الإثنين 21 أكتوبر / October 2024

الطباعة ثلاثية الأبعاد خيال أضحى واقعًا.. هل تصل إلى تنفيذ إنسان كامل؟

الطباعة ثلاثية الأبعاد خيال أضحى واقعًا.. هل تصل إلى تنفيذ إنسان كامل؟

شارك القصة

حلقة من برنامج "العربي تك" تستعرض نشأة وتطور الطابعة ثلاثية الأبعاد واستخداماتها (الصورة: غيتي)
يُعد النسخ المتماثل إحدى بنات أفكار جين رودينبيري مؤلف سلسلة أفلام "ستار تريك"، غير أن الخيال شيء والتنفيذ شيء آخر. فكيف تطورت هذه التقنية؟

يبلغ عمر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 80 عامًا من الناحية النظرية، و40 عامًا من الناحية العملية.

وتُعد هذه التقنية، واسمها النسخ المتماثل، إحدى بنات أفكار جين رودينبيري، مؤلف سلسلة أفلام "ستار تريك" الشهيرة والتي صنع فيها كونًا خياليًا. فالرجل كان قد ابتكر أجهزة وكتب تفاصيلها بمنتهى الدقة.  

لكن كيف تطورت تلك الفكرة الخيالية، حتى أصبحت ابتكارًا ومن ثم منتجًا ذي دور محوري في كثير من تطبيقات حياتنا الحديثة؟

محاولات وبراءة اختراع

لا شك في أن الخيال وحده لا يكفي للقيام بالأمور العظيمة، ولا سيما عند الحديث عن تقنية مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد.

فالأخيرة ظهرت بصورتها الحالية على يد المخترع الأميركي تشارلز هال في ثمانينيات القرن الماضي، حين طبع أول مجسم مادي من ملف رقمي أنشأه بواسطة الكومبيوتر. 

ومع ذلك فهو لم يكن أول من حاول تنفيذ ذلك، إلا أن من سبقوه لم يحصلوا على براءات اختراع لعدم استيفائهم الشروط التقنية والدراسات.

واعتمد بناء هال للتقنية في براءة اختراعه على عملية البوليمرات الضوئية، وهي عملية يتم فيها تحويل المواد السائلة إلى أجسام صلبة، باستخدام الاشعاع أو الجسيمات أو التفاعل الكيميائي أو الليزر، ثم يتم وضعها وقولبتها في شكل تصميم النموذج ثلاثي الأبعاد.

وتمكن بعدها هال من إطلاق شركته الخاصة 3D systems corporation، والتي بدورها عملت على إصدار أول آلة في العالم للطباعة الحجرية المجسمة SLA. 

وأتاحت هذه الآلة تصنيع الأجزاء المعقدة طبقة تلو الأخرى في وقت أقل مما يستغرقه تصنيع هذه المجسمات.

وقدم هال أكثر من 60 براءة اختراع حول التكنولوجيا، وأصبح يلقب بالأب الروحي لحركة النماذج الأولية السريعة، واخترع تنسيق ملف STL، الذي ما يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.

خلال هذه الحقبة كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية ناشئة، ولم يكن علم المواد على ما هو عليه اليوم. 

وكانت الآلات تكلف مئات الآلاف من الدولارات، لذلك تم تركيبها فقط في مصانع التصنيع الثقيلة بعيدًا من متناول المستهلكين.

أما اليوم فيُعد التصنيع الإضافي تقنية ناضجة، بعدما نما اهتمام المستهلك وقوة المنصات الصناعية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. 

ويعتقد البعض أن المواد المضافة ستحل محل التصنيع باستخدام الحاسب الآلي والطحن التقليدي في المستقبل. 

ويتوقع تقرير "لاكسري سيرتش" 2021 أن تبلغ قيمة الطباعة ثلاثية الأبعاد 51 مليار دولار بحلول عام 2030.

يبلغ عمر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 80 عامًا من الناحية النظرية - غيتي
يبلغ عمر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 80 عامًا من الناحية النظرية - غيتي

ما هو التصنيع المضاف؟ 

التصنيع المضاف هو مصطلح يطلق على العمليات الصناعية، التي تعتمد على أشعة الليزر والحرارة أو الأشعة فوق البنفسجية لبناء منتجات مصنعة من مواد متعددة.

تبدأ هذه العملية بتصميم نموذج رقمي مصور للجسم المراد طباعته، وعادة ما يصمّم باستخدام برمجيات حاسوبية لإعداد نموذج أولي سريع لهذه الأجسام.

وتتنوع هذه البرمجيات المستخدمة في التصميم بتنوّع أغراض الطباعة، وبالتالي تستخدم صيغًا برمجية مختلفة تشترك جميعًا في المبدأ ذاته.

فهذه البرمجيات تكون نموذجًا رقميًا للمنتج المراد طباعته، ويضم كل التفاصيل التي تعمل الطابعة وفقًا لها مثل كثافة المادة وسرعة الطباعة والمسافات بين الطبقات.

بدورها، تأتي عملية التقطيع الرقمي بعد الانتهاء من التصميم، وتعني تحويل النموذج الرقمي إلى طبقات. وتُعد هذه الخطوة الأكثر أهمية إذ إن الطباعة ثلاثية الأبعاد لا يمكنها وضع تصور لنموذج ثلاثي الأبعاد بالطريقة نفسها، التي يتصورها العقل البشري للأجسام في الفراغ.

ترسل الأوامر إلى جهاز النفث لطباعة كل طبقة على حدة، ومن هنا يبدأ تنفيذ المنتج الفعلي.

ما الجديد الذي تقدمه هذه التقنية؟

تسمح قدرة الطابعات ثلاثية الأبعاد على التحكم في كثافة المادة المطبوعة في مختلف الطبقات، فضلًا عن التحكم بالمسافة بين هذه الطبقات، بإنتاج منتجات أكثر تعقيدًا من حيث الشكل والمواد المصنعة منها.

وهذا الأمر يجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة من وسائل التصنيع التقليدية، على غرار القوالب ووسائل التحكم الرقمي المحوسب CNC، والتي تقوم بصناعة الأجسام على هيئة كتل ذات خواص متجانسة.

ويمنح ما تقدم الطابعات ثلاثية الأبعاد القدرة على اقتحام الكثير من المجالات، إذ يمكنها صناعة أي شيء تقريبًا.

ومع التطور التكنولوجي أخذت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بالازدهار، وباتت تقنية أساسية في مجالات مختلفة من ضمنها المجال الطبي، الذي يعد من أكثر المجالات اهتمامًا بهذه التقنية. 

وقد أخذت هذه التقنية من جانب مطوريها إلى ما هو أبعد من خيال جين وودينبيري، حيث حاولوا طباعة الخلايا الحية البشرية لتخرج في وسط هلامي أو وسط سكري طبقة تلو الأخرى حتى يكتمل الشكل النهائي.

وقد أنتج أول منتج من هذا النوع عام 2009، وفي عام 2013 طبع علماء وباحثون صينيون أعضاء من جسم الإنسان مثل الأصابع والآذان والجلد وحتى الكلى. 

وفي العام نفسه، طبع باحثون في بلجيكا عظام فك لسيدة كبيرة في السن. ولاحقًا تمت طباعة أول كلية مطعمة بالخلايا البشرية، وأول ساق صناعية بشرية تحتوي على مكونات معقدة وأول أوعية دموية مطبوعة باستخدام خلايا بشرية.

وأخيرًا نجحت أول عملية لزراعة عين صناعية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في مستشفى بلندن. 

ومن المتوقع خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة أن يطبع الباحثون أعضاء قادرة على العمل وإنجاز الوظيفة الحيوية المطلوبة منها.

"ستتفوق على العقل البشري"

ويلفت أحمد الحاج موسى، مهندس ومؤسس شركة سمارت هاند في سوريا، إلى أن تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد هي تقنية تصنيعية ستتفوق على العقل البشري، من حيث قدرتها على تصنيع إنسان كامل، قد لا يكون من الممكن تمييزه عن الإنسان الطبيعي.

إلى ذلك، تلبي الطابعات ثلاثية الأبعاد أيضًا احتياجات مجالات متنوعة بينها الفنون والصناعة والعمارة والطعام والملابس والطائرات المسيرة.

وقد أُعلن منذ فترة وجيزة عن أول منزل يسكنه زوجان في أوروبا، وتحديدًا في هولندا، مطبوع بالكامل باستخدام تلك التقنية.

ونشرت دورية "فود سيرتش إنترناشونال" دراسة قام بها باحثون من جامعة ساوباولو في البرازيل، بالاشتراك مع آخرين من كلية نانت أتلانتيك الفرنسية للطب البيطري وهندسة وعلوم الأغذية، في مجال تطوير الهلاميات المائية لبناء النشا المعدل لاستخدامه حبرًا في الطابعات ثلاثية الأبعاد لإنتاج الأطعمة. 

تابع القراءة
المصادر:
العربي