تشهد المحاكم في مقاطعات كندية عدة دعاوى قضائية مرفوعة باسم آلاف النساء من السكان الأصليين، تعرضن للتعقيم قسرًا في المستشفيات الحكومية.
يأتي ذلك عقب أشهر من العثور على 1000 قبر في مواقع داخل مدارس كاثوليكية، في سابقة كشفت فصلًا حالكًا من التاريخ الكندي وسياسة الاستيعاب القسري، التي تُعد منذ عام 2015 إبادة جماعية ثقافية.
توقيع خلال المخاض
وتحدثت وسائل إعلام محلية عن خمس دعاوى لدى محاكم مقاطعات كولومبيا البريطانية وألبرتا وساسكاتشوان ومانيتوبا والكيبك؛ رفعتها نساء قصدن المستشفيات للاإجاب فتم تعقيمهن أثناء العمليات.
وبدا أن المستشفيات طلبت من الحوامل توقيع استمارة موافقة خاصة بحالات الولادة القيسرية، تضمنت بندًا عن ربط البوق.
وبحسب ما أُفيد، كان ذلك يتم قبل دقائق من العمليات وفي بعض الأحيان لدى دخول غرف العمليات، لذا فإن النساء وافقن على الإجراء المصيري، خلال فترة المخاض وما رافقها من آلام، من دون أن يقرأن التفاصيل.
وبينما رُفعت دعوى جماعية في كندا بهذا الشأن، انضمت إليها نحو 100 سيدة من سكان البلاد الأصليين.
بعد اكتشاف مئات القبور لأطفال من السكان الأصليين، قضوا بمدارس داخلية، في #كندا التي تتبع التاج البريطاني.. متظاهرون يسقطون تمثالي الملكتين فيكتوريا وإليزابيث الثانية 👇@AnaAlarabytv pic.twitter.com/rrJkoosG5Z
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 2, 2021
وأدارت الحكومة الفدرالية الكندية في سبعينيات القرن الماضي مستشفى هنديًا، شهد تعقيم 1150 امرأة من السكان الأصليين، وفقًا لسجلات المستشفى.
ورغم منع هذه الممارسة منذ السبعينيات، فإن هذا الإجراء القسري ـ الذي ينهي القدرة على الإنجاب ـ لا يزال يحدث ضد هؤلاء النسوة في كندا اليوم.
ويقول ناشطون إن بعض الناس ما زالوا يحملون فكرة خاطئة مفادها أن النساء من السكان الإصليين لسن أمهات صالحات. وقد يكون هذا سببًا في أن أطبائهم يعتقدون أنه يجب تعقيمهن.
قيود على الإنجاب
وكان قانون اعتمد في مقاطعة ألبرتا عام 1928 واستمر العمل به حتى 1972، قد فرض قيودًا على إنجاب الأشخاص غير المناسبين. وطُبق على بعض الرجال في السجون.
ودخل القانون عام 1933 حيّز التنفيذ في مقاطعة كولومبيا البريطانية، واستمر حتى عام 1973، مستهدفًا النساء من السكان المحليين.
وتوصف الانتهاكات بحق السكان الأصليين بأنها شائعة في كندا، ولا سيما وأن تاريخ البلاد حافل بوقائع مشابهة.
وأُجبرت الحكومة على دفع تعويضات تناهز 30 مليار دولار لأطفال السكان الأصليين وأسرهم، الذين كانوا ضحايا تمييز في إطار برنامج حماية الطفولة، إذ كان أطفال السكان الأصليين ينتزعون من عائلاتهم.
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر إلى تسعينيات القرن العشرين، وُضع نحو 150 ألفًا من أطفال السكان الأصليين قسريًا في 139 مدرسة داخلية باتت مغلقة الآن، فعزلوا عن عائلاتهم ولغتهم وثقافتهم، ولم يعد الآلاف منهم.
وقد عُثر العام الماضي على أكثر من 1000 قبر في مواقع مدارس داخلية كاثوليكية سابقة.
وعلى أثر الاكتشاف المؤلم، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية في كندا اعتذارًا رسميًا للشعوب الأصلية في سبتمبر الماضي.
"موقف حازم للحكومة"
ويلفت الناشط الحقوقي وعضو المرصد الكندي لحقوق الإنسان ياسر ذويب، إلى إبادة ثقافية تعرّض لها السكان الأصليين في كندا.
ويرى في حديث إلى "العربي" من مونتريال، أن العثور على القبور في مقاطعة كولومبيا البريطانية مثّل كارثة إنسانية كبيرة بالنسبة للشعب الكندي.
إضافة إلى ذلك، يوضح ذويب أن الإشكالية تتمحور حول كيفية تعامل الدولة الكندية مع المعطى وهو قضية متشعبة، مذكرًا بأن كندا دولة فدرالية، ولكل مقاطعة سياسة خاصة بهذا الشأن.
ويرى أنه إذا ما وُجد مثل هذا السلوك الفردي وفيه الإجراءات الإجرامية بحق النساء، فإن الحكومة الكندية ستأخذ موقفًا حازمًا، مشيرًا إلى أن القانون يُجرّم مثل هذه الإجراءات.
ويؤكد أن "قضيتنا اليوم هي ما حصل في الماضي، وكيف نستطيع أن نصل إلى إصلاح ما مضى".