الأربعاء 20 نوفمبر / November 2024

"الديمقراطية التوافقية" في لبنان.. هل كانت "الطائفية" سبب سقوطها؟

"الديمقراطية التوافقية" في لبنان.. هل كانت "الطائفية" سبب سقوطها؟

شارك القصة

تناولت حلقة "قراءة ثانية" إشكالية الديمقراطية التوافقية وسؤال الطائفية في لبنان (الصورة: غيتي)
عندما عادت الطوائف إلى التفاهم والتعايش بعد الحرب، لم تعد تلك الديمقراطية التوافقية، أو لم تتمكن القوى والنخب السياسية المختلفة من استعادتها.

منذ استقلاله عام 1943 وحتى نشوب الحرب الأهلية عام 1975، عاش لبنان حالة من التعايش والتفاهمات السياسية أنتجت نظام حكم توافقيًا أو ما يُعرَف بالديمقراطية التوافقية.

في تلك التجربة، اقتسمت المكوّنات الطائفية الحكم في ما بينها وفقًا لميثاق وطني يعطي رئاسة الجمهورية للمكوّن المسيحي الماروني ورئاسة الحكومة للمكوّن المسلم السنّي ورئاسة مجلس النواب للمكوّن المسلم الشيعي، فيما احتلّ ممثلو الطوائف الأخرى مواقع أخرى في هياكل الدولة.

لكنّ تلك التجربة تعثرت ثم سقطت وسقط معها التعايش السلمي ودخل لبنان حربًا أهلية استمرّت 15 عامًا. وعندما عادت الطوائف إلى التفاهم والتعايش بعد الحرب، لم تعد تلك الديمقراطية التوافقية، أو لم تتمكن القوى والنخب السياسية المختلفة من استعادتها.

ويثير هذا الأمر تساؤلات عن حقيقة "ديمقراطية تلك الديمقراطية التوافقية" في لبنان، وما إذا كانت تفاهمات ما بعد الاستقلال ارتكزت على بناء دولة وطنية ديمقراطية جامعة، وليس على أساس طائفي وعلى أساس المحاصصة واقتسام السلطة والنفوذ.

ثلاثة تعريفات للطائفية

يرى الباحث اللبناني أنطوان مسرة في كتابه "النظرية العامة في النظام الدستوري اللبناني" أنّ الدستور والميثاق في لبنان فدراليان ولكن على أسس شخصية وليس على أسس إقليمية، أي من خلال تمثيل الطوائف بناء على انتماء المواطن إلى طائفة، ومن خلال استقلالية الطوائف في مسائل مثل الأحوال الشخصية والتعليم.

ويستند في ذلك إلى التمييز بين ثلاثة تعريفات للطائفية: الأول قاعدة الكوتا أو التخصيص للطوائف، ويؤدي تطبيقها على نحو مغلق إلى تصنيف المواطنين والإساءة إلى مبدأ تكافؤ الفرص، إضافة إلى إرهاق الإدارة بمراكز لتحقيق التوازن ومنع اتخاذ القرارات لأنّ الأكثرية البسيطة لا تسمح بها.

أما الثاني فهو الاستقلالية في الأحوال الشخصية للطوائف وربما التعليم وغيرها، ما يعني نوعًا من الفدرالية على أساس شخصي حيث لا يكون التقاء بين الحدود الطائفية والجغرافية، والثالث يتمثل في المعنى السلبي للطائفية، أي تطييف الدين لإذكاء النزاعات أو استغلاله في التنافس السياسي من جانب رجال الدين والسياسة معًا.

بين التوافقية والديمقراطية التوافقية 

وفي بحث نشرته مجلة "سياسات عربية" في عددها الثلاثين تحت عنوان "في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية وملاءمتها لحل الصراعات الطائفية: نموذجا إيرلندا ولبنان"، يرى الدكتور عزمي بشارة أنّ نموذج ليبهارت لم يميّز على نحو كافٍ بين التوافقية والديمقراطية التوافقية.

