لا تزال تداعيات وفاة الموقوف السوري بشار عبد السعود في أحد مراكز جهاز أمن الدولة اللبناني تتفاعل قضائيًا مع إصدار مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية اللبنانية، السبت، قرارًا قضى بتوقيف ضابط وأربعة عناصر في جهاز أمن الدولة على ذمة التحقيق في وفاة الشاب الموقوف.
وأوقف جهاز أمن الدولة الشاب بشار عبد السعود في 31 أغسطس/ آب، وتمّ نقله إلى مكتب جهاز أمن الدولة في قضاء بنت جبيل في جنوب لبنان للتحقيق معه وموقوفين آخرين، حيث توفي هناك.
وأفاد تقرير الطبيب الشرعي أن الموقوف توفي نتيجة تعرّضه لتعذيب قاسٍ أسفر عن إصابته بذبحة قلبية أدت إلى وفاته.
وأظهرت صور متداولة جسد الموقوف المتوفي وقد غطته الكدمات والبقع الزرقاء والجروح.
انتزاع اعترافات
وتوفي الشاب السوري بعد ثلاث ساعات على توقيفه، إذ تعرّض لتعذيب مبرح وصدمات أدت إلى توقّف قلبه، وقد فارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى.
وأخضع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية اللبنانية القاضي فادي عقيقي مكتب أمن الدولة، حيث جرى تعذيب الموقوفين، إلى تحقيقات أولية بإشرافه.
وقال مسؤول قضائي لوكالة "فرانس برس": إن المشتبه بهم أرادوا عبر التعذيب "انتزاع اعترافات من عبد السعود بأنه يترأس خلية أمنية تابعة لتنظيم الدولة، إلا أنه أصرّ على نفي هذه الاتهامات".
وأوضح المسؤول أن "الموقوفين الآخرين من رفاق المتوفى تعرضوا أيضًا للتعذيب من أجل انتزاع اعترافات بأنهم ينتمون إلى التنظيم"، مشيرًا إلى أن آثار التعذيب بادية على أجسادهم، ولا يزال اثنان قيد التوقيف.
وأفات مراسلة "العربي" من بيروت بأن عددًا من الموقوفين لا يزالون في المستشفى حيث عاينهم المحقّق في القضية.
وأشارت مراسلتنا إلى أن هناك علامات استفهام حول مصداقية التحقيق في الحادثة، إذ إن أحد أفراد جهاز أمن الدولة المتّهم أفراده بتعذيب الشبان، هو من يشرف على التحقيق في القضية، مضيفة أن هناك علامات استفهام أيضًا عن التهم الموجّهة إلى الموقوفين، وإذا ما تمّ نزع الاعترافات تحت التعذيب.
وأوضحت أنه على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها على كاهل اللبنانيين، إلا أن عودة الممارسات القمعية من قبل أجهزة الدولة عادت لتكون مصدر قلق للبنانيين.
دعوات للمحاسبة الجادة
وفي هذا الإطار، وصف وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين، الحادثة بأنها "جريمة يرفضها العقل وتنافي حقوق الإنسان".
وطالب ياسين، في تغريدة على "تويتر"، النيابة العامة "بإجراء تحقيق جدّي من قبل القضاء العدلي، وليس العسكري، واحترام أصول الاستقصاء والتحقيق في جرائم التعذيب".
من جهته، دعا النائب إبراهيم منيمنة إلى "حل جهاز أمن الدولة، بعدما أثبت فشله وتسلطه وبطشه وتماديه"، محمّلًا رئاسة مجلس الوزراء التي يتبع إليها هذا الجهاز، مسؤولية "هذه الجريمة كاملة، بما فيها التقاعس والتغاضي عن مساءلة الجهاز وعناصره ورئيسه".
بدورها، استنكرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، في بيان، مقتل عبد السعود، ودعت إلى تجميد جميع أعمال التحقيق في جميع المكاتب الإقليمية التابعة لجهاز أمن الدولة وحصرها بمركز الاحتجاز المركزي في المديرية العامة في منطقة الجناح باشراف القضاء المختص، مع مراعاة الالتزام الصارم بتطبيق القانون رقم 191 الذي يرمي الى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا سيما المادة 47 من القانون التي تكرس الحقوق للمشتبه بهم.
وهذه ليست المرة الأولى التي توجّه فيها اتهامات لأجهزة أمنية لبنانية باللجوء إلى التعذيب خلال التحقيقات.
وفي مارس/ آذار 2021، اتهمت منظمة العفو الدولية أجهزة أمنية لبنانية ومخابرات الجيش بارتكاب انتهاكات بحق لاجئين سوريين بعد اعتقالهم، بينها اللجوء إلى "أساليب التعذيب المروّعة" وحرمانهم من "المحاكمة العادلة".
وتضمّنت أساليب التعذيب "ضربًا بالعصي المعدنية، والكابلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية، وتعليق الموقوفين رأسًا على عقب، وإرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مواصلة قوات الأمن والجيش استخدام التعذيب ضد الموقوفين والمشتبه بهم الموجودين رهن الاحتجاز، بمن فيهم الأطفال، الذين يوضعون في حبس إفرادي، ويتعرّضون لأبشع أنواع الضرب، لانتزاع الاعترافات منهم.