الثلاثاء 29 أكتوبر / October 2024

"سفراء الحرية".. قصص ملهمة لأسرى فلسطينيين أصبحوا آباء داخل السجن  

"سفراء الحرية".. قصص ملهمة لأسرى فلسطينيين أصبحوا آباء داخل السجن  

شارك القصة

تناولت حلقة "عين المكان" لهذا الأسبوع قضية تهريب نُطف الأسرى من داخل سجون الاحتلال تحت عنوان "سفراء الحرية" (الصورة: غيتي)
أشار التقرير السنوي المشترك عن فلسطين لعام 2021 إلى ولادة أكثر من 102 طفل رغم الرقابة الشديدة التي تفرضها سلطات الاحتلال على محاولات التهريب.

تحت عنوان "سفراء الحرية"، يندرج نوع آخر من أشكال النضال الفلسطيني ضد السجّان والمحتلّ الإسرائيلي الذي يمارس كلّ أنواع الانتهاكات بحق الأسرى.

يمنع الاحتلال الأسرى من أبسط حقوقهم الإنسانية، لكنّهم يقبلون "التحدّي"، فينتصرون عليه، كلّ مرة، بأساليب "إبداعية" لا يخالها ولا يتوقعها.

لعلّ قضية النطف المحرّرة تشكل واحدًا من هذه "الانتصارات"، مع نجاح عدد من الأسرى خلق حياة جديدة خارج أسوار السجن في تحدّ لكلّ أنواع القمع والتقييد في السجون الإسرائيلية.

ولأنّ الأمر لم يعد خافيًا على أحد، تكشف حلقة هذا الأسبوع من "عين المكان" بعض "أسرار" هذه القضية، فضلًا عن الطرق التي نجح فيها الأسرى من تهريب نطفهم تحت عين قوات السجن.

كيف نشأت الفكرة؟

لعلّ السؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان هو: كيف نشأت فكرة النطف المحرّرة التي قد تكون فريدة من نوعها، بما تحمله من "إبداع"؟

أما الجواب فهو ببساطة أنّها نشأت من خلف قضبان الاحتلال، وبين زنازين الأسرى أنفسهم، وفق ما يكشف مدير نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري لـ"العربي".

ويوضح الزغاري أنّ الفكرة "ربما بدأت في منتصف التسعينات من القرن الماضي"، في إشارة إلى مشاورات حصلت بين المعتقلين، لكنّها "نضجت في بداية عام 2010 بشكل أوسع".

يشير إلى أنّه "ربما حاول بعض الأسرى القيام بهذه العمليات بدون أن تكون موسعة أو مُعلَنة بشكل كبير وربما لم تنجح عمليات التلقيح في تلك الفترة".

ويضيف: "ربما ما دفع المعتقلين إلى القيام بهذه القضية الجريئة والجديدة والتي تعتبر إبداعًا فلسطينيًا محضًا أنّ هؤلاء المعتقلين هم من ذوي الأحكام العالية، ولا سيما الأسرى المتزوجين".

"خلفية" الفكرة

توجّهنا إلى مركز رزان، المركز الأول في فلسطين لعلاج العقم وأطفال الأنابيب، والذي صار ملجأ للأسرى وزوجاتهم من أجل تجميد النطف بعد تهريبها من السجون.

هنا، يكشف مدير مركز رزان للحقن المجهري الدكتور سالم أبو خيزران عن "خلفية" أخرى للفكرة، بدأت مع أحد الأشخاص الذي أصبح أسيرًا في ما بعد.

يقول أبو خيزران أنّ الشخص المذكور كان يعاني من مشكلة في الإنجاب بشكل طبيعي، وأجرى عملية أطفال أنابيب، وتكللت بالنجاح.

ويشير إلى أنّه عندما تعرّض للأسر لاحقًا، فكّر بوضع زملائه، وبتطبيق الأمر عليهم، ولو أنّ مشكلتهم ليست في الإنجاب، ولكن في عدم قدرتهم على التواصل مع زوجاتهم بشكل طبيعي.

35% من الأسرى متزوجون

يتحدّث الدكتور أبو خيزران عن "خلفية" أخرى للفكرة، تستند إلى عدد الأسرى الكبير ممّن يحصلون على أحكام عالية، وجزء منهم متزوجون وليس لديهم أولاد.

يشير في هذا السياق إلى وجود خوف لدى الحركة الأسيرة أن "يفوت القطار" على هؤلاء الأسرى وزوجاتهم، ولا سيما إنّ سنّ الإنجاب محدود، وأنّ القضية أساسية للفلسطينيين.

وينسجم كلام الطبيب الفلسطيني مع الإحصائيات الرسمية لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، والتي تفيد بأنّ قرابة 35% من الأسرى هم من فئة المتزوجين، ومنهم محكومون بالمؤبد أو السجن مدى الحياة.

وقد كان الأسير عمار الزبن هو أول من سجّل نجاحًا في هذه التجربة، في إنجاب طفله محمد عبر نطف محرَّرة، عام 2012.

تجارب موثّقة

في حلقة "عين المكان"، توثيق لبعض التجارب، على لسان بعض الأسرى وزوجاتهم، ومنهم الأسير المحرّر رأفت القروي، والذي خاض تجربة أثناء اعتقاله.