فمثلًا توافقت قيادات الطوائف اللبنانية عدّة مرّات بعد حروب أهلية أو صراعات في نوع التوافق أو توصّلت إلى ذلك على نحو حميت فيه بعض الحريات وعملت فيه مؤسسات شبه ديمقراطية نتيجة لاحترام الدستور كلما كان التوازن بين الطوائف قائمًا.

ولكنّ التوافق لم يكن ديمقراطيًا، ولم تقم ديمقراطية توافقية على أساس المواطنة المتساوية، ولم تعضدها ثقافة ديمقراطية، بل أدير التوافق من جهة أسر حاكمة داخل كل طائفة مع امتيازات للبرجوازية المسيحية عمومًا، والمارونية خصوصًا.

وفي الفترة الأخيرة، استُبدِلت ببعض السلالات الطائفية أحزاب طائفية لا تؤمن بقيم الديمقراطية ولا تلتزمها، كما تكرّست حالة العلاقة بين القيادات والأحزاب الطائفية والدول الإقليمية، بحيث أصبح التوافق خاضعًا لموازين قوى دولية وإقليمية في حالات كثيرة.

كما أنّ السلاح الطائفي بقي قائمًا على نحو أحلّ الردع بدلًا من التوافق، ما جعل التعايش يبدو مثل حرب باردة يخشى الجميع أن تتحول إلى حرب أهلية في أي وقت.

مشكلة لبنان التي أدّت إلى الحرب

يتحدّث رئيس برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا باسل صلوخ عن إجماع على أنّ لبنان عاش نوعًا من الديمقراطية التوافقية منذ الاستقلال حتى الحرب الأهلية، مع أرجحية لصلاحيات وسلطة رئيس الجمهورية.

ويشير في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى أنّ ليبهارت يعتبر أنّ مشكلة لبنان التي أدّت إلى الحرب ليست الديمقراطية التوافقية بحدّ ذاتها، وإنما نوع الديمقراطية التوافقية التي وُجِدت في لبنان حتى عام 1975.

ويوضح أنّ هذه الديمقراطية التوافقية تحدّد "كوتا" كل طائفة في الدولة، ففي مجلس النواب المقاعد مقسّمة ومحدّدة على نطاق مناطقي وطائفي، وهذه بالنسبة إليه كانت مشكلة الديمقراطية التوافقية في لبنان، بحيث لم تعد الكوتا مع الوقت تعكس ميزان القوى في المجتمع، ما أدى إلى انفجار الوضع وصولًا إلى حرب 1975.

تجربة "فعّالة إلى حدّ ما"

من جهتها، تشير الباحثة في مركز عصام فارس بالجامعة الأميركية ببيروت ردينة البعلبكي إلى أنّ لبنان ليس الدولة ذات المجتمع التعددي الوحيدة، لا في المنطقة ولا في العالم.

وتلفت في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إلى أنّ نموذج الديمقراطية التوافقية هو نموذج طُبّق في دول عدّة، ونظريًا تمّت مراجعة العديد من الأنظمة لاستنباط النظرية، وبالتالي لا يوجد خصوصية جوهرية في المجتمع اللبناني.

وتوضح أنّ المجتمع اللبناني تعددي بالعديد من المعاني وليس فقط بالمعنى الطائفي، مضيفة أن تجربة الديمقراطية التوافقية كانت فعّالة إلى حدّ ما، ولكن مع اقتراب هذه المرحلة إلى نهايتها، بدأت تبرز الإشكاليات التي أدت إلى انفجار الصراع.

وتشير إلى أنّه مع التغيّرات الديمغرافية التي عرفها المجتمع اللبناني، والتغيرات الاجتماعية التي رافقتها، في إشارة إلى المنظور الطبقي ونشوء الحركات المطلبية والحقوقية، لم تعد الديمقراطية التوافقية تعكس الواقع الديموغرافي.


تابعوا البث المباشر - العربي أخبار
تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close