في الشيخ جراح.
غير أن المحكمة رفضت في العام 2005 الدعوى التي قدمها حجازي، معتبرة أن الأوراق التي بحوزته لا تثبت ملكيته للأرض. وفي العام 2006 ردّت المحكمة العليا الإسرائيلية استئناف حجازي بخصوص ملكية الأرض.
وفي تطور ملفت للأحداث، قامت الجمعيات الاستيطانية، في العام 2003، ببيع حقوق الملكية بالأرض إلى شركة "نحلات شمعون" الاستيطانية.
بدء عمليات الإخلاء
وعلى مدى سنوات، نظرت المحاكم الإسرائيلية بقضايا مقدمة من الجمعيات الاستيطانية ضد السكان الفلسطينيين، واستئنافات للسكان ضد قرارات صدرت لصالح المستوطنين.
ولكن، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 تم إخلاء عائلة الكرد من منزلها، وتكرر المشهد في أغسطس/ آب 2009 حينما تم طرد عائلتي حنون والغاوي من منزليهما.
وانتقل مستوطنون للعيش في هذه المنازل، بعد طرد أصحابها منها، وتم رفع الأعلام الإسرائيلية عليها إيذانًا بمرحلة جديدة لمعاناة السكان بالحي.
وحتى اللحظة تلقت 12 عائلة فلسطينية بالحي قرارات بالإخلاء، صدرت عن محكمتي الصلح و"المركزية" الإسرائيليتين.
وكانت آخر تحركات السكان، التماس 4 عائلات منها إلى المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، ضد قرارات طردها من منازلها.
ويُرتقب صدور قرار المحكمة اليوم الخميس، ولكن في حال كان القرار سلبيًا، فإن العائلات تقول: إن صراعها عبر المحاكم الإسرائيلية والذي استمر سنوات يكون قد انتهى.
ويخشى السكان من أن أي قرار عن المحكمة العليا الإسرائيلية بالإخلاء، ينذر بإخلاء باقي العائلات.
ويخشى الصباغ، المكونة عائلته من 5 أسر، عدد أفرادها 32 شخصًا بينهم 10 أطفال، أن يصبح لاجئًا مرّة أخرى بعد أن لجأت عائلته من يافا عام 1948، تاركة خلفها منازل يعيش فيها إسرائيليون الآن، دون أن يمكّنها القانون الإسرائيلي من استرجاعها.