يتحدّث القروي لـ"العربي" عمّا دفعه للإقدام على هذه الخطوة، حيث يتذكّر أنّه أسِر وهو متزوّج، فكان "شغله الشاغل" كيف تستمرّ زوجته في حياتها، ولا تتأثّر.

يقول إنّ محاولته الأولى لم تنجح، حيث تعرّضت أولى العيّنات للتلف، لكنّه أعاد الكرّة، "فخرجت قطعة من روحي خارج السجن استقبلها أهلي بفرحة عظيمة".

لم يكتفِ بمولوده الأول "عامر"، فأعاد العملية من جديد عام 2018، ليستقبل ثلاثة مواليد جُدُد، هم عبد الله ومريم وميرنا، ويصبح لديه "أربعة سفراء للحرية"، وفق ما يصفهم.

من جهتها، تتحدّث رنان حامد، زوجة الأسير إسلام حامد، عن تجربتها، التي جاءت بعدما حُكِم زوجها بالسجن لـ21 عامًا. تقول إنّه من أصرّ على تطبيق الفكرة، وأنّه كان راغبًا ببناء عائلة.

وتوثّق الأمر نفسه آلاء أبو حميد زوجة الأسير نصر أبو حميد، التي تقول إنّ زوجها أمضى في المعتقل 20 عامًا، "وأحببنا أن نأتي بالفرحة إلى البيت".

طرق تهريب النطف

في غضون ذلك، أشار التقرير السنوي المشترك عن فلسطين لعام 2021 إلى ولادة أكثر من 102 طفل رغم الرقابة الشديدة التي تفرضها سلطات الاحتلال على محاولات التهريب.

ويكشف المعنيّون لـ"العربي" بعض الطرق التي نجح فيها الأسرى من تهريب نطفهم تحت عين قوات السجن ومراقبتهم اللصيقة، رغم التضييق ومحاولات سلطات الاحتلال منع العملية.

في هذا السياق، يقول مدير مركز رزان للحقن المجهري الدكتور سالم أبو خيزران إنّ بعض النطف كانت تأتي في "قالب شوكولا"، وبعضها في "قلم حبر مقفل من ناحيتين".

وفيما يتحدّث أبو خيزران عن الكثير من "الطرق الإبداعية"، يكشف الأسير المحرّر رأفت القروي أنّ العيّنات كانت توضَع في "أكياس".ويقول: "إخراجنا للعيّنات كان عملية أمنية معقدة لأننا نعرف كم أنّ هذا الاحتلال قبيح وليس لديه أخلاق وليس لديه مشكلة أن يتلاعب في النّسَب وغير ذلك".

ويضيف: "منذ البداية ونحن نُحارَب برواية إسرائيلية وفوجئنا قبل أشهر أننا حوربنا بالرواية نفسها لكن بألسنة عربية، أو لا أعرف إذا كانت عربية، وضمائر صهيونية"، في إشارة إلى فيلم "أميرة"، الذي أثار الكثير من الجدل.

كيف تصل النطف إلى المختبرات؟

واستنادًا إلى تجربتها، تكشف آلاء أبو حميد زوجة الأسير نصر أبو حميد أنّ العائلة بأكملها يجب أن تكون على دراية بهذه القضية، لمتابعة الموضوع في المستشفى، وأنّه يجب أن يكون هناك عند فتح العيّنات طرف من عائلة الزوج، وآخر من عائلة الزوجة.

ويقول مدير نادي الأسير إنّ "المعيقات ربما لها علاقة في إيصال هذه النطف المحررة إلى المختبرات في الوقت المناسب حتى يتمّ معالجتها من قبل الجهات الطبية المتخصّصة في هذا المجال بالإضافة إلى المتابعة الطبية للزوجة".

ويؤكد الدكتور أبو خيزران، أنّه "في بعض الحالات كانت تصلنا العيّنة ونجد أنها لا تصلح ونقوم بالتخلص منها".

"عقوبات تأديبية"

لا تنتهي الأمور عند هذا الحدّ، فبمجرد علم سلطات الاحتلال بولادة طفل عبر نطفة محرّرة، تبدأ بالانتقام من الأسير الذي أقدم على هذه الخطوة بفرض عقوبات تأديبية، كزيادة فترة سجنه أو عزله داخل الحبس الانفرادي.

يتحدث مدير نادي الأسير في هذا السياق، عن "عدد من العقوبات التي مورست بحق المعتقلين وبحق الأطفال". ويوضح أنّ سلطات الاحتلال رفضت في بعض الحالات إصدار شهادات ميلاد للأطفال وتسجيلهم في هويات زوجاتهم، ومنعتهم من الزيارة لفترة طويلة.

ويشير إلى أنّ الأسرى عوقبوا أيضًا لفترات طويلة من الزيارة والحرمان من الكثير من الحقوق، وهو ما يؤكده أيضًا الأسير المحرر رأفت القروي، الذي يقول: "إدارة مصلحة السجن منعتنا من إدخالهم للزيارات على أساس أنهم أطفال غير شرعيين، وحاولوا التشكيك أيضًا بمسألة النسَب".

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